في مشهد غير مسبوق داخل الكنيست الإسرائيلي، استغل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابه الرسمي ليقترح على الرئيس يتسحاق هرتسوغ منح عفو رئاسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قائلاً: “لدي فكرة، سيدي الرئيس، لماذا لا تمنحه عفوًا؟”. هذا التصريح، الذي قوبل بتصفيق حار من بعض أعضاء الكنيست، لم يكن عفويًا كما حاول ترامب الإيحاء لاحقًا، بل جاء – بحسب اعترافه – بطلب مباشر من نتنياهو نفسه. ترامب أوضح لاحقًا أنه لم يكن ينوي التطرق لموضوع العفو، لكنه شعر أن “التوقيت كان مثاليًا” بعد التصفيق الحار، مضيفًا: “قلت لنتنياهو إنني لا أريد أن أثير هذا الموضوع، لكنه طلب مني ذلك”.
هذا الاعتراف يكشف عن محاولة واضحة من نتنياهو لاستخدام النفوذ السياسي الأميركي للتأثير على مسار العدالة الإسرائيلية، ويثير تساؤلات خطيرة حول استقلالية القرار القضائي في إسرائيل. فهل باتت العدالة تُدار من خلال التصفيق في البرلمان، أم عبر المجاملات السياسية العابرة للحدود؟
نتنياهو لا يواجه فقط محاكمة داخلية بتهم فساد تشمل الرشوة وخيانة الأمانة، بل أصبح أيضًا هدفًا لتحقيقات دولية. المحكمة الجنائية الدولية تنظر في اتهامات ضده بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزة، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح، واستهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات الإنسانية. هذه الاتهامات تضعه في مواجهة قانونية مع أكثر من 120 دولة حول العالم يمكن أن تنفذ أمر الاعتقال إذا دخل أراضيها. في هذا السياق، يصبح الحديث عن العفو الرئاسي ليس مجرد نقاش قانوني داخلي، بل قضية تمس مصداقية إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وتضعها في موقف المتواطئ مع الإفلات من العقاب.
منح العفو في هذه المرحلة سيكون بمثابة مكافأة على الفساد والجرائم، ويُشكل سابقة خطيرة تهدد مبدأ المساواة أمام القانون. كما أنه يبعث برسالة مدمرة إلى الجمهور مفادها أن السياسيين النافذين يمكنهم الإفلات من المحاسبة عبر التحالفات الدولية والضغوط السياسية. تصريحات ترامب، التي جاءت من قلب البرلمان الإسرائيلي، تُعد تدخلاً فجًا في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة. لا يحق لأي زعيم أجنبي، مهما كانت علاقته الوثيقة بإسرائيل، أن يوجه توصيات بشأن قرارات سيادية مثل العفو الرئاسي. هذا التدخل يُضعف استقلالية القرار الإسرائيلي، ويُظهر الدولة وكأنها تستجيب لإملاءات خارجية، خصوصًا عندما يكون الطلب صادرًا من المتهم نفسه.
رفض العفو عن نتنياهو ليس موقفًا سياسيًا، بل دفاع عن أسس العدالة وسيادة القانون. على الرئيس هرتسوغ أن يرفض الضغوط، سواء جاءت من الداخل أو الخارج، وأن يثبت أن إسرائيل دولة قانون لا تُدار بالتصفيق أو المجاملات السياسية. أما نتنياهو، فعليه أن يواجه القضاء كما يفعل أي مواطن، لا أن يختبئ خلف حصانة سياسية أو دعم أجنبي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com