آخر الأخبار

الطناجر تصرخ من الدوار... جدارية في أم الفحم تكسر جدار الصمت

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في مدينة أم الفحم، حيث تلتقي الأزقة بصدى الغضب والحنين، وتختلط الحياة اليومية بندوب المجازر البعيدة، نُصبت اليوم جدارية غير مألوفة على الدوار الرئيسي قبالة مبنى البلدية: جدار من الطناجر.

ليست لوحة زيتية، ولا عملاً نحتيًا كلاسيكيًا، بل هو جدار معدني رمزي، حاد، صامت كصراخ الجوعى في غزة.

الجدارية هي مبادرة من الفنان والناشط السياسي وعضو بلدية أم الفحم، أدهم جبارين، الذي حوّل دوار البلدية إلى مساحة للذاكرة الحية والاحتجاج المدني. "توجهت لأهل البلد بنداء واحد: أعطونا طناجركم"، يقول جبارين، "لم أشرح كثيرًا. لم أحتج إلى لغة. الناس فهموا. الطناجر الفارغة كانت تجلس في بيوتنا، لكنها اليوم تتحدث باسم من لا يُسمح لهم حتى بالبكاء".

الجوع له صوت.. وصوتنا معدن

جاءت الجدارية ضمن الفعاليات التي نظمتها اللجنة الشعبية في المدينة، تحت شعار "غزة تموت جوعًا... والعالم يأكل بصمت"، والتي بدأت صباح اليوم بساحة البلدية واستمرت حتى ساعات المساء، بمشاركة واسعة من الأهالي ونشطاء من خارج المدينة. الاعتصام لم يكن مجرد رفع شعارات. لقد جاء مُحمّلًا بحضورٍ ثقيل: أكياس طحين، أدوات طبخ رمزية، وأجساد واقفة بإرادة ضد الحصار، ضد النسيان.

"الطناجر الفارغة على الجدارية تقول كل شيء"، يضيف جبارين. "هي إعلان صامت عن الجريمة. كل طنجرة كانت في بيت، كانت تطبخ الأمل. اليوم، هي صرخة موثقة ضد سياسة تجويع ممنهجة، ترتكبها قوة عسكرية ضد شعبٍ محاصر منذ قرابة العامين".

غزة ليست مجرد "كارثة"

صبيحة اليوم نفسه، استيقظ العالم – أو ما تبقّى منه – على خبر وفاة الرضيع هود عرفات، نتيجة نقص الحليب وسوء التغذية. هو خامس ضحية للتجويع خلال أقل من 24 ساعة، ليرتفع عدد ضحايا هذه السياسة إلى 127، بينهم 85 طفلًا.

ووفق تقارير طبية وأممية، يعاني نحو 900 ألف طفل في غزة من الجوع، 70 ألفًا منهم دخلوا مرحلة سوء التغذية، في كارثة تُعاش بالصمت أكثر مما تُقال بالكلمات.

في هذا السياق، تبدو جدارية أم الفحم أكثر من عمل فني رمزي. إنها توثيق سياسي، احتجاج أخلاقي، وموقف واضح من مدينة تحفر مكانها في خارطة المقاومة المدنية. "نحن لا نملك دبابات، نملك طناجر"، يقول أحد المتظاهرين أمام الجدارية، "لكن حين تُرفع الطناجر على الجدران، فهذا يعني أن الجوع لم يَعد مسألة داخل المطبخ... بل بات جريمة تُرتكب أمامنا جميعًا".

الفن كمنفى وكشف

ليست هذه المبادرة الأولى التي يُقيمها أدهم جبارين، لكنها ربما الأكثر وضوحًا في معناها. لا زخرفة ولا استعارة. كل طنجرة تصطدم بالأخرى في صمت، كأنها تقول: هناك من يموت لأن حليب الأطفال صار سلاحًا.

"الفن أداة كشف"، يقول جبارين. "ليس ترفًا. وليس متحفًا. نحن في لحظة انهيار أخلاقي عالمي، حيث يمكن أن يُترك رضيع يموت من الجوع لأن الاحتلال قرر خنق غزة، بينما يُغلق المجتمع الدولي الثلاجة ولا يفتح قلبه".

ما بعد الجدارية

في ظل التواطؤ العالمي، تبدو مبادرات مثل جدارية أم الفحم بمثابة طعنات صغيرة في وجه المجاعة. ليست كافية، لكنها ضرورية.

ليست من أجل غزة فقط، بل من أجل ما تبقّى من ضميرنا الجمعي. الجدارية ستبقى على الدوار، تتلقى الشمس والمطر، وربما نظرات اللامبالاة من البعض. لكنها ستبقى أيضًا شاهدًا من معدن، على زمن بلا طعام ولا رحمة.

"كل طنجرة هنا هي شاهد قبر لطفل لم نتمكن من إنقاذه"، يقول جبارين، ثم يصمت. والصمت هذا، كما في الجدارية، أثقل من أي خطاب.

بكرا المصدر: بكرا
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا