آخر الأخبار

احتلال قطاع غزة: الفشل، الهاوية والخيارات المسدودة

شارك

احتلال قطاع غزة: الفشل، الهاوية والخيارات المسدودة
بقلم: خالد خليفة
يبدو واضحًا أنّ حكومة إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، قد دخلت مأزقًا استراتيجيًا، سياسيًا وعسكريًا من الدرجة الأولى. فبعد خطاب نتنياهو الشهير في مطلع اّب 25 عن أنه قرّر القيام باحتلال غزّة وتهجير سكانها، الأمر الذي أدّى وبشكل خفيّ، ومباشرة بعد هذا الإعلان، إلى صدام قويّ مع الجهاز العسكري للجيش الإسرائيلي، حيث إنّ هذا الجهاز أعلمه وبشكل واضح بأنّ عملية الاحتلال التي يتكلم عنها نتنياهو يمكن أن تؤدي إلى خسائر وضحايا هائلة بأرواح الجنود الإسرائيليين، كما أنّه من الصعب على هذا الجيش أن يقوم بتحقيق هذه المهمة، خاصة بما يتعلق ينقل السكان وتأمين الأغذية والقضاء على المقاومة المسلحة داخل مدينة غزة، إضافة الى تفريغها الكامل من سكانها وتجميعهم في منطقة رفح والمواصي ومحور فيلادلفيا قبل أن يقوموا بعملية الترانسفير والطرد الكاملة.
وفي هذا الاطار، فقد بدا، بعد ذلك، للعيان واضحًا الصراع الخفيّ بين الجهاز العسكري المتمثل بقائد الأركان إيال زمير ووزير الأمن يسرائيل كاتس، حيث رفض الوزير كاتس، مباشرة بعد ذلك، المصادقة على تعيين أكثر من عشرين جنرالا من الذين أعلن عنهم زمير، بحجة أنّ ذلك يحتاج إلى موافقة وزير الأمن، وأنّ بعضهم كان لهم علاقة بإخفاقات من السابع من أكتوبر، وقد كانت مواجهة بين الاثنين، زمير وكاتس، وقد فُهم منها أنّ زمير يمكن ألّا يقوم بمثل هذه المهمة ويترك قيادة الجيش لرئيس الحكومة ووزير الأمن، ليختارا شخصًا آخر في هذه الظروف العصيبة.
وقد ظهر على الملأ وعلى صفحات الإعلام هذا الخلاف القويّ، إذ صرّح العديد من السياسيّين وضباط الجيش الإسرائيليين بأنّهم يطالبون إيال زمير بعدم الاستقالة من مهمّته كقائد للأركان في هذه الظروف، تمامًا كما استقال هيرتسي هليفي ويوآف غالانت وزير الأمن من قبله، بحيث إنّ هؤلاء لا يريدون السيطرة المطلقة للجهاز السياسي اليميني المتطرف على الجهاز العسكري، خاصة في هذه الظروف.
ومهما يكن، فإن كافة المحللين يجمعون على القول إن هنالك خلافًا في الرؤية وفي الاستراتيجية بين الجهاز السياسي والجهاز العسكري في قضية احتلال قطاع غزة، حيث يمكن القول إنّ تصريحات نتنياهو النارية المتعلقة باحتلال غزة تدل، إن دلت على شيء، على أنّ إسرائيل لم تحقق أهدافها في الحرب خلال العامين الأخيرين، على الرغم من تدميرها الشامل والممنهج للقطاع. فبعد ثلاثة وعشرين شهرًا يأتي نتنياهو ويقول إننا نريد احتلال منطقة قمنا بعمليات عسكرية فيها بشكل واسع، حيث قمنا بتدميرها تدميرًا واسعًا أيضًا، ولكننا لم نحقق أيّ هدف سياسي أو استراتيجي من هذا التدمير.
وكان ما فعلته إسرائيل بمثابة تدمير شامل وواسع النطاق، إذ قتلت أكثر من 60 ألفًا وجرحت أكثر من 100 ألف فلسطيني، ولكنها لم تحقق أيّ أهداف سياسية عينيّة. ففي الوقت الذي كانت إسرائيل وحكومة نتنياهو تفاوض في العام الأول على تهجير قيادة حماس وتسليم أسلحتهم وإقامة إدارة عربية في القطاع تضمن بناءه من جديد، أصبحت اليوم تفاوض فقط على إرجاع أسراها مقابل وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب، حيث إنّ كل ما كانت تطالب به في البداية اختفى عن الوجود، وهذه خسارة إستراتيجية فادحة تتعلق بنتائج الحرب.
ولا أفهم شخصيًا ردود فعل الرأي العام الإسرائيلي على خطاب نتنياهو وعلى أنّه يريد احتلال قطاع غزة، بحيث إنّني لم أسمع أيّ فرد يقول له ماذا فعلت خلال العامين الماضيين؟ وهل كنت تتجوّل أنت وجيشك في قطاع غزة؟ ولماذا لم تكتفِ بالتدمير الممنهج لكل شيء يتحرك في القطاع؟ لقد بات من الواضح أنّ الرأي العام الإسرائيلي موجود في سبات عميق، ولا يتحرّك لأيّ قضيّة سوى قضية الأسرى الإسرائيليين الموجودين في أيدي حماس.
وإذا أردنا الاستمرار في التفكير بالجهاز العسكري، والذي سيكون بحسب قول المحللين، مرغمًا على تدمير غزة وطرد سكانها، فسوف يستمر ذلك على الأقل سنتين أو ثلاث سنوات، بحيث سيكون من الصعب أن يحقق هذا الجيش أهدافه، لأنّه بحاجة، كما يقول مستشاروه ومحللوه، إلى أكثر من 350 ألف جندي يعملون بشكل متواصل، الأمر الذي سيكلف إسرائيل أكثر من أربعين مليار شاقل في هذه الحرب الضروس، ولكنها في نهاية الأمر سوف لن تحقق أهدافها، بل ستؤدي إلى مزيد من القتل والدمار، ليس فقط في الطرف الفلسطيني، الذي يُقتل أبناؤه بشكل يومي بالعشرات، بل أيضًا في صفوف الطرف الإسرائيلي.
هذا ويُجمع كافة المحللين الإسرائيليين على أنّ نتنياهو لا يستكفي بالنتيجة النهائية لهذه الحرب، التي أدّت إلى مقتل أكثر من 3000 جندي ومواطن إسرائيلي وجرح أكثر من 25 ألف جندي إسرائيلي مازال غالبيتهم في المستشفيات والمصحّات الإسرائيلية، حيث يُفهم من خطابه أنّه يريد المزيد من الضحايا من الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، وهو يظنّ بأن النتائج محسومة ومعروفة لديه، ولكنه وعلى الرغم من دعم دونالد ترامب له إلّا أنّه من الصعب أن يحقق هذه الأهداف، لأنّ المجتمع والجيش الإسرائيلي باتوا مجتمعًا وجيشًا منهكين في هذه الحرب، ولا يوجد في إسرائيل أيّ قيادة إسرائيلية مسؤولة تفكر بحلول منطقية، تمامًا كتلك التي سيقترحها الاتحاد الأوروبيّ في الأمم المتحدة في نهاية أيلول 2025، ألا وهي إقامة دولة فلسطينية وحل الصراع العربي الإسرائيلي حلا عادلا. إنّ هذه الإدارة الإسرائيلية الحالية تذهب أكثر فأكثر إلى الهاوية، الأمر الذي يؤدّي بهم إلى طريق مسدود.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا