في لحظة سياسية مشحونة، يطرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة جديدة للسلام في الشرق الأوسط، تحمل عنوان "النقاط ال-21"، وتعد بإنهاء الحرب في غزة وفتح أفق سياسي جديد. لكن خلف التصريحات المتفائلة، تتراكم مؤشرات على أن هذه المبادرة قد تكون مجرد محاولة أخرى تُضاف إلى سجل طويل من الخطط التي لم تُنفذ.
المبادرة تشمل بنودًا مأخوذة من خطط سابقة، مثل وقف إطلاق النار، إعادة إعمار غزة، وتبادل الأسرى، إلى جانب نقاط جديدة مثل تشكيل حكومة فلسطينية موحدة، إشراف دولي على المعابر، وضمانات أمنية لإسرائيل. ترامب عبّر عن تفاؤله، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيوافق عليها خلال لقائهما في البيت الأبيض. لكن الواقع كان أكثر تعقيدًا: نتنياهو لا يلتزم، ومقربوه أشاروا إلى أنه يشعر بضغط كبير بسبب بنود يعتبرها غير مقبولة.
نتنياهو لا يواجه فقط ضغوطًا أمريكية، بل أيضًا ضغوطًا داخلية من قادة المستوطنات الذين التقوه في نيويورك قبيل توجهه إلى البيت الأبيض. هؤلاء القادة الإحتلاليين عبّروا عن قلقهم العميق من المبادرة، خاصة من احتمال أن تُفسر كتنازل عن حلم "السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية. وطالبوه باستغلال ما وصفوه بـ"الفرصة التاريخية" لفرض السيادة، لكن نتنياهو ردّ بتحفظ، قائلاً: "يجب أن نُبحر في واقع معقّد".
اللافت في الاجتماع كان حضور زوجة نتنياهو، سارة، التي شاركت في النقاشات، ما يعكس الطابع الشخصي والسياسي الحساس الذي يحيط بالمبادرة. كما أن توقيت الاجتماع، الذي جاء بين لقاءات نتنياهو مع مستشاري ترامب، يكشف عن حجم الضغط الذي يتعرض له رئيس الوزراء من أطراف متناقضة.
لكن ما يلفت الانتباه أكثر هو تغير نبرة الإدارة الأمريكية. فبدلاً من عرض المبادرة كاقتراح قابل للتفاوض، باتت تُقدَّم كأمر واقع. الرئيس ترامب، في حديثه مع وزراء خارجية عرب، لم يُبدِ استعدادًا للتفاوض مع نتنياهو، بل قال بوضوح إنه لن يطلب منه الموافقة، بل سيُبلغه بوجوب الموافقة. هذا التحول في الخطاب يعكس رغبة أمريكية في تقليص مساحة المناورة أمام الأطراف، ودفعهم نحو القبول دون شروط.
هذا الأسلوب يضع نتنياهو في موقف صعب: فهو لا يستطيع خسارة الدعم الأمريكي، وفي الوقت ذاته لا يستطيع تجاهل ضغط المستوطنين. أما حركة حماس، فهي الأخرى تجد نفسها أمام معادلة صعبة: رفض المبادرة قد يعني خسارة الدعم العربي، بينما القبول بها قد يُفسَّر كتنازل سياسي.
من منظور فلسطيني فإن أي مبادرة للسلام يجب أن تنطلق من الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار عن غزة، وضمان حق العودة. إن تجاهل هذه القضايا الجوهرية، أو محاولة الالتفاف عليها ببنود تقنية أو اقتصادية، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام وزيادة الإحباط, وتأجيل إنهاء الصراع لأجيال لضافية.
مبادرة "النقاط ال-21" قد تكون محاولة أمريكية جديدة لتقديم "حلول وسط"، لكنها لا تعالج جذور الصراع. وإذا كانت واشنطن جادة في سعيها للسلام، فعليها أن تتخلى عن سياسة الانحياز، وأن تنصت لصوت الشعوب، لا فقط لصوت الحكومات. أما في الداخل الإسرائيلي، فإن تردد نتنياهو وضغوط المستوطنين قد يجعل من هذه المبادرة مجرد عنوان إعلامي، لا أكثر. ننتظر بترقب, وبصيص من الأمل, ما سيأتينا من البيت الأبيض هذا المساء.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com