شاب في عمر الورود اسمه محمد مرازقة (غمده الله برحمته وألهم أهله الصبر والسلوان) رحل عن الدنيا قتلاً بسكين ليس في ساحة معركة، بل في ساحة مدرسة في كفر قرع. انها جريمة قتل ليست عادية. صحيح أن مجتمعنا يعيش حالات قتل مخيفة مرعبة متواصلة، ولا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة، وأصبحنا نحمل لقب مجتمع القتل، لكن حالة قتل الفتى محمد تعتبر صدمة فعلية لهذا المجتمع، لأنها وقعت داخل مدرسة تحمل اسم مؤسسة تعليمية.
القتل هذه المرة لا علاقة له بالعصابات أو بتصفية حسابات أو بعمليات ابتزاز، بل له علاقة بالتربية البيتية والمدرسية. تلاميذ المدارس يحملون الكتب وهكذا تعلمنا وعلمنا. فكيف يمكن لتلاميذ اصطحاب سكاكين معهم الى المدرسة، وهل أصبحت السكين ضرورية في المدرسة؟ صحيح أن وزارة التربية والتعليم عبّرت عن صدمتها العميقة من وقوع جريمة قتل داخل حرم مدرسة، وأنّها "ستعمل على فحص ظروف الحادثة" لكن ذلك لا يكفي.
جريمة لم تهزّ الوسط التربوي فقط بل المجتمع العربي بأسره. الشرطة تقول انها اعتقلت مشتبها به. أليست هذه أيضاً مصيبة؟ فمن هو المشتبه به؟ هو أيضا تلميذ في مقتبل العمر أصبح يحمل لقب مجرم قاتل. الشرطة تتحدث عن اعتقال تلميذ آخر يُشتبه بضلوعه في حادثة الطعن. المشتبه الثاني هو أيضا تلميذ. المعادلة الآن ثلاثية: قتيل ومشتبهان. فتيان ثلاثة أحدهما ضحية والآخران مشتبهان بقتل الضحية ينتمون لمجتمع ينزف بلغت حصيلة قتلاه لغاية الآن 218 قتيلاً منذ مطلع العام الجاري.
حالة القتل هذه وكل حالة عنف في أماكن أخرى غير المدرسة يكون (أبطالها) فتيان أو شباب يتحمل مسؤوليتها أيضاً الأهل والمدرسة. لكن المسؤول الأول عن كل ما يجري من ممارسات عنف في مجتمعنا هي السلطة وبتعبير أصح وكما قال فضيلة الشيخ كمال خطيب في مقال له بعنوان (لماذا ولماذا ولماذا): "أنها سياسة حكومية رسمية غير معلنة ضد أبناء شعبنا،"
عندما يصل العنف والقتل الى المدرسة يجب طرح السؤال: أين التربية البيتية؟ عندما يحمل تلميذ سكينا في حقيبته المدرسية فمن أين أتى بها؟ كيف تزرع تحصد. والبيئة التي يعيشها الطفل في البيت تنعكس في سلوكياته في المدرسة، التي يتوجب عليها مراقبة التلاميذ واتخاذ إجراءات مراقبة بالتعاون مع الأهل، وكذلك من واجب وزارة التربية والتعليم وضع برامج أمان داخل المؤسسات التعليمية. والمفروض أيضاً وجود تكامل بين التربية الأسرية والتربية المدرسية.
ما حدث في مدرسة كفرع وما يحدث في مجتمعنا العربي يعود بالفعل لانعدام التربية الصحيحة. وكان الدكتور حمد الله ربيع قد عالج هذا الموضوع في كتابه "الفوضى التربوية في الوسط العربي: مسؤولية الأسرة والمجتمع"
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: " إن الهدف الذي جعلني أكتب عن تربية الأبناء في الوسط العربي، هو ما آل إليه حال المجتمع العربي في إسرائيل من فوضى تربوية وأخلاقية، أصبحت تقلق كل أب وأم وكل مرب ومربية. هذه الظاهرة أصبحت منتشرة في هذا المجتمع، ويبدو أن أبناء الجيل الجديد أصبحوا في متاهة تربوية وأخلاقية لم يسبق لها مثيل".
وأخيراً...
مع اعترافي بأن التعميم مرفوض، لكني وعلى ضوء ما جرى في كفر قرع، أقول أن الأهل بحاجة الى تربية قبل الأبناء.
 المصدر:
        
             كل العرب
    
    
        المصدر:
        
             كل العرب