آخر الأخبار

يوسـي كوهين: من ظلال الموساد إلى أضواء السياسة… هل نحن أمام تغيير أم إعادة تدوير؟

شارك

يوسـي كوهين: من ظلال الموساد إلى أضواء السياسة… هل نحن أمام تغيير أم إعادة تدوير؟

بقلم: محمد دراوشة

في ظهوره الأخير على شاشة القناة 12 الإسرائيلية، قدّم يوسي كوهين، الرئيس السابق لجهاز الموساد، نفسه كمرشح محتمل لقيادة البلاد سياسيًا، مستندًا إلى مسيرة أمنية امتدت لأكثر من أربعة عقود. لم يكن ظهوره مجرد تصريح طموح، بل محاولة مدروسة لتسويق صورة “البطل القومي” الذي آن أوان انتقاله من حماية الدولة إلى قيادتها. لكن خلف هذه الصورة المصقولة، تتكشف تناقضات صارخة، تثير أكثر من سؤال: هل نحن أمام مشروع سياسي حقيقي، أم إعادة تدوير لوجوه المنظومة ذاتها؟

كوهين أعلن انتماءه الأيديولوجي لليمين الإسرائيلي، ويصف الليكود بأنه بيته الطبيعي، رغم كونه الحزب الذي قاد سياسات التمييز، وعمّق الاحتلال، وأقصى المواطنين العرب لعقود. وفي الوقت ذاته، يتحدث عن الديمقراطية الليبرالية والمساواة بين الجميع. فهل هذه ازدواجية في الخطاب، أم محاولة لتجميل واقع لا يمكن تجميله؟

الليكود، الذي يراه كوهين حاضنًا لطموحه السياسي، هو ذاته الحزب الذي شرّع “قانون القومية”، وعمّق الفجوة بين المواطنين اليهود والعرب، وأدار ظهره لمبدأ المواطنة المتساوية. فهل يمكن لمن يتماهى مع هذا التيار أن يطرح نفسه كحامل لواء الديمقراطية؟ وهل تكفي الشعارات الليبرالية لتغطية سجل طويل من السياسات الإقصائية؟

مصدر الصورة

ما يلفت الانتباه أكثر في هذا الظهور الإعلامي لم يكن فقط خطابه السياسي، بل اختياره لكشف جوانب شخصية لأول مرة أمام الكاميرا: زوجته، حياته العائلية، وحتى لحظة رومانسية علنية. هذه اللفتة لم تكن عفوية، بل جزء من بناء صورة إنسانية لرجل ظلّ لسنوات في الظل، ويطمح الآن لأن يكون وجهًا مألوفًا في الحياة العامة. أراد أن يقول: “أنا لست مجرد رجل استخبارات، بل إنسان له مشاعر، له بيت، وله قصة حب.” لكن السؤال الأهم يبقى: هل تكفي هذه الصورة الإنسانية لتبرير غياب الرؤية السياسية؟ وهل يمكن أن تُغطي قبلة على الشاشة على غياب موقف واضح من قضايا الاحتلال، التمييز، والمواطنة المتساوية؟

كوهين لم يطرح رؤية واضحة لمعالجة قضايا جوهرية مثل إنهاء الاحتلال، أو ضمان حقوق متساوية للفلسطينيين داخل إسرائيل. بل اكتفى بإعادة إنتاج خطاب تقليدي يركّز على الأمن، ويُغلفه بشعارات ليبرالية لا تجد ترجمة فعلية على أرض الواقع. هذا النوع من الخطاب لا يُبشّر بتغيير حقيقي، بل يعيد تدوير المنظومة ذاتها، مع تغيير في الوجوه فقط.

إن دخول شخصية أمنية مثل كوهين إلى الحلبة السياسية لا يجب أن يُنظر إليه كتحول نوعي، بل كاستمرار لهيمنة العقلية الأمنية على صناعة القرار. فالمؤسسة الأمنية، التي كان كوهين أحد أبرز رموزها، لم تكن يومًا حاملة لمشروع ديمقراطي حقيقي، بل كانت أداة لتعميق السيطرة، وتكريس واقع الاحتلال والتمييز. ومن غير المنطقي أن يتحول من كان جزءًا من هذه المنظومة إلى حامل لواء المساواة دون مراجعة حقيقية لتاريخه ومواقفه.

في النهاية، ما يطرحه كوهين ليس مشروعًا سياسيًا جديدًا، بل اجترار للواقع القائم، وتغليف للمنظومة القديمة بشعارات براقة وصور عائلية مؤثرة. وإذا لم يترافق هذا الطموح السياسي بمراجعة حقيقية للمواقف والسياسات، فإن دخوله إلى الساحة لن يكون سوى إعادة إنتاج للهيمنة، لا أكثر. فالمطلوب اليوم ليس وجوهًا جديدة داخل نفس الإطار، بل تفكيك هذا الإطار ذاته، وبناء مشروع سياسي يعترف بحقوق الجميع، ويؤسس لمواطنة متساوية، لا تُقصي أحدًا ولا تُميز بين الناس على أساس قومي أو ديني.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا