آخر الأخبار

بين اجتماعي شرم الشيخ... حالة الفلسطينية جديدة

شارك

تشير التطورات الأخيرة والتي تتوج بمؤتمر دولي في شرم الشيخ، إلى بداية تشكّل مرحلة جديدة في الإقليم، تتجاوز حدود الصراع العسكري في غزة نحو إعادة صياغة التوازنات السياسية الإسرائيلية والعربية والدولية. ويمكن رصد أبرز ملامح هذه المرحلة في النقاط التالية:

1. عمق التدخل الأمريكي في القرار الإسرائيلي:

مشاركة مبعوثي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مظاهرة عائلات الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، والترحيب الشعبي الواسع بخطاباتهم، إلى جانب حضورهم جلسة الحكومة لإقرار خطة الانسحاب من غزة، ثم جولتهم الميدانية لتفقد تنفيذها، تمثل جميعها مؤشرًا واضحًا على مستوى التدخل الأمريكي في تفاصيل السياسة الإسرائيلية، ومحاولة واشنطن ضبط الإيقاع الشعبي والسياسي داخل إسرائيل. هذا التدخل لا يقتصر على الجانب الشكلي، بل يعكس مسعى أمريكيًا لتغيير الذهنية الإسرائيلية من النزعة الإبادية إلى قبول متطلبات إنهاء الحرب واستحقاقات ما بعدها.

2. مؤتمر شرم الشيخ وتحولات الجغرافيا السياسية:

يشكّل مؤتمر شرم الشيخ المزمع عقده في 13 أكتوبر برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، نقطة تحوّل في المقاربات الإقليمية والدولية للحرب على غزة. فوقف الحرب لم يعد هدفًا بحد ذاته، بل أصبح جزءًا من بروز محورين إقليميين رئيسيين: محور مصري-سعودي-أردني، يضم أيضًا الإمارات، يدفع باتجاه قيام دولة فلسطينية؛ ومحور تركي-قطري وربما سوري، يسعى لضمانات تنفيذ اتفاقات شرم الشيخ. هذه الاصطفافات الجديدة تعيد رسم ملامح المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

3. مركزية الدور المصري:

على الرغم من محاولات إسرائيل استبعاد القاهرة أو تقليص نفوذها، فإن الدور المصري بات الأكثر حيوية وتأثيرًا، نظرًا لتمسكه بحل شامل يقوم على وحدة الكيان الفلسطيني في الضفة والقطاع. وقد نجحت القاهرة، بدعم سعودي وأوروبي، في إحباط مشاريع التهجير من غزة، وفي تعزيز الضغط على واشنطن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما عمّق عزلة إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخها السياسي والدبلوماسي.

4. خطاب ترامب أمام الكنيست والتحول في المعادلة الإسرائيلية:

من المنتظر أن يلقي ترامب خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي، سيكرّس فيه مرحلة ما بعد الحرب، ويؤكد الانتقال نحو الإعمار ودخول القوات الفلسطينية والعربية والدولية إلى غزة. ورغم أن مضمونه قد يتعارض مع مواقف نتنياهو، إلا أن الأخير لن يتمكن من الاعتراض، خصوصًا إذا تضمّن الخطاب إشادة بشخصه، الأمر الذي سيعزز مكانته السياسية على حساب أقصى اليمين الإسرائيلي الذي تتراجع أطماعه الاستيطانية والتهجيرية.

5. التحولات في المشهد الحزبي الإسرائيلي:

من المتوقع أن تشهد الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية اصطفافات جديدة تتوافق مع خطة ترامب ومخرجات مؤتمر شرم الشيخ. فواشنطن تدرك أن تطبيق الخطة يتطلب تعديلات داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، إذ إن بقاء التركيبة الحالية قد يعوق تنفيذ بنود التسوية وخارطة الطريق نحو الحل السياسي الشامل.

6. استعادة الزخم العربي وتبدّل موازين الأدوار:

يشهد الموقف العربي اليوم حالة من التناغم غير المسبوق، حيث تتصدر مصر إدارة المسار السياسي بدعم سعودي، بينما يتركز دور قطر وتركيا على التواصل مع حماس والضغط عليها ضمن محور موازٍ. ويعكس شكر المبعوث الأمريكي ويتكوف لمصر أمام مئات آلاف المتظاهرين الإسرائيليين اعترافًا أمريكيًا صريحًا بتحول موازين الأدوار الإقليمية. هذا التحول يشير إلى أفق سياسي جديد يقوم على الدولة الفلسطينية كحل نهائي متفق عليه.

7. خطورة المشهد الفلسطيني الداخلي:

يبقى الوضع الفلسطيني الداخلي الأكثر هشاشة وخطورة. تضارب البيانات داخل الفصيل الواحد، وغياب المعلومات الدقيقة حول ترتيبات التبادل أو مستقبل غزة، يشيران إلى تصاعد الصراعات الداخلية. كما أن الميليشيات التي أنشأتها ورعتها الاستخبارات الإسرائيلية تحولت إلى قوى حرب داخلية خطيرة. في المقابل، فإن الجدل حول التنازل عن السلطة أو التمسك بها يعكس حالة من الارتباك السياسي قد تقود إلى مواجهات محتملة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية المدربة في مصر والأردن وبين مجموعات مسلحة محلية. نجاح مصر في تأمين مشاركة السلطة الفلسطينية في المداولات المقبلة سيكون بمثابة حسم لموقف عربي موحد تجاه المستقبل السياسي الفلسطيني.

8. انتقال مراكز الثقل الفلسطيني:

من المحتمل أن تتكرر ظاهرة انتقال مركز الفعل الفلسطيني من ساحة إلى أخرى، كما حدث تاريخيًا بين عمّان وبيروت والكويت. ثمة إشارات إلى محاولات تحميل الأردن تبعات ما بعد مرحلة غزة، ومطالبة قطر بتقليص دورها، فيما تسعى تركيا لتقييد تحركات بعض الفصائل، ما يعكس إعادة توزيع أدوار الأطراف الإقليمية في إدارة الملف الفلسطيني.

9. الفرصة التاريخية والتحدي الأكبر:

يقف الشعب الفلسطيني أمام مفترق طرق تاريخي: فإما تحويل الزخم العربي والدولي الراهن إلى فرصة لتحقيق الدولة الفلسطينية، أو ضياعها مجددًا تحت وطأة الانقسام والصراعات الداخلية. إن الجهة القادرة على ضبط الإيقاع الفلسطيني وتوجيهه نحو مسار الدولة هي الجهة العربية، وفي مقدمتها مصر. وعليه، فإن الأولوية الراهنة تكمن في التوافق مع الموقف العربي ودعمه وتصويبه عند الحاجة، بدلًا من الاكتفاء بشعار "ترتيب البيت الفلسطيني أولًا"، إذ لا يمكن تحقيق ذلك بمعزل عن الامتداد العربي والدعم الإقليمي المنظم.

في الخلاصة؛ تعكس التطورات الأخيرة في الإقليم، لا سيما بعد مؤتمر شرم الشيخ وتزايد الانخراط الأمريكي المباشر، تحوّلًا استراتيجيًا في إدارة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي وفي خريطة التوازنات الإقليمية. واشنطن، من خلال دور مبعوثي ترامب، لم تعد مجرد وسيط، بل أصبحت طرفًا موجهًا للقرار الإسرائيلي ومحدِّدًا لإيقاعه السياسي والشعبي، في سياق هندسة مرحلة "ما بعد الحرب على غزة".

في المقابل، برزت مصر كقوة إقليمية مركزية قادرة على التأثير في مجريات ما بعد الحرب، مدعومة من السعودية والأردن، بينما أُعيد تموضع قطر وتركيا في أدوار أكثر ارتباطًا بملف حماس وضبط المشهد الأمني. هذه الاصطفافات الجديدة تشكّل ملامح نظام إقليمي قيد التشكل، يوازن بين مسار التسوية السياسية وضمان الاستقرار الأمني.

تبقى الساحة الفلسطينية الداخلية، الحلقة الأضعف والأكثر خطورة، إذ تنذر الانقسامات والصراعات داخل الفصائل وعدم الالتزام بما تم فعليا التعهّد به بنزع السلاح، بتقويض فرص التحول السياسي. ومع ذلك، تظل اللحظة الراهنة فرصة تاريخية نادرة لبلورة قيادية فلسطينية تنخرط في المسار العربي وتحوّل الزخم الدولي إلى خطوات عملية نحو الدولة الفلسطينية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا