ثلاثة عشر عامًا مرّت منذ أن غاب موفق رفيق خوري عن دنيانا، وما زلتُ أبحث عن الكلمات التي تفي غيابه حقّه، وعن المعاني التي تستطيع أن تحتضن حضوره الكبير في حياتنا. كيف يمكن لثلاثة عشر عامًا أن تنقضي ونحن ما زلنا نشعر أنّه بيننا، يمدّ يده إلى الثقافة والفن، ويضيء لنا الدروب بابتسامته، وبعينيه اللتين كانتا تعرفان كيف تقرآن الإنسان قبل النصّ؟موفق خوري لم يكن مجرّد مسؤولٍ ثقافي ولا مجرّد إداريّ في وزارة الثقافة، بل كان كاتبًا مميّزًا، صاحب قلمٍ لا يُشبه إلا نفسه. لا زلتُ أحتفظ بكافة مؤلفاته، وأعود إليها بين الحين والآخر، فأجد فيها شيئًا من صوته، ومن حكمته، ومن دفء قلبه الذي عرف كيف يحوّل الحرف إلى حياة. كانت كتاباته مرآة لروحه، تشهد أنّه لم يكن يومًا غريبًا عن الكلمة، بل عاش فيها ومنها، وجعل منها هويته الأبدية.
ثلاثة عشر عامًا من الغياب، لكنها أيضًا ثلاثة عشر عامًا من حضورٍ آخر: حضور في كتبه التي أقرأها وأشعر كأنّه يجلس بقربي، حضور في كل مكتبة تحمل أثره، حضور في كل أمسية شعرية أصرّ أن تستمر، وحضور في قلوب كل مبدعٍ شاب فتح له أبواب الفرص ووقف خلفه كظلّ وفيّ.إنّ غيابه لم يُطفئ شعلة وجوده، بل جعلها أوقد، وأعمق، وأكثر تجذرًا في ذاكرتنا الجمعية.وأنا أكتب اليوم لا يسعني إلا أن أقول: كم أحبّ الجميع. أحبّكم أنتم الذين تتذكرونه معي، وأحب الذين لم يعرفوه لكنهم يعيشون أثره دون أن يشعروا. أحبّ كل نفسٍ ما زالت تؤمن أنّ الثقافة هي النجاة، وأنّ ما تركه موفق خوري ليس مجرّد إرث، بل وصيّة مفتوحة للحياة.موفق رفيق خوري… ثلاثة عشر عامًا من الغياب لم تزدنا إلا يقينًا بأن الغياب جسد، والحضور روح. وأنت روحك باقية بيننا، في كل مؤلفاتك التي تصرّ على أن تذكّرنا بك، وفي كل قلبٍ أحبّك، وفي كل ذاكرةٍ تؤمن أنّ الرجال العظام لا يرحلون أبدًا