ترامب: دعم نتنياهو مقابل تغيير ائتلافه
يقوم نتنياهو باستدارة كبيرة على الساحة السياسية الحزبية الاسرائيلية سعيا للحفاظ على حكمه والذي يرى به ضمانة لاسرائيل ومستقبلها. كما ويظهر أثر التدخل الامريكي المباشر على مواقف الاحزاب لضمان انجاز خطة ترامب. فالادارة الامريكية ومن خلال سفارتها ومسؤولين اخرين تقوم بالتدخل في الساحة الحزبية لتغيير الحكومة الحالية اما داخليا او استبدالها والارجح داخلياً.
يواجه نتنياهو وحكومته عددا من التحديات الكبرى على مستوى السياسة الاسرائيلية الداخلية وكذلك تتوفر لديه عدة فرص. التقدم نحو سلام اقليمي او فتح افق لدولة فلسطينية يتطلب بالضرورة تغيير تركيبة الائتلاف الحاكم وقد تكون اكثر ضمانا بالنسبة لادارة ترامب من انتخابات مبكرة، بما في ذلك احتمالية ان تقوم تركيبة جديدة للحكومة بتأجيل محدود في موعد الانتخابات لضمان انجاز خطة ترامب بمراحلها المتقدمة بدلا عن تأجيلها لاستحقاقات الحرب المستدامة كما كانت توحي الاجواء لحد الان. في حال زار ترامب كلا من مصر ومنها الى اسرائيل في الايام القادمة فإنه سوف يعزز وضعية نتنياهو في الحكم.
في هذا الصدد يبدو ان تقديرات الادارة الامريكية لا تشير الى ضمان تغيير الحكم في اسرائيل في حال جرت انتخابات للكنيست، فوفقا لمعظم الاستطلاعات ومنحى التحولات في جمهور المصوتين لا يوجد ضمانات ان يكون بمستطاع كتل المعارضة بتغيير الحكم اي الفوز بأغلبية مطلقة، بل يبقى لنتنياهو القدرة على تعطيل تشكيل اية حكومة في حال حصلت كتلته على اكثر من خمسين مقعدا، مما يحول دون تحقيق المعارضة الحالية للاغالبية المطلقة اي اكثر من ستين عضوا من دون الاحزاب العربية التي تمنحها الاستطلاعات حاليا عشرة مقاعد والاحتمالية ان تزيد في حال تشكلت قائمة مشتركة.
في المقابل في حال انجاز خطة ترامب قد تحدث اسرائيلياً حالة من التوجه نحو التعقّل السياسي والتراجع عن مفاهيم الحرب المستدامة والابادة وشطب قضية فلسطين. بل أن الخطة تشمل بندين يتحدثان عن أفق سياسي اسرائيلي فلسطيني وإقليمي شامل. في هذا السياق تأتي تصريحات غادي ايزنكوت الطامح لرئاسة المعارضة لكن بنهج مختلف عن اقطابها من حزبي لبيد وليبرمان. تبدو تصريحات ايزنكوت متناغمة مع الموقف الامريكي بخلاف نتنياهو الذي يتبني خطة ترامب اضطرارا وعلى مضض، ويسعى بعد ان استسلم لوقعها الى تصويرها بالانجاز التاريخي واليوم العظيم الذي صنعه هو.
تقوم التحركات الامريكية على الساحة الاسرائيلية الحزبية على اعتبار نتنياهو الوحيد القادر على تجاوز المرحلة الاولى من الخطة، ويحظى بدعم كامل من غالبية الائتلاف ومن الحريديين، كما يحظى بمثل هذا الدعم من المعارضة الصهيونية. في المقابل ووفقا لذات التقديرات فإن ائتلاف نتنياهو الحالي غير قادر على تجاوز المرحلتين القادمتين من الخطة لانهاء الحرب. بناء عليه هناك حاجة امريكية لتغييرات في الائتلاف الحاكم وليس بالانتخابات التي قد تستغرق نحو نصف عام على حساب خطة ترامب، مما قد يقوّضها.
فعليا يعزز ايزنكوت في تصريحاته التي تم "تسريبها"، المنحى الذي بدأ به غانتس بدعوته للمعارضة للانضمام الى حكومة نتنياهو وإخراج حزبي سموتريتش وبن غفير منها، وذلك لتحقيق هدفين وهما؛ انهاء الحرب والتوافق على موعد للانتخابات. المعارضة حاليا لا تشكل بديلا سياسيا مبلورا لنتنياهو، وهي بخلاف كتلة اليمين غير متماسكة ومترهّلة، وفعليا تعطي الاولوية للصراع مع الحرديم حول قانون التجنيد بدلا من انهاء الحرب.
السعي الامريكي للدفع نحو تغييرات في تركيبة الائتلاف الحاكم فيه مؤشر لالتزام بتطبيق خطة ترامب بمراحلها، وإذ تدرك ادارة ترامب ان اية اخفاقة في الانتقال من من مرحلة الى اخرى سوف تُسقِط على كل الاطراف وتعيد انتاج التوترات على مستوى اقليمي شامل، ومما قد يجعل الحلول الامريكية منذ نصف قرن في حالة الخطر ويقوض مقومات السياسة الامريكية في المنطقة.
للخلاصة؛ تشكل مخرجات اجتماعات شرم الشيخ مرحلة جديدة لدى كل الاطراف المعنية. كما قد تدفع نحو تغيير جوهري في المزاج الاسرائيلي الابادي المهيمن نحو التعقّل والصحوة من ذهنية الحرب الانتقامية المستدامة. وفي استدارة حادة ومباشرة ينتقل نتنياهو من حرب غزة الى انتخابات الكنيست. فيما معركته الحالية موجهة للداخل الاسرائيلي واستعدادا للانتخابات وبتصوير خطة انهاء الحرب التي روّج مطوّلاً لنقيضها، باتت "الانتصار العظيم". كما وهناك احتمال كبير بأن تزداد شعبيته بتغيير شركائه في الائتلاف الحاكم.
الراي العام الاسرائيلي ومعه قيادة الجيش يدعم بشكل شبه شامل خطة ترامب وقد يحتفي بها في حال زيارة ترامب، ما قد يدفع باتجاه صحوة من ثقل الحرب المستدامة واللا-أفق. التقديرات الامريكية تشير الى انه لا يمكن انجاز المرحلة الاولى من الخطة من دون نتنياهو، وفي المقابل بأن ائتلافه الحالي عقبة امام استحقاقات المرحلتين المتقدمتين.
ادخال ترامب لأفق "السلام الاقليمي" بما فيه مع ايران يعني سعيا قويا لاستدامة الاستقرار اعتمادا على المصالح الامريكية، وما يدفع امكانيات التقدم نحو اقامة دولة فلسطين قوية وذات قابلية. فيما أنّ اي تراجع عن خطة ترامب ستكون عواقبه اقليمية، ومن شأن انجازها ان يدفع نحو الدفع لاحقاق حقوق الشعب الفلسطيني. العامل العربي والاقليمي هو المتغيّر الاهم الذي يؤكد ان طريق الضغط على تل ابيب يمر من واشنطن، وإنه من المستبعد تجاوز هذا المتغير ومطالبه بحل قضية فلسطين.