آخر الأخبار

بعد شرم الشيخ هل يصمد ائتلاف نتنياهو؟

شارك

في لهجة من "الفكاهة" الترامبية غير المضحكة بدت اقرب الى الهرج أحيانا مرّر ترامب رسائله المعني بها في الكنيست، وهي رسائل موجهة الى المستويين السياسي والشعبي في اسرائيل. في هذا التقرير نتوقف عند رسائله الى الحلبة السياسية الاسرائيلية.
بشكل مباشر وتلقائي لكن ليس عفويا، توجه ترامب الى الرئيس الاسرائيلي هرتسوغ بأن يستخدم صلاحياته ويقوم بالعفو الرئاسي عن رئيس الوزراء نتنياهو، وبوضع حدّ لاستنزافه في ملفاته الجنائية وشطبها. فيما كان اللافت الاخر هو توجهه الى نتنياهو بأن يكون "لطيفا" مع رئيس المعارضة لبيد الذي ألقى خطابا باسم المعارضة. فعليا في هذين التصريحين يجعل ترامب كلاً من نتنياهو ولبيد رئيس المعارضة مدين له بإنقاذه سياسيا، وبذلك يعزز تبعية كلّ منهما له. كما ويبدو ان النهج الامريكي القائم على فكرة أمريكا أولا لا يقبل أكثر بمنظومة اللوبي الصهيوني ليؤثر اسرائيلياً على السياسات الامريكية، بل المعادلة القائمة هي ان الولايات المتحدة ترعى اسرائيل ومصالحها وفقا للرؤية الامريكية الصرف ولاولويات الدولة العظمى.
في القراءة:
يشكل الموقفان أعلاه مسعى الى صفقة داخلية اسرائيلية توافقية بروح الوحدة القومية. لقد استغل ترامب خطابه في الكنيست لتمرير رسائل كثيرة أهمها تكريس نهاية الحرب وتثبيت المسار نحو مراحلها المتقدمة والاكثر تعقيدا ببعدها السياسي. ثم أن ادارته تقدّر بأن تركيبة الائتلاف الحالية قد تعوّق هذه الفرص والتي تشكّل اولويات امريكية. كما وترى ادارته بأن نتنياهو هو الوحيد القادر على قيادة التحول الاسرائيلي من خطاب الحرب الدائمة الى "السلام الاقليمي القائم على الازدهار" لكل المنطقة وحصريا "الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي".
في رسالة أخرى تبدو نافدة الى الذهنية الاسرائيلية وهي تأكيد الرئيس الامريكي بأن اسرائيل حققت انتصاراتها على كل الجبهات بالسلاح الامريكي والدعم الامريكي وان ادارته ستخرجها من عزلتها ايضا وهو انجاز لو تحقق لاسرائيل سيكون بمثابة انتصار كبير. لقد اشاد ترامب بنتنياهو وأثنى عليه سياسيا وتفاوضيا واستراتيجيا. لم يتحدث الى الحكومة الاسرائيلية او عنها بل عن نتنياهو شخصيا.
مقابل قدرته على التأثير الهائل والتفصيلي في السياسات الحزبية الاسرائيلية الداخلية وفي تغيير الخطاب بشكل حاد من الابادة الى الازدهار الاقليمي، فسرعان ما اكتشف ترامب بأن إنهاء عزلة اسرائيل اقليميا ودوليا اكثر تعقيدا مما توقع. لقد وجد هذا الامر تعبيرا عنه في الاشكالية التي كان سيحدثها حضور نتنياهو الى قمة شرم الشيخ يوم 13/10/2025، ليجد ان قرارات محكمة العدل الدولية وحصريا محكمة الجنايات الدولية كانت حاضرة، وأن العديد من قادة الدول وحصريا الاوروبية كانوا سيخضعون للمساءلة القانونية والشعبية في بلدانهم نظرا لنقض قرار محكمة الجنايات الدولية واوامر الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو. فيما وجد نتنياهو ضالته بذريعة عيد العرض، و"احتراما لقدسية العيد" كي يبدو بأنه هو من تراجع عن الحضور، رغما عن أن فتوى "إنقاذ الأنفس" الدينية اليهودية تتيح له المشاركة. لكنه كما يبدو انه تجنب الحضور لكونه سيكشف عزلته ويضعضع اكثر وضعيته دوليا.
ترامب غير المكترث للاجراء القانوني الاسرائيلي الداخلي ولا للقضايا السيادية الاسرائيلية، يصوّب نحو الهدف الامريكي، وهو ترسيخ وتعميق الهيمنة الامريكية وضمان الحلول الامريكية في المنطقة وتجاوز مسبق لاية تحديات اقليمية تشكل خروجا عن الحل الامريكي ومقومات هيمنة هذه الدولة اقليميا ودوليا. فيما يجد اقرب شركائه في ذلك محور تركيا وقطر وسوريا وحتى اندونيسيا، بينما يتعاون مع الاصطفاف الاخر مصر والسعودية والاردن وهو المحور الساعي الى قيام الدولة الفلسطينية وهو اساس الحاضنة العربية للكيانية الفلسطينية بما يعني ان الاستحقاقات الامريكية هي الدولة الفلسطينية. هذا الاستحقاق لا يبدو ذا قابلية امريكية واسرائيلية حاليا. كما انه لا يبدو هو ما يحلم به ترامب.
كرر ترامب في خطاباته في الكنيست وشرم الشيخ مقولة الصراعات منذ ثلاثة الاف عام، وهو خطاب يقود الى ان حل هذه الصراعات يتجلى في الاتفاقات الابراهامية للتعايش بين الاديان ودولها وفقا له. لم يتحدث عن التاريخ الحديث ولا القانون الدولي ولا العام 1948، ولا عن المشروع الصهيوني، بل عن الديانات اليهودية والمسيحية والاسلامية. ما يعني ان خطة انهاء الحرب على غزة متوافق عليها بين كل اطراف اجتماع شرم الشيخ واعلن نتنياهو اعتمادها. بينما الا فق السياسي المستقبلي للسلام الدائم لا يزال غير محسوم، هل سيكون اتفاقات ابراهامية تقبل بها اسرائيل ولا تقبل بها غالبية الدول العربية، ام دولة فلسطينية لا تقبل بها اسرائيل وفقا لخارطتها السياسية الحالية وغير مستعدة لاستحقاقاتها بينما تسعى اليها الدول العربية المحورية وبالشراكة مع حراك دولي شبه شامل باستثناء الولايات المتحدة. في كلا الحالتين فإن هذا الافق سيكون في طور الحسم فيما بعد رئاسة ترامب. وفي كلا الحالتين يكون المسار اقرب الى الحل السياسي والدولة.
الخيارات امام نتنياهو هي؛ تبكير موعد الانتخابات سعيا لدورة جديدة في الحكم ومستندا الى شعبيته المتسعة والى مساندة ترامب المطلقة والى روايته عن الانتصار؛ او مواصلة الحكم المضمون الى حد كبير حتى تشرين الثاني/نوفمير 2026 بحيث لا يوجد من يهدد فعليا حكمه لا في الائتلاف ولا المعارضة؛ فيما يبدو الخيار الثالث الذي يدفع له ترامب هو تغيير الائتلاف الحاكم بانضمام اطراف في المعارضة لحكومة وحدة قومية مهمتها انجاز خطة ترامب. في حال نجح الخيار الاخير لن يكون من المستبعد ان يدفع ترامب كما نتنياهو الى اطالة أمد حكومة الوحدة القومية باعتبار تنفيذ خطته يضاهي حالة طواريء وحتى يتفوق عليها، وفي ذلك مبرر لتجاوز اجرائي قانوني اسرائيلي لا يكترث له ترامب.
في الخلاصة، فقد عزز ترامب من قوة نتنياهو ورسّخ شخصية القائد غير المُنازَع اسرائيليا والقادر على مواجهة مجمل التحديات وفقا له، كما عزز في خطابه فكرة حكومة وحدة قومية يدعو اليها نتنياهو نزولا عند مطلب ورغبة الرئيس الامريكي الذي أوقف الحرب وجعل اسرائيل تنتصر كما مضمون خطابه.
مسألة انتهاء الحرب تبدو محسومة في قرار ترامب ولا تقبل التأويل اسرائيليا. قد تكون محاولات جس نبض باطلاق عمليات عسكرية محدودة لمعاينة رد فعل ترامب، وقد يكون سعيا لتطبيق "النموذج اللبناني" في غزة، اي استغلال اشكاليات نزع السلاح في غزة كذريعة لمواصلة العمليات الحربية في القطاع كما يحدث في لبنان، فيما ان دخول قوات دولية عربية فلسطينية الى القطاع قد تحول دون ذلك وتجعل الخيار الاسرائيلي اكثر تعقيدا والخلاصة هي تنفيذ المراحل المتقدمة من الخطة.
حزبيا اسرائيليا يتضح ان حكم نتنياهو ثابت وازداد ثباتا بعد زيارة ترامب، الا انه اكثر تبعية للموقف الامريكي ولاولويات ادارة ترامب نحو تطبيق خطته، واعادة هندسة السياسة الاسرائيلية الداخلية والاصطفافات الحزبية بما يخدم اولويات الولايات المتحدة.
عزلة اسرائيل لا تزال عميقة وشبه شاملة دوليا، بل ان اجتماع شرم الشيخ أضاف الى العزلة السياسية بعداً قانونيا بكون نتنياهو مطلوب للجنائية الدولية، مما قد يجعل ترامب يوجّه ضغوطاته على المحكمة مباشرة او بالسعي الى إبتزاز الموقف العربي والفلسطيني، سعيا لفرض التراجع عن استدعاء نتنياهو.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا