في لقاء خاص مع موقع بكرا، قال الكاتب والمحلل السياسي عودة بشارات إن جملة قالها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – "إسرائيل لا تستطيع أن تحارب العالم كله، بيبي!" – تحمل في طياتها حقيقة بسيطة وعميقة، رغم كثرة التصريحات الفارغة التي يطلقها ترامب عادة.
وأوضح بشارات أن هذه الجملة تستحق أن تُنقش بحروف من ذهب، لأنها تعبّر عن واقع سياسي دولي يتغير أمام أعين الجميع.
لسنا ضحايا، بل نحن من يعادي العالم
وفي حديثه عن الشعار المتداول "العالم كله ضدنا"، أشار بشارات إلى أن الأدق هو القول "نحن ضد العالم كله". وأوضح أنه بعد هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حركة حماس، وقف معظم دول العالم إلى جانب إسرائيل.
لكنه أكد أن الموقف العالمي بدأ يتغير تدريجيا وبشكل واضح عندما حوّلت إسرائيل المعركة ضد حماس إلى هجوم شامل على قطاع غزة، مبانيه وسكانه، مما جعل العالم يرى فيها آلة قتل بلا ضوابط.
وقال: "الفظائع كانت واضحة وجلية، تُرتكب أمام العالم بأسره. في السابق كانت إسرائيل تضرب وتبكي، أما هذه المرة فهي تضرب وتركض لتروي للعالم ما فعلته وكأنه إنجاز".
تصريحات تصدم الضمير الإنساني
أشار بشارات إلى أن التصريحات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين ومؤثرين خلال الحرب على غزة تثير الصدمة وتقشعر لها الأبدان، وأضاف: "لو جُمعت تلك التصريحات، لأمكن تأليف كتاب كامل بعنوان ’أقوال لا تصدق‘".
وأكد أن العالم بات يصعب عليه تصديق أن إبادة جماعية تُرتكب بشكل علني، ويتم الترويج لها بفخر، من قبل أبناء من كانوا ضحايا الإبادة في أوروبا في القرن الماضي.
تضامن عالمي غير مسبوق
تحدث بشارات عن موجات التضامن العالمية، واصفًا إياها بأنها غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وقال: "لا أذكر، ولا أظن أن أحدا ممن هو أكبر مني سنا يذكر، موجات تضامن بهذه القوة التي اجتاحت الساحات في المدن الكبرى حول العالم".
وأضاف: "الأعلام الفلسطينية ظهرت في أماكن نائية، وإنقاذ فلسطين أصبح واجبا أخلاقيا مطلقا بالنسبة للكثيرين".
ما الذي يدفع الأوروبي للخروج من بيته لأجل فلسطين؟
تساءل بشارات خلال اللقاء: "ما الذي يدفع مواطنًا إيطاليًا – أو غيره من الأوروبيين – إلى ترك عمله وحياته اليومية، والمشاركة في مظاهرات حاشدة من أجل شعب لا يعرفه، يبعد عنه آلاف الكيلومترات، ويتحدث لغة وثقافة مختلفة؟"
وأوضح أن التفسير لا يمكن حصره في معاداة السامية فقط أو حب لفلسطين، بل قد يكون أعمق من ذلك، داعيًا إلى دراسة هذه الظاهرة، خاصة أنها تتركز بشكل ملحوظ في أوروبا.
أوروبا تحاول التكفير... ولكن على حساب من؟
قال بشارات إن ما نشهده من تضامن أوروبي اليوم يعود إلى مشاعر الذنب التاريخي التي يشعر بها الرأي العام الأوروبي تجاه اليهود بسبب الهولوكوست.
وتابع: "بعد اضطهادهم لليهود، حمّل الأوروبيون العرب مسؤولية التكفير عن هذا الذنب، وكانت الكلفة الأكبر على الفلسطينيين الذين اقتُلعوا من وطنهم خلال ليلة وضحاها".
وأكد أن الرأي العام الأوروبي بدأ، في ظل فظائع غزة، يتخلى عن الفكرة التي ألزمته بدعم إسرائيل مطلقا كوسيلة للتكفير عن ماضيه، وأضاف: "نتنياهو حرر أوروبا من هذا القيد. لم تعد إسرائيل فوق النقد".
الجرائم لا ترتكبها أوروبا فقط
شدد بشارات على أن الأوروبيين أدركوا أن الجرائم ليست حكرًا على أوروبا، وقال: "اليوم يفهمون أن إسرائيل أيضًا ترتكب جرائم عندما تستطيع، تماما كما فعلت أوروبا في ماضيها".
وأشار إلى أن سلوك إسرائيل في غزة أعطى للرأي العام الأوروبي شرعية أخلاقية للوقوف ضدها دون تأنيب ضمير، وأضاف: "إسرائيل لم تعد محصنة من المحاسبة، على الأقل في نظر الشارع العالمي".
انهيار داخلي وخطر على مؤسسات الدولة
حذر بشارات من أن الإفلات من العقاب لا يضر فقط بالفلسطينيين، بل بالداخل الإسرائيلي أيضا، مشيرا إلى أن الإفلات من العقاب تحول إلى وحش، يلتهم الداخل قبل الخارج.
وأضاف أن ما جرى للمستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، خلال اجتماع الحكومة الأخير، دليل واضح على تآكل المؤسسات داخل إسرائيل، وأكد أن هذا النموذج يعكس ما يحدث عندما تعتاد دولة على التصرف دون محاسبة.
أمام نهر العائدين إلى غزة... الحياة أقوى من الدمار
وفي ختام اللقاء، دعا بشارات إلى مشاهدة مشهد العودة الجماعية إلى مدينة غزة، مؤكدا أن نهر البشر العائدين إلى حياتهم، إلى أرضهم، يثبت أن إرادة الحياة أقوى وأجمل وأبقى من كل نداءات الدمار والإبادة.