في الساعات الأخيرة، هزّنا جميعًا خبر اعتقال شاب من مدينة شفاعمرو يبلغ من العمر ٤٢ عامًا، بعد ضبط كميات كبيرة من المخدرات بحوزته، بما في ذلك مواد تُستخدم لتخدير الفتيات بهدف الاعتداء عليهن. هذا الخبر لم يكن مجرد حادثة جنائية عابرة، بل جرح نازف في ضمير مجتمعنا، وناقوس خطر يدق في وجدان كل من يحرص على كرامة الإنسان وشرفه.
إن ما حدث لا يمثل شفاعمرو، ولا يمثل مجتمعنا العربي الأصيل الذي طالما تغنّى بقيم الشرف، والكرامة، والأخلاق. شفاعمرو، المدينة التي أنجبت العلماء والمثقفين والمناضلين، لا يمكن أن تُختزل في تصرف فردي شاذ ومشين. لقد سمعنا أصواتًا كثيرة من أبناء المدينة ومن مختلف أنحاء مجتمعنا العربي، تندد وتستنكر هذا الفعل الدنيء، وتؤكد أن لا مكان لمثل هؤلاء بيننا.
مروجو المخدرات ليسوا مجرد مجرمين عاديين، بل هم أدوات هدم ممنهجة، يعبثون بمستقبل شبابنا، ويزرعون الخراب في بيوتنا وأحيائنا. هم المفسدون في الأرض، الذين لا يتورعون عن المتاجرة بآلام الناس، وعن تحويل أجساد الفتيات إلى سلع، وأحلام الشباب إلى كوابيس. إنهم لا يكتفون بتدمير الفرد، بل يسعون إلى تفكيك المجتمع من الداخل، عبر نشر الإدمان، والانحراف، والعنف.
هذه الأفعال لا تتعارض فقط مع القانون، بل تتناقض مع كل ما نؤمن به كعرب ومسلمين ومسيحيين، ومع كل ما تربينا عليه من قيم. إنها خيانة للدين، وخيانة للوطن، وخيانة للإنسانية. فحين يتحول الإنسان إلى أداة لنشر السموم، فإنه يفقد إنسانيته، ويصبح عدوًا لمجتمعه.
إن مسؤوليتنا كمجتمع لا تقتصر على الاستنكار، بل تتطلب تحركًا فعليًا على كافة المستويات:
على مستوى الأسرة: يجب أن نعيد بناء جسور الثقة مع أبنائنا، وأن نكون لهم سندًا ومرشدًا، لا رقيبًا وجلادًا.
على مستوى المؤسسات التربوية: لا بد من تعزيز التوعية حول مخاطر المخدرات، وتوفير بيئة آمنة ومحفزة للطلاب.
على مستوى القيادات الدينية والمجتمعية: يجب أن يكون لهم دور فاعل في التوجيه، وفي فضح هذه الآفة ومروجيها.
على مستوى السلطات المحلية: من الضروري دعم برامج الوقاية والعلاج، وتوفير الموارد اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة.
كما أن على الشرطة والجهات القضائية أن تتعامل مع هذه القضايا بأقصى درجات الحزم، وأن لا تتهاون مع من يثبت تورطه في ترويج السموم، خاصة تلك التي تُستخدم في الاعتداءات الجنسية. فهذه ليست جرائم عادية، بل جرائم ضد الإنسانية.
إننا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نواجه هذه الآفة بكل ما أوتينا من قوة، أو نترك مجتمعنا ينهار تحت وطأة المخدرات والعنف والانحلال. الخيار بأيدينا، والمسؤولية جماعية.
ختامًا، أقولها بمرارة: نعم، هناك من خان شفاعمرو، وخان مجتمعه، وخان إنسانيته. لكن هناك أيضًا آلاف الأصوات الشريفة التي ترفض هذه الخيانة، وتصر على أن تبقى شفاعمرو منارة للقيم، وقلعة للصمود، وعنوانًا للفخر.
المصدر:
كل العرب