قال المحلل السياسي محمد دراوشة في حديث خاص لموقع "بكرا" إن الاعتداء الجسدي الذي تعرّض له رئيس قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، النائب أيمن عودة، في مدينة نس تسيونا، لا يمكن فصله عن سياق التحريض المنهجي والعنف الموجّه ضد القيادة السياسية العربية والمجتمع العربي عامةً في إسرائيل.
وأوضح دراوشة: "ما حدث ليس حادثًا عابرًا، بل مؤشر خطير على تآكل الحماية المؤسساتية لممثلي الجمهور العربي، وخصوصًا عندما تقع الاعتداءات في وضح النهار، أمام أنظار الشرطة، التي حضرت لكنها لم تتدخل لحمايته. هذا التجاهل ليس مجرد فشل ميداني، بل انعكاس لموقف بنيوي من الدولة تجاه مواطنيها العرب".
وتابع: "لو كان المعتدى عليه عضو كنيست يهوديًا وتعرّض لهجوم مماثل من مواطن عربي، لكانت ردة الفعل الأمنية فورية وحاسمة، وربما دموية. كانت القنوات ستفتح تغطية عاجلة بعنوان ‘تهديد التطرف العربي’، وكانت الاعتقالات ستطال كل من اقترب من المكان. أما عندما يكون المستهدف نائبًا عربيًا، فالصمت الرسمي هو اللغة السائدة".
مسار استهداف القيادات العربية
وأكد دراوشة أن هذا الحادث ليس الأول، بل هو استمرار لمسار طويل من استهداف القيادات العربية، مذكّرًا بمحاولات الاعتداء السابقة على النائب عبد الوهاب دراوشة، وحملات التحريض على الشاعر والنائب توفيق زياد، وكذلك الهجوم الذي تعرّض له النائب د. أحمد الطيبي قبل أشهر دون إدانة واضحة من مؤسسات الدولة.
وأضاف: "الخطر لا يقتصر على النواب. الأطباء العرب، الذين يشكّلون عصب الجهاز الصحي، باتوا أيضًا يتعرضون لعنف جسدي ولفظي ممنهج، في المستشفيات وغرف الطوارئ، دون أن تتخذ الدولة أي خطوات جدية لحمايتهم. هذا التهاون يُرسّخ شعورًا عامًا بأن الدم العربي مباح، حتى في الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة".
أما بخصوص التغطية الإعلامية، فعبّر دراوشة عن قلق بالغ من تصريحات الإعلامية إيالا حسون في قناة "كان" الرسمية، التي قال إنها "تشكّل تبريرًا ضمنيًا للاعتداء، حين وصفت الهجوم بأنه ’تنفيس عن الغضب‘، ووجّهت الاتهام الضمني للضحية بدل التركيز على المعتدين". وأضاف: "عندما تتحول المنابر الإعلامية العامة إلى أدوات شرعنة للعنف، فإننا لم نعد أمام انحراف فردي في الخطاب، بل أمام خلل أخلاقي يضرب جوهر النظام الديمقراطي".
وحذّر دراوشة من الأجواء العامة في إسرائيل، معتبرًا أنها تشبه إلى حد كبير أجواء التحريض التي سبقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين، بل وربما تتقاطع مع نماذج تاريخية أشد خطورة، كتلك التي عرفتها أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما أصبح خطاب الكراهية سياسة دولة. وقال: "نحن نعيش في لحظة تصعيد غير مسبوق، حيث يتصرف الفاشيون بنشوة، يحرّضون علنًا، ويجدون غطاءً في صمت الشرطة، وتواطؤ الإعلام، وغياب الردع القانوني".
وختم دراوشة حديثه بدعوة واضحة للمجتمع العربي إلى الالتفاف حول قياداته السياسية: "نعم، ننتقدهم ونطالبهم بالمزيد، وهذا مشروع، لكن حين يتحوّل الخلاف السياسي إلى خطر على حياتهم، فإن الدفاع عنهم يصبح مسؤولية جماعية. الاعتداء على النائب عودة هو رسالة لكل واحد منا، أن وجودنا السياسي مستهدف، وأن وحدتنا الداخلية هي الحصن الأخير أمام هذا الانحدار العنيف".
وشدّد على أن التضامن مع القيادات لا يعني تأييدًا غير مشروط، بل موقفًا وطنيًا وأخلاقيًا في وجه منظومة تمييز عنصري ممنهجة تسعى إلى تهميش الصوت العربي وإقصائه من الحيّز العام. واختتم بالقول: "السكوت لم يعد خيارًا. الحياد الرمادي هو شراكة مع القمع. لقد آن الأوان لقول واضح وصريح: كفى".