بين سياسة الإقصاء وإقصاء السّياسة: مع أيمن عودة ضدّ الإقصاء، ومع وحدة شعبنا بمواجهة البلاء
د. يوسف جبارين
سياسة إقصاء القيادات العربيّة تهدف الى أقصاء السياسة من الحيّز العام للمواطنين العرب
نعتزّ بمواقفنا التّاريخيّة وبرؤيتنا الوطنيّة والإنسانيّة، ومن يسعى لإجبارنا على التّخلي عن مواقفنا لن يجدنا إلا أشدّ صلابة وأشدّ عزمًا
في حال صادقت الكنيست على الإقصاء فسنتقدم بالتماس إلى المحكمة العليا خلال يومين بحيث سينتقل الحسم إلى المحكمة
واجب السّاعة توحيد كل الطاقات السياسيّة والجماهيريّة في مواجهة الفاشيّة والكهانيّة
تصوّت الهيئة العامة للكنيست غدًا على محاولة إقصاء رئيس قائمة الجبهة والعربيّة للتغيير، النائب أيمن عودة، ضمن ملاحقة سياسيّة بامتياز يقودها اليمين المتطرف، وهي تصبّ في خانة محاولات عزلنا عن المشهد السياسي العام في البلاد، سعيًا إلى الإبقاء على المواطنين العرب دون تمثيل سياسي في البرلمان تحديدًا حيث يتم تشكيل الحكومات وصياغة السّياسات.
وتأتي محاولة إقصاء الرّفيق أيمن كجزء لا يتجزأ من محاولات تكميم الأفواه وإسكات الصوت العربي، وهي محاولات مستمرة بشراسة خصوصًا منذ السّابع من أكتوبر 2023، وتسعى هذه المحاولات إلى إعادة ترسيم العلاقات بين سلطات الدولة وبين المواطنين العرب، بل وإلى إعادة المواطنين العرب إلى نفسيّة ووضعيّة ذلك الحكم العسكري البغيض في خمسينات وستينات القرن الماضي.
لا يمكن إلّا أن نرى هذه المحاولة ضمن سياقها السّياسي الأوسع في ظل ما نشهده من ملاحقات سياسيّة خطيرة ضد القيادات العربيّة والنّاشطين في مجتمعنا، وخاصة حملة الاعتقالات الإداريّة التعسفيّة الّتي شملت مؤخرًا القيادي الأستاذ رجا إغبارية، تجريم حريّة التّعبير الّذي تجسّد مؤخرًا بقرار المحكمة بإدانة الشّيخ كمال خطيب، بالإضافة إلى تواصل العديد من محاكمات كبت حريّة التعبير وخاصًة محاكمة الناشطين من أهالينا، مثل محاكمة الناشطيْن محمد طاهر وأحمد خليفة، ومحاكمة عضو لجنة المتابعة محمد كناعنة، ومحاكمة الصّحفي سعيد حسنين، وغيرها من ملفات الملاحقة السياسيّة ما بين التحقيق والاعتقالات والتّجريم.
لا يمكن المبالغة في خطورة هذه الملاحقات على دور وعمل منتخبي وممثلي وناشطي المجتمع العربي في البلاد، والإسقاطات ذات الطابع الاستبدادي على مبدأ التّمثيل السّياسي وعلى العمل الحزبي عامةً، وخصوصًا في ظروف الأقلية العربيّة في البلاد، كأقلية قوميّة وأصلانيّة تعاني الإقصاء الممنهج والتّحريض الأرعن في كل مناحي الحياة.
لقد جاء تشريع قانون الإقصاء في العام 2016 ليشكّل أداة استبداديّة للانتقام السّياسي ضد النواب العرب تحديدًا، وليشرعن الملاحقة السّياسية بحق ممثلي الأقلية الأصلانيّة في البلاد. وما نراه في الكنيست بهذه الايام من محاولة لإقصاء عودة يجسّد عمليًا التّرجمة الفعليّة لهذا المخطط على أرض الواقع، ويعكس تصعيدًا خطيرًا في استهداف العمل السّياسي العربي في البلاد والتّمثيل البرلماني في الكنيست.
إنّ فكرة "عزل" نائب منتخب من البرلمان من قبل "زملائه" على مقاعد العمل البرلماني تنتهك بحد ذاتها مبادئ أساسية في العمل السياسي وتمسّ بحقوق ديمقراطية جوهرية، مثل الحق بالتّصويت والانتخاب، ومبدأ فصل السّلطات، وحق مجموعات الأقليّة بالتّمثيل السّياسي المناسب. بأيّ منطق "ديمقراطي" يمكن لقانون أن يمنح نواب الأكثريّة صلاحية القيام بمحاكمة ميدانيّة لنواب الأقليّة، وصلاحية إقصائهم من العمل السياسيّ بإجراء تعسّفي وفوري؟ وللحقيقة، ففي التماسنا إلى المحكمة العليا ضد القانون قبل عدة سنوات أوضحنا أننا لم نجد مثيلًا لمثل هذا الإجراء في أيِّ دولة أخرى العالم!
إنّ محاولة إقصاء النّائب عودة اليوم، وقبل ذلك النائب عوفر كسيف (صوّت 86 نائبًا مع إقصائه)، تثبت مجددًا أنّ الصّلاحيات الّتي منحها نواب الائتلاف الحكومي لأنفسهم في هذا القانون تهدف إلى تمكينهم من استخدام القانون بصورةٍ تعسّفيّة ولأغراض سياسيّة انتقاميّة، مما يجعل من هذا القانون تعديلًا يضرب بعرض الحائط حريّة العمل السّياسي ويفتك بأبسط قواعد الحمايات الّتي يوفرها القانون الدّولي لممثلي المجموعات القوميّة.
قرار الإقصاء بحاجة إلى اغلبية من 90 عضوًا (ثلاثة أرباع) في الهيئة العامة للكنيست من أجل المصادقة عليه، وفي حال صوّت هذا العدد مع إقصاء النّائب عودة فسنتقدّم بالتماس إلى المحكمة العليا بحيث سينتقل الحسم إلى المحكمة في ظل غياب أساس قانوني لهذا القرار كما أكّدت على ذلك المستشارة القانونيّة للكنيست. لقد أخطأت المحكمة العليا في حينه (2018) حين امتنعت عن إلغاء القانون وقامت برفض التماسنا ضدّه، وأقلّ ما يمكن لهذه المحكمة أن تقوم به اليوم هو إلغاء قرار الاقصاء في حال تمت المصادقة عليه بل وتوجيه النّقد الشّديد ضدّ من صوّت إلى جانب الإقصاء.
نعتزّ بمواقفنا التّاريخيّة وبرؤيتنا الوطنيّة والإنسانيّة، ومن يسعى لإجبارنا على التّخلي عن مواقفنا التّاريخيّة ومحاكمتنا على مشاعرنا وأحاسيسنا، لن يجدنا إلا أشدّ صلابة وأشدّ عزمًا وموحدين أكثر في نضالنا.
لن نقبل بعزلنا السّياسي، ولن نقبل بإسكات اصواتنا، وواجب الساعة توحيد كل الطّاقات السّياسيّة والجماهيريّة في مواجهة الفاشيّة والكهانيّة.
هذا مطلب السّاعة، وبوحدتنا نحن أقوى.