خارطة طريق مقيَّدة... وغزة خارج الخرائط..
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
بقلم..مرعي حيادري
وقّع الأردن وسوريا مؤخرًا خارطة طريق للتعاون في مجالات الطاقة والمياه والتجارة والأمن. خطوة بدت في ظاهرها بداية مرحلة جديدة من الانفتاح العربي والإقليمي بعد سنوات من القطيعة والأزمات، لكنها في جوهرها تبقى محكومة بشروط السياسة الدولية، وتحديدًا بمقدار انسجامها مع المصالح الأمريكية والغربية. فالمنطقة العربية، للأسف، لا تزال تتحرك في فلكٍ تُحدده القوى الكبرى، حيث ينجح أي مشروع أو يسقط تبعًا لمدى قبوله من واشنطن وحلفائها، لا تبعًا لحاجة الشعوب أو استحقاقاتها.
الأردن وسوريا، بلدين جارين تجمعهما روابط التاريخ والجغرافيا، يسعيان من خلال هذه الخارطة إلى إعادة بناء جسور التعاون التي هدمتها الحرب والأزمات. الحديث يدور عن تبادل تجاري، مشاريع طاقة مشتركة، مكافحة تهريب المخدرات والسلاح، وتنسيق في قضايا الحدود والأمن. كلها ملفات مهمة، وقد تُسهم في تخفيف الأعباء عن الشعبين إذا طُبقت بجدية. غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل تسمح الظروف السياسية والإقليمية، ومعها القيود الدولية المفروضة على سوريا، بتحويل هذه الاتفاقيات إلى واقع ملموس؟ أم أنّها ستبقى في إطار البيانات والوعود، كما اعتدنا في تجارب عربية كثيرة؟
وفي موازاة هذه الصورة، يقف المشهد في غزة على النقيض تمامًا. غزة ليست ضمن أي خارطة طريق، لا عربية ولا دولية. لا مشاريع لإعادة الإعمار، ولا خطط لتنمية الاقتصاد، ولا ضمانات لوقف القتل والدمار. غزة تُترك لمصيرها: حصار خانق، بيوت تُهدم فوق ساكنيها، آلاف الشهداء والجرحى، ومجتمع يواجه الانهيار تحت أنظار العالم أجمع. هنا تتجلى الازدواجية الصارخة: تُبذل الجهود لتنسيق التعاون الاقتصادي والأمني بين دول، بينما تُترك غزة تنزف بلا اهتمام، وكأنها خارج التاريخ وخارج الجغرافيا.
العالم العربي يُكيل بمكيالين. يفتح أبواب التعاون حيث تتاح له فرصة تعميق مصالحه مع دول مقبولة دوليًا، ويغلقها في وجه غزة وفلسطين حين تقتضي المسؤولية وقفة حقيقية. نرى اندفاعًا نحو الاتفاقيات التجارية والتنسيق الأمني، لكننا لا نرى اندفاعًا مماثلًا نحو حماية الدم الفلسطيني أو فرض حلول سياسية عادلة. هذه الازدواجية تكشف أن المعيار لم يعد القضايا العادلة، بل المصالح التي تُرضي مراكز القوى العالمية.
أما المجتمع الدولي، فلا يزال يمارس نفاقه المعتاد. بيانات متكررة عن حقوق الإنسان، مؤتمرات تتحدث عن المساعدات الإنسانية، ووعود بتمويل إعادة الإعمار. لكن على الأرض، لا شيء يتحقق. القيود الإسرائيلية تتحكم في كل شيء: دخول المواد الأساسية، مرور المساعدات، وحتى بقاء المدنيين في بيوتهم. النوايا الخبيثة مبيّتة، فالهدف ليس إعادة إعمار غزة أو تمكين شعبها، بل إبقاؤها جرحًا مفتوحًا، قابلًا للاستغلال السياسي كلما دعت الحاجة. أما الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة تجمع غزة بالضفة الغربية فقد أصبح شبه غائب، لا مكان له حتى في الخطابات الرسمية، وكأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية قد شُطب من الأجندة الدولية.
هكذا نجد أن الخرائط تُرسم في المنطقة لخدمة التوازنات الكبرى، لا لخدمة حقوق الشعوب. خارطة طريق سوريا والأردن قد تنجح إذا وجدت الرضا الدولي، أما خارطة فلسطين فلا أحد يسمح لها بالولادة. النتيجة أن التكامل العربي الحقيقي يظل غائبًا، فيما تتحول المبادرات إلى أدوات لإدارة الأزمات لا لحلّها. وفي ظل هذا الواقع، تبقى غزة خارج الخرائط، شاهدة على خذلان عربي وصمت دولي، وضحية لنظام عالمي يُجيد تزيين الخطابات بينما يترك الإنسانية تُذبح أمام العيون.
فلسطين، مهما حاولوا إقصاءها، لن تُختزل خارج الخرائط. ستبقى البوصلة الأخلاقية التي تفضح ازدواجية المعايير، وتذكّر بأن كل خارطة طريق لا تمر عبر القدس وغزة والضفة، هي خارطة ناقصة، ومشروع بلا روح..
اللهم أني كتبت وقرأت وحللت وأن كنت على خطأ فصححوني..!!