مع افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، وقد تكون الاخيرة، يسعى رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء النائب سيمحا روتمان الى تمرير قوانين واجراءات بصدد نسبة الحسم، أي عتبة 3.25% من مجموع المقترعين كي يحصل الحزب المعني بالتمثيل في الكنيست.
كما يرمي روتمان الى تغيير قانون فائض الاصوات، بحيث المعمول به لحد الان هو اتفاق ثنائي بين حزبين في حال تجاوزا نسبة الحسم، ويتم احتساب فائضي الاصوات لكليهما وفي حال كان يكفي لمقعد اضافي يتم منحه لأحدهما وفقا للقانون. يتضمن مقترح روتمان وهو من حزب الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش اتاحة المجال لاتفاقات فائض اصوات جماعية يتم احتساب اصوات اي حزب مندرج في الاتفاق لصالح "الكتلة" حتى ولو لم يتجاوز نسبة الحسم.
للوهلة الاولى يبدو المقترح معقولا فيما أنه يندرج ضمن خطة مبلورة للهيمنة وللحيلولة دون سقوط تحالف أقصى اليمين، اذ أن حزب سموتريتش هو الحلقة الاضعف في الائتلاف الحاكم واحتمالية سقوطه كبيرة. وفي احتساب عدد المقاعد بعد الانتخابات يكفي بالنسبة لنتنياهو ان يقود كتلة من 51 نائبا وما فوق من أصل 120 كي يشكل كتلة مانعة تحول دون قدرة المعارضة على تشكيل ائتلاف حاكم.
وفقا لتحليلات موقع واينت 21/10 فإن القانون بصدد فائض الاصوات سيجعل نتنياهو في وضع يرتئيه وهو اقامة قائمة مشتركة للاحزاب العربية ولكن على نقيض طموحات الاحزاب العربية منها، اذ بالنسبة لنتنياهو ستكون القائمة المشترة حلقة سهلة للتحريض على شرعيتها من قبله، ولضمان عدم انضمام اي من احزابها الى الائتلاف الحاكم. كما تكثر المؤشرات الى انه لدى نتنياهو واليمين خطة جاهزة في اطلاق حملات لنزع شرعية العرب الفلسطينيين السياسية ولتمثيلهم في الكنيست. ما تعني ترجمته العملية ردع المعارضة عن الاقدام عن اعتماد شراكة اي حزب عربي المقصود القائمة العربية الموحدة في ائتلاف قد تقيمه بعد الانتخابات.
هناك مخزون كبير من الادوات التي يجري التداول فيها للتأثير على الصوت العربي ونسبة تمثيل الاحزاب العربية ومنها؛ القيام بحملات تيئيس للناخبين العرب الفلسطينيين وباستخدام منظومات الذكاء الاصطناعي؛ الترهيب وتكثيف الملاحقات السياسية؛ وشطب الاحزاب وقوائم المرشحين؛ الرقابة المشددة من أقصى اليمين على صناديق الاقتراع في البلدات والتجمعات العربية؛ تثبيت كاميرات رقابة فوق الصناديق في هذه التجمعات، وحتى افتعال صدامات واعتداءات في مراكز الاقتراع هذه مع اطراف من اقصى اليمين وعلى اساسها يتم إلغاء النتائج في صناديق اقتراع عربية مركزية.
على خلفية نتائج انتخابات 2022 والتي أُهدر فيها نحو ربع مليون صوت بفقدان حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وميرتس تمثيلهما وتشكيل حكومة أقصى اليمين، وحصريا على خلفية السابع من اكتوبر 2023 والحرب على غزة، فإن الجمهور العربي الفلسطيني في الداخل وفي غالبيته الكبرى يدفع بقوة نحو تشكيل قائمة مشتركة لزيادة تمثيله باعتبارها آلية حماية لوجوده كجمهور في خطر. فيما قامت القائمة المشتركة لاول مرة ضمن عدة دوافع ومنها على خلفية رفع نسبة الحسم من 2% الى 3.25% بمبادرة احد اقطاب المعارضة اليوم افيغدور ليبرمان، مما هدد تمثيل الاحزاب العربية او جزء منها بعد تجاوز نسبة الحسم من دون اطار جامع.
بموازاة ذلك يقوم نتنياهو بتغيير خطابه للداخل الاسرائيلي نحو المصالحة الداخلية والوحدة وهو ما حصل في خطابه خلال زيارة ترامب للكنيست وخطابه الاخر في افتتاح جلسة الكنيست، حتى ترامب دعاه الى التصالح مع رئيس المعارضة لبيد. يسعى نتنياهو باعتماده هذا المنحى الى مخاطبة اوساط ما يسمى "اليمين الرخو" والذين انزاحوا من تأييده في انتخابات 2022 الى المعارضة خلال الحرب على غزة. هذه الاستدارة في خطاب نتنياهو تبدو سعيا للكسب الانتخابي اذ شكّل افتتاح دورة الكنيست الشتوية الحالية افتتاحا فعليا للمعركة الانتخابية التي لا يزال من غير الواضح متى ستجري.
كان لافتا ايضا اعلان رئيس مجلس الامن القومي تساحي هنغبي عن قرار نتنياهو بتنحيته وعن تقبله للقرار وشكره لنتنياهو على تعيينه في حينه ليتبوأ هذا الموقع الحساس. تمّ اعلان هنغبي خلال الزيارات المكثفة للمسؤولين الامريكيين الى اسرائيل وفي مقدمتهم نائب الرئيس دي فانس ومبعوثي ترامب ويتكوف وكوشنير. توافقت مواقف هنغبي مع الموقف الامريكي، ومع الدفع لانهاء الحرب وانتقد الحملة العسكرية على العاصمة القطرية الدوحة. فيما التوقيت يثير اكثر من علامة سؤال؛ فهل التنحية هي رسالة لادارة ترامب بسبب فرط تدخلها في الشؤون الاسرائيلية الداخلية بما فيها الحزبية ومحاكمة نتنياهو، والتي ادت الى إظهار نتنياهو بأن علاقته مع ادارة ترامب قائمة على التبعية الاسرائيلية. الاحتمالية الاخرى ان يكون لدى نتنياهو مخطط اقليمي بعد فشل ضربة قطر ولا يريد اية معارضة له، فيما قد يكون مسعاه اسرائيليا داخليا لا علاقة له بالحرب ولا بالولايات المتحدة وإنما شأن داخلي في حزب الليكود.
يُعتبر هنغبي رغم نشأته العقائدية المتشددة وقد اشتهر في اندفاعته وجموع نجح في تجنيدها لمواجهة الجيش ومنعه من تدمير مدينة يميت ومستوطناتها التي اقامتها اسرائيل بعد حرب 1967 وهدمتها عند انسحابها من كامل سيناء بعد اتفاقات كامب ديفيد. الا ان يعتبر اليوم اسرائيليا من الاصوات "المسؤولة والوازنة" واصطدم عدة مرات في اجتماعات الحكومة مع ممثلي أقصى اليمين. يبدو أن نتنياهو في استدارة خطابه نحو المركز و"اليمين الرخو" وسعيا لفتح المجال امام احتمالية ائتلافه مع احزاب المعارضة المركزية بدلا من أقصى اليمين، فإن تساحي هنغبي بعد تنحيته يستطيع التعبير عن مواقفه السياسية والاندماج في العمل الحزبي بما يتماشى مع موقف نتنياهو الجديد بالاذعان الى الموقف الامريكي والتسليم به الى حد كبير. في صفوف حزب الحزب الليكود وعلى مدار عقدين من الزمن قام نتنياهو بعملية تصفية سياسية لكل اصحاب التيار اليميني اللبرالي العقائديين، من امثال بيني بيغن ودان مريدور واخرين كثر. حاليا معظم نواب الليكود من التيار الشعبوي العنصري الفاضح ومن غلاة مشاريع الضم واستمرار الحرب وتغيير هوية منظومات الدولة.
في حال لم تكن هذه نوايا نتنياهو تجاه هنغبي، وقام بتنحيته انتقاما من مواقفه، يكون هذا مؤشرا الى فقدان نتنياهو للسيطرة ومضاعفة عدد المناوئين له من شخصيات ذات وزن واثر سياسيين داخليا وخارجيا، مما سيؤدي الى اضعاف رئيس الوزراء ومحاصرة خياراته وسيدفعه للتمسك اكثر بسموتريتش وبن غفير وهو ما لا يريده.
في الخلاصة، لقد بدأت فعليا المعركة الانتخابية الاسرائيلية، ومعها مساعي نتنياهو للامساك بكل خيوطها سعيا لتوفير اكثر من خيار له بما فيه حكومة وحدة قومية صهيونية مع احزب معارضة.
فيما مخاطر شطب الاحزاب العربية وتهميش واقصاء الصوت العربي جدية وكبيرة ولا من روادع، وهو ما يتطلب من هذه الاحزاب الاستعداد لمواجهتها وتجاوزها فيما الخيار المجمع عليه جماهيريا هو القائمة المشتركة التي تجمعها جميعا وتوسع قاعدة تمثيلها.
إن تخفيض نسبة الحسم والذي يبدو مسألة اجرائية وتتيح التعددية، انما يسعى الى ضمان بقاء سيطرة اليمين الحاكم وحصريا الليكود بقيادة نتنياهو لدورة اخرى مستفيدا من مشروع القانون الاخر المقترح بصدد فائض الاصوات، والذي يتيح في حال فشل حزب الصهيونية الدينية ان تبقى تُحتسب اصواته لصالح كتلة اليمن بنقيض المعمول به لغاية الان.
تبعية نتنياهو في قراراته الى الادارة الامريكية، وإذعانه لخطة ترامب بكل مراحلها وحصريا المتقدمة بصدد التحولات المعني بها ترامب في المنطقة نحو التطبيع وتوسيع الاتفاقات الابراهامية، تفرض عليه تغيير خطابه وبداية العمل على بناء تحالفات جديدة خارج اطار أقصى اليمين وعلى حسابه.
قد يكون نتنياهو المستفيد من تنحية رئيس مجلس الامن القومي تساحي هنغبي ويبدو الامر برضى الطرفين، وذلك لإدماج هنغبي في قيادة الليكود في مسعى لتغيير خطاب الحزب من الشعبوية القصوى الى "الاتزان" نحو توفير ارضية للتحالف مع احزاب المعارضة المركزية وضمان بقاء نتنياهو في الحكم وهنغبي منافسا قويا على رئاسة الليكود بعد نتنياهو وفي مواجهة يسرائيل كاتس وغدعون ساعر وآخرين.