منذ الإعلان عن مسار سياسي «سريع» يقوده الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، تثار أسئلة كثيرة حول ماهية الخطة، ونواياها الحقيقية، ومدى توازنها بين الطرفين. فهل هي حقًا رؤية لإنهاء الصراع وتحقيق دولة فلسطينية قابلة للحياة، أم صيغة محدثة لتكريس التفوق الإسرائيلي في ثوبٍ تفاوضي جديد؟.. تتضح ملامح الخطة في خطوطها العريضة: وقف إطلاق نار مرحلي، تبادل للأسرى، إنشاء إدارة مؤقتة في غزة بإشراف دولي، وإطلاق مشاريع لإعادة الإعمار بتمويل عربي وغربي مشروط. وقد تبدو هذه البنود في ظاهرها خطوات إنسانية أو سياسية نحو التهدئة، لكنها في جوهرها ترتّب أولويات تتقدّم فيها،
الضمانات الأمنية لإسرائيل..
على الحقوق السياسية للفلسطينيين، وتُعيد تكرار المعادلة القديمة التي تُغلّف الانحياز بمساحيق «السلام الاقتصادي».
منذ بداية الطرح الأميركي، بدا واضحًا أن الخطة تندرج ضمن سياق انتخابي وإقليمي مزدوج: داخليًا يسعى ترامب لإعادة تثبيت نفوذه أمام ناخبيه من خلال إظهار «نجاح» دبلوماسي في الشرق الأوسط، وخارجيًا تهدف واشنطن إلى "تهيئة بيئة تطبيع أوسع بين إسرائيل وبعض الدول العربية"، بحيث يُربط قيام أي كيان فلسطيني مستقبلي بمدى استقرار غزة وضبطها الأمني. أي أن فكرة الدولة الفلسطينية لم تعد هدفًا مباشرًا أو ثابتًا، بل احتمال مؤجل يخضع لشروط ومعايير أمنية وسياسية تضع إسرائيل في موقع الحَكم والمستفيد معًا.
أما عن توازن الخطة، فالمؤشرات حتى الآن لا تُظهر عدالة كاملة أو تكافؤًا في المعايير..
فالنصوص المسربة والبيانات التوضيحية تؤكد أن الجانب الفلسطيني مطالب بخطوات ملموسة كوقف «التحريض» ونزع السلاح والقبول بإدارة انتقالية، بينما تُمنح إسرائيل حق الرقابة والتدخل الميداني بحجة منع تهديدات مستقبلية.
وهنا تكمن المفارقة الكبرى: خطة يُفترض أنها تسوية، لكنها تُبنى على مبدأ الأمن أولًا وليس على مبدأ الحقوق والعدالة المتبادلة..
أما نية ترامب في دفع مسار مصالحة شاملة تفضي إلى قيام دولة فلسطينية فتبقى محل شكّ. فالتجربة التاريخية منذ «صفقة القرن» السابقة إلى اليوم تُظهر أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، رغم الحديث عن حلّ الدولتين، لم تُقدّم إطارًا تنفيذياً يضمن السيادة الفلسطينية الكاملة. بل ظلّ الحديث محصورًا في «إدارة ذاتية موسعة» أو «كيان منزوع السلاح»، وهي صيغ تُضعف مفهوم الدولة المستقلة وتُفرغها من مضمونها السياسي.
في المقابل، يبدو أن الرهان الأميركي اليوم يقوم على فكرة «الواقعية الميدانية»؛ أي البدء بخطوات جزئية في غزة، مثل وقف الحرب، وعودة النازحين، وإعادة الإعمار بإشراف دولي، على أمل أن تؤدي إلى هدنة طويلة تتيح التطبيع الإقليمي مع إسرائيل. لكنّ هذه المقاربة قد تنجح مرحليًا في خفض التوتر دون أن تُعالج جذور الصراع: الاحتلال، والاستيطان، وحق تقرير المصير للفلسطينيين. فالمصالحة الحقيقية تتطلب مساواة في الحقوق وضمانات سياسية لا تقلّ أهمية عن الضمانات الأمنية.
أما بخصوص التجانس أو التفاهم الفلسطيني الداخلي في ظل المفاوضات المحتملة، فإنّ الانقسام بين غزة والضفة يبقى أحد العوائق الجوهرية. فالخطة – كما يبدو – تحاول الالتفاف على هذا الواقع بطرح إدارة «فنية» أو «دولية» لمرحلة مؤقتة، ما قد يُضعف وحدة القرار الفلسطيني ويُحوّل الإعمار إلى ورقة ضغط سياسية. كما أن مسألة الانسحاب الإسرائيلي الكامل وعودة النازحين لا تزال غامضة وغير مضمونة، إذ رُبطت بمدى «التزام الفصائل» بالشروط الأمنية، ما يعني أن التنفيذ الفعلي مرهون بقبول إسرائيلي أكثر منه بتوافق فلسطيني.
في المحصلة، يمكن القول إنّ خطة ترامب، رغم ما تحمله من وعودٍ شكلية بالسلام،
تميل بوضوح إلى ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية وإعادة إنتاج الصراع في قالبٍ اقتصادي–
أمني جديد.
فهي تُجمّل المشهد ببعض البنود الإنسانية، لكنها لا تُقدّم رؤية متكاملة لإنهاء الاحتلال أو ضمان إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ولعلّ ما تحتاجه المنطقة حقًا ليس مسارًا سريعًا يُراد له أن يُتوج بسلامٍ منقوص، بل خطة عادلة ومتوازنة تعيد الثقة إلى الشعب الفلسطيني وتُعيد تعريف مفهوم الأمن على أساس العدالة، لا على حسابها..
وبعد كل المساهمات الدولية والمتناقضات العالمية في ارساء مصالحها ،لا ولن يتم الا ما يخدم الانسان والأنسانية، حيث ان القيمة البشرية تعلو فوق كل المصالح الاقتصادية العالمية، ولا بد للبدايات المؤلمة الا وتنتهي بمسار العدل والانصاف..
لقد كتبت وقرأت وحللت واستنتجت بكل ما لدي من بحور السياسة والمصالح العالمية بقدر لا بأس به..وأن كنت على خطأ فيقوموني..!!