بن غفير… من كهانا إلى الحكومة: كيف شرعن نتنياهو التطرف في قلب إسرائيل
بقلم: محمد دراوشه
في لحظة سياسية فارقة، وبينما تتصاعد موجات الغضب الدولي ضد إسرائيل بسبب حربها على غزة، يخرج وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ليضيف وقودًا جديدًا إلى نار الأزمة، عبر زيارة استفزازية لزنزانة القيادي الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي. هذه الزيارة لم تكن مجرد تصرف فردي، بل كانت تجسيدًا حيًا لفكر عنصري متجذر، يعود إلى الحاخام مئير كهانا، الذي حُظر حزبه في إسرائيل وصُنّف كمنظمة إرهابية.
لكن ما كان يُعتبر تطرفًا خارجًا عن القانون في الماضي، أصبح اليوم جزءًا من صلب الحكومة الإسرائيلية، بفضل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي لم يكتف بشرعنة وجود بن غفير في العمل السياسي، بل منحه منصبًا رفيعًا في الحكومة، في واحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ المنطقة.
بن غفير لا يخفي انتماءه الفكري، بل يفاخر بكونه تلميذًا سياسيًا لنهج كهانا، الذي دعا إلى طرد العرب من إسرائيل، ورفض أي شكل من أشكال التعايش. واليوم، نرى هذا الفكر وقد تسلل إلى قلب السلطة، لا عبر الهامش، بل عبر منصب وزاري يملك صلاحيات أمنية واسعة، ويؤثر مباشرة في حياة الفلسطينيين داخل السجون وخارجها.
زيارة بن غفير للبرغوثي، التي وثّقها بنفسه ونشرها، لم تمر مرور الكرام. فقد أثارت موجة إدانات دولية، وأعادت قضية الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة، في وقت تتزايد فيه الاعترافات الدولية بدولة فلسطين. وسائل الإعلام العالمية، من “وول ستريت جورنال” إلى “بي بي سي” و”سي إن إن”، تناولت الحدث بوصفه إرهابًا نفسيًا، وسخرية من سجين سياسي بارز، في مشهد يعكس مدى الانحدار الأخلاقي الذي وصلت إليه الحكومة الإسرائيلية.
الظهور النادر للبرغوثي، رغم ظروف سجنه القاسية، أعاد تسليط الضوء على شخصيته كرمز وحدوي في الساحة الفلسطينية. استطلاعات الرأي تشير إلى تفوقه على قادة السلطة وحماس، ما يجعل من تصرفات بن غفير تجاهه محاولة يائسة لتقويض رمزية لا يمكن طمسها بالاستفزاز أو الإهانة.
ما يثير القلق أكثر من تصرفات بن غفير هو أن نتنياهو، الذي لطالما قدّم نفسه كزعيم براغماتي، اختار أن يشرعن هذا الفكر المتطرف، لا فقط عبر التحالف معه، بل بمنحه أدوات الحكم. هذا التمكين السياسي لا يعكس فقط أزمة داخلية، بل يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، ويكشف عن تحول خطير في بنيتها السياسية.
ما فعله بن غفير ليس استعراضًا للقوة، بل إعلانٌ عن أزمة أخلاقية وسياسية تعيشها إسرائيل. فحين يصبح الفكر الكهاني جزءًا من القرار الرسمي، فإن ذلك لا يدل إلا على إفلاسٍ في الرؤية، وانحدارٍ في القيم. العالم يرى، ويسجل، ويحاسب… والوجه الحقيقي لإسرائيل، كما يكشفه بن غفير، لا يمكن تجميله مهما حاولت الآلة الدعائية.