في زمن تتكسر فيه الثقة، وتُبنى فيه المشاريع السياسية على أنقاض الشعوب، يطل علينا اسم توني بلير كمرشح لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب. رجلٌ ارتبط اسمه بغزو العراق، وتبعية مطلقة للولايات المتحدة، يُعاد تدويره اليوم ليكون “المنقذ” لغزة. فهل نحن أمام مشروع إنقاذ فعلاً؟ أم أمام مقاولة سياسية جديدة تخدم مصالح واشنطن وتل أبيب قبل أن تلتفت لمعاناة الفلسطينيين؟
توني بلير لم يكن يوماً وسيطاً نزيهاً في قضايا الشرق الأوسط. بل كان شريكاً في تدمير العراق، وفي تبرير حربٍ قامت على الأكاذيب. فهل يُعقل أن يُعهد إليه اليوم بإعادة إعمار غزة؟ من يهدم لا يُعهد إليه بالبناء، ومن يبرر الاحتلال لا يُؤتمن على إدارة شعبٍ تحت الحصار.
بلير ليس شخصية محايدة. هو حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وصديق مقرب للدوائر الإسرائيلية. وكل ما في سجله السياسي يشير إلى انحياز واضح، لا يمكن تغطيته بشعارات “المرحلة الانتقالية” أو “إعادة الإعمار”.
الحديث عن “سلطة انتقالية دولية” في غزة يبدو في ظاهره محاولة لتفادي الفراغ السياسي، لكنه في جوهره قد يكون إعادة تدوير للهيمنة الغربية على القرار الفلسطيني. فهل هذه المرحلة الانتقالية ستنقل غزة إلى حكم فلسطيني شرعي؟ أم أنها ستُغرقها في حالة غموض سياسي، تُدار فيها المصالح الأمريكية والإسرائيلية تحت غطاء دولي؟
الولايات المتحدة لا تبحث عن حل عادل، بل عن إدارة تضمن أمن إسرائيل، وتُبعد شبح المقاومة، وتُعيد تشكيل غزة بما يتناسب مع مصالحها. وتوني بلير، بكل تاريخه، يبدو أقرب إلى “مقاول تنفيذ” لهذه السياسات، لا إلى رجل دولة يسعى لتحقيق العدالة.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا لا يُطرح اسم عربي شريف لتولي هذا المنصب؟ أليس في الأمة من يملك الكفاءة والنزاهة؟ لماذا يُستورد الحل من لندن وواشنطن؟ لماذا يُستبعد الفلسطيني والعربي من إدارة شؤونه، ويُستبدل بمن كان جزءاً من المشكلة؟
إن تعيين بلير ليس مجرد قرار إداري، بل هو رسالة سياسية تقول: “نحن نقرر، وأنتم تُدارون”. وهي رسالة يجب أن تُرفض، لا فقط من الفلسطينيين، بل من كل من يؤمن بالكرامة والسيادة.
غزة لا تحتاج إلى مقاولين سياسيين، بل إلى قيادة وطنية نزيهة، تُعيد بناء الإنسان قبل البنيان. وتوني بلير، بكل ما يمثله، ليس جزءاً من هذا الحل. بل هو امتداد لمشكلةٍ أعمق: غياب الإرادة الدولية لاحترام حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم.