في لقاء خاص مع موقع “بكرا”، تحدث الباحث السياسي محمد دراوشة عن التحولات الجذرية التي تشهدها أوروبا في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وذلك على خلفية نشر الورقة البحثية الألمانية “ما بعد الـ Staatsraison” وإلغاء إسبانيا صفقة أسلحة ضخمة مع إسرائيل.
الورقة الألمانية: ضمير سياسي جديد
يقول دراوشة، الذي شارك في لقاء مغلق في برلين مع عدد من الشخصيات الألمانية التي ساهمت في صياغة الورقة، إن “ما يميز هذه الوثيقة أنها لا تكتفي بالتشخيص، بل تقدم خارطة طريق عملية وشاملة لإعادة تعريف المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه الشرق الأوسط، بعيدًا عن التبريرات التقليدية التي تربط دعم إسرائيل بالمحرقة”.
ويضيف: “الورقة تطالب بتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، وفرض حظر على منتجات المستوطنات، ووقف تصدير الأسلحة التي تُستخدم في ارتكاب جرائم حرب. كما تدعو إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين ضمن حدود 1967، وتمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات المشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تنادي بالسلام والاعتراف المتبادل”.
ويؤكد دراوشة أن “هذه الوثيقة ليست مجرد ورقة سياسية، بل اختبار أخلاقي، وفرصة تاريخية لإعادة ضبط البوصلة. إنها تضع الألمان جميعًا أمام سؤال جوهري: هل تريدون أن تكونوا جزءًا من الحل، أم شركاء في استمرار المأساة؟”.
إسبانيا تكسر حاجز الصمت
وفي سياق متصل، يرى دراوشة أن قرار إسبانيا بإلغاء صفقة بقيمة 700 مليون يورو مع شركة “ألبيت” الإسرائيلية، وفرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، يمثل “سابقة أوروبية غير مسبوقة، وقد يفتح الباب أمام دول أخرى لكسر التواطؤ الدبلوماسي والاقتصادي مع الاحتلال”.
ويتابع: “رغم أن الصفقة الملغاة لا تشكل ضربة كبيرة لصناعة الدفاع الإسرائيلية، إلا أن سلسلة الإلغاءات المتتالية من مدريد تثير القلق في القدس، خاصة وأن أوروبا أصبحت السوق الأسرع نموًا لصادرات الأسلحة الإسرائيلية”.
ويشير إلى أن “الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في إسبانيا تتزايد، وشهدت البلاد مظاهرات واسعة، منها تعطيل سباق ‘فويلتا إسبانيا’ وتهديد بالانسحاب من مسابقة ‘يوروفيجن’ إذا شاركت فيها إسرائيل. هذا الحراك الشعبي يضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر جرأة”.
أوروبا بين العدالة والتواطؤ
وحول مستقبل العلاقة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، يقول دراوشة: “إذا استجابت الحكومة الألمانية لهذه الورقة، فإننا أمام تحول جذري يعيد لألمانيا دورها كوسيط نزيه وفاعل، ويعزز مصداقية الاتحاد الأوروبي، ويفتح الباب أمام سلام حقيقي قائم على العدالة والاعتراف المتبادل. أما إذا تم تجاهلها، فإن ألمانيا تخاطر بأن تُسجل في التاريخ كدولة اختارت التواطؤ في لحظة كان العالم فيها بحاجة إلى صوتها”.
ويختم دراوشة حديثه بالقول: “الاختيار اليوم ليس بين إسرائيل وفلسطين، بل بين القانون والصمت، بين التاريخ والمستقبل. أوروبا أمام مفترق طرق، والقرار بيدها”.