آخر الأخبار

على وقع ترامب يبني نتنياهو حساباته السياسية

شارك

يطمح نتنياهو بالتطبيع مع سوريا ولبنان وبشروطه هو بأن لا يكون الاستحقاق هو بالانسحاب من الجولان المحتل منذ العام 1967 ، كما ومن المستبعد تماما ان يقبل به الشعب السوري. كما يسعى الى التطبيع مع اندونيسيا وماليزيا، اما درة التاج فهي التطبيع مع المملكة العربية السعودية فيما الاستحقاق اسرائيليا هو اقامة دولة فلسطينية او التقدم فعليا وجوهريا في هذا الصدد. في هذا السياق يبدو ان التباعد بين نتنياهو وكل من سموتريتش وبن غفير يعكس اجندة مختلفة لدى نتنياهو اكثر منه ورطة سياسية.

كانت لافتة ردود الفعل الاسرائيلية على توجهات ترامب بشأن محاكمة نتنياهو، فمن ناحية اعتبرتها المعارضة ومعها الجهاز القضائي والمجتمع المدني بأنها تدخلا فظا في محاكمة نتنياهو متجاوزا قدس اقداس سيادة الدول الا وهو جهازها القضائي الداخلي. تجند الليكود لصالح خطوة ترامب ونتنياهو. اللافت اكثر كان موقف حزب الصهيونية الدينية ممثلا برئيس لجنة القضاء والدستور روتمان الذي رفض تدخل ترامب في سيادة اسرائيل. روتمان الى جانب وزير القضاء ليفين يقودان منذ تشكيل الحكومة اواخر 2022 الانقلاب القضائي لاضعاف المحكمة العليا وتسييسها بالاضافة الى تغييرات اجرائية بما فيها اقالة المستشارة القضائية للحكومة سعيا لاغلاق الكلفات ضد نتنياهو.

قد يكون موقف حزب الضهيونية الدينية هو ما يفضح ما يقف وراء خطوة ترامب؛ رئيس الدولة العظمى ليس مشغولا بمحاكمة نتنياهو، وهذا لا يتماشى مع عقيدة امريكا اولا. بل ان ترامب معني بقيادة تحولات اقليمية ليس معروفا بعد اذا ما كانت مساعيه قابلة للتنفيذ. من شبه المؤكد انه لو تماشت غاية ترامب كما تقرؤها الصهيونية الدينية مع سياسات الاخيرة لكان روتمان يساند تدخل الرئيس الامريكي ولوجد التسويغ لذلك. لكن الرفض السريع للتدخل يشي بأن جدول اعمال ترامب هو صفقة اقليمية تطبيعية مقابل اعتراف اسرائيل بدولة فلسطين او اتخاذ خطوات في هذا السياق. يدرك ترامب ان نتنياهو هو الوحيد القادر على هذه المهمة وضمان اقناع الراي العام الاسرائيلي بها باستثناء جزء من جمهور اقصى اليمين. كما يدرك بأنه يعرض على نتنياهو صفقة بأن يقوم بهذا المسار مقابل الغاء ملفاته القضائية وانهاء دوره السياسي بترك بصمتين واحدة تتمثل في "الانتصار التاريخي الاهم في تاريخ اسرائيل على ايران" والثاني في التطبيع وترسيخ وجود اسرائيل في المنطقة وفقا له.

التقديرات الاسرائيلية ان استحقاقات مشروع التطبيع وتوسيع الاتفاقات الابراهامية هي ما يسعى اليه ترامب، وتشمل هذه الاستحقاقات ما لا تستطيع حكومة نتنياهو بتركيبتها الحالية التوافق عليه، الا بشبكة أمان برلمانية من المعارضة. اذ انها لن تنحصر في انهاء الحرب على غزة بل في حل للقضية الفلسطينية على اساس الدولتين.

التحولات في المزاج الاسرائيلي كانت متسارعة بعد وقف اطلاق النار مع ايران والهدنة التي فرضها ترامب. تأتي هذه التحولات بعد انكشاف حجم الدمار الذي احدثته الصواريخ الايرانية في اسرائيل استراتيجيا وسكانيا. ثم الى الادراك بانتفاء العقيدة التي تقوم على ادارة الحروب في عمق العدو، بينما تحولت الجبهة الداخلية الاسرائيلية والعمق الاسرائيلي الى الجبهة الامامية في حروب الصواريخ البالستية والمسيّرات. هذا التحول تزامن مع الاستفاقة على غزة من جديد بعد انقطاع دام 12 يوما هي ايام الحرب مع ايران، وبالثمن البشري والمعنوي نتيجة للحرب التي عليها والتي يعتبرها الراي العام الاسرائيلي بأنها سياسية بامتياز وعبثية لن تحقق اهدافها.

جاءت تصريحات قائد الاركان الاسرائيلي زامير بأن الحرب على عتبة انجاز اهدافها واحتلال كامل لثلاثة ارباع مساحة القطاع ونقل السكان وتجميعهم مع ربع مساحة القطاع، كما واشار زامير الى ان الحرب لم تنجز هدف اعادة الاسرى والمحتجزين من غزة في اشارة الى محدودية الفعل العسكري، لتؤكد ان استمرار الحرب او وقفها يعودان بقوة الى جدول الاعمال السياسي والقرار الحكومي. فيما المسألة حاليا لم تعد مجرد وقف اطلاق النار وإنما القرار الاستراتيجي فيه خياران فإما احتلال كامل وترسيخ الحكم العسكري ليتبعه الاستيطان وهو ما يعارضه الجيش بقوة، او صفقة شاملة بدفعة واحدة او اثنيتن بصيغة قد تنهي الحرب فعليا حتى وان لم تكن نصًّا. هذا وتحظى تقديرات الجيش بدعم حازم من نفتالي بينيت الذي ينافس على رئاسة الحكومة ويدعو الى صفقة شاملة تنهي الحرب مع الحفاظ على سيطرة امنية في المنطقة العازلة على النقيض من موقف اقصى اليمين. كما يرشح من القاهرة والدوحة وواشنطن فإن احتمالات الصفقة كبيرة فعليا مع التنويه الى ان الامور ليست محسومة.

في السياسة الداخلية يواجه نتنياهو لحظة مفصلية، وهي التنحي او مواصلة السعي لدورة اضافية في الحكم. وفقا لمعظم الاستطلاعات فإن حظوظه الانتخابية ليس مطمئنة بالنسبة له. كما ويتضح ان منسوب النفور في الراي العام الاسرائيلي من سموتريتش وبن غفير يتسع، فالاول احتمالات بقائه السياسي كحزب منفرد هي ضئيلة، فيما تتراجع شعبية بن غفير من 12 نائبا وفقا للاستطلاعات قبل نحو علم الى حوالي النصف اي من 6-7 نواب. التراجع لدى كل منهما يذهب لدعم نتنياهو والليكود الذي عاد ليكون الحزب الاول، بينما لم يحدث انتقال من كتلة المعارضة الى نتنياهو والليكود. الوحيد القادر حاليا الى ضمان انزياح من كتلة الليكود وشركائه هو نفتالي بينيت، مع الاشارة ايضا الى حزب الدمقراطيين الذي قد يصبح الحزب الثالث وعلى حساب غانتس ولبيد.

في حال حسم نتنياهو الاستمرار في المعركة الانتخابية والتمسك بحكمه، فإن مسعاه الاول الان هو ان يحظى بمكانة الحزب الاول وليس ضمان الكتلة الاكبر التي باتت شبه غير ممكنة. الحزب الاول يمنحه فرصة اجرائية قانونية بأن يطالب من رئيس الدولة بعد الانتخابات منحه فرصة تركيب الائتلاف. لكن تبدو استراتيجية نتنياهو الانتخابية في هذه الحالة ستكون الحيلولة دون تمكن المعارضة بقيادة بينيت من تشكيل ائتلاف لا يعتمد على النواب العرب وهذا غير شرعي في العرف الاسرائيلي بعد اكتوبر 2023، لكن قدحال كان مسعى امريكيا للحل اقليميا قد تتغير هذه القاعدة المجمع عليها صهيونيا. كما قد يستغل نتنياهو في حال تشكلت قائمة عربية مشتركة بالاحزاب العربية ومبادرات جديدة، قد تحصل ما بين 15 و17 نائبا، وفقا لنفس المبدأ كي يحول دون قدرة المعارضة على تشكيل ائتلاف حاكم بديل وهندها سيبقى هو رئيسا لحكومة تصريف الاعمال الى حين جولات متكررة من الانتخابات الى ان تحسم النتائج.

يدرك نتنياهو بأن الحرديم لن يتنازلوا عن قانون يعفيهم من التجنيد الالزامي للجيش وبصيغة ترضيهم، وبأنهم عادوا الى مقاطعة التصويت لصالح مقترحات قوانين حكومية، مما يعوّق احتمالات بقاء الائتلاف من دون القدرة على التشريع.

بخلاف الانتخابات السابقة حيث بادر نتنياهو الى بلورة التحالف الانتخابي بين حزبي سموترتيتش وبن غفير كي يضمن فوز كتلته وقد نجح بذلك بشكل كبير، فإن خياراته امام ترامب تقوم على تفضيل التحالف معه بدلا من بن غفير وسموتريتش اللذين يبدوان قد انهيا مهمتيهما الوظيفية وفقا لنتنياهو في صيانة حكمه وفي تحجيم المعارضة، وفي التصدي لاملاءات الرئيس الاسبق بايدن بصدد الحرب على غزة.

في الخلاصة؛ يبدو ان ترامب يمد لنتنياهو حبل نجاه من المحكمة كي يجيّر دوره وظيفيا لصالح الاولويات الامريكية في المنطقة، حتى بثمن انهاء نتنياهو لحكمه لكن يبقى له موروثه بصدد الحرب مع ايران والتطبيع في حال استطاع ترامب ذلك.

في المعطيات الحالية لا وجود بالحكم لكتلة اقصى اليمين الا بوجود نتنياهو في قيادتها وغير ذلك من المتسبعد ان تبقى الكتلة قائمة، هذا على الرغم من ان نفوذ اليمين الصهيوديني والكهاني يتعزز في المجتمع الاسرائيلي. رغما عن هذا يتضح ان دور حزبي الصهيونية الدينية هو دور وظيفي وأن المحرك الاول والاخير للسياسات هو نتنياهو.

تشير التحولات المحتملة بأن نتنياهو المتمرّس في السياسة وفي ألاعيبها يراهن اما على توجهات ترامب بصدد توسيع الاتفاقات الابراهامية رغما عن استحقاقاتها اسرائيليا؛ او على الاعلان عن انتخابات مبكرة لتصبح حكومته في حلٍّ من اغلبية ائتلافية في حال ابرام صفقة شاملة بشأن غزة او التماشي مع الخيار الامريكي.

يعود ترامب ويرسم ايضا حدود الدور الاسرائيلي باعتباره وظيفيا في السياسات الامريكية وباعتباره جوهريا في توفير الحماية لاسرائيل.

ليس من الواضح اذا ما ادت الحرب مع ايران والشعور بالتورط في غزة الى صحوة في الراي العام الاسرائيلي، لكن يتضح ان مثل هذه الصحوة تحدث فقط بضغوطات دولية الى جانب الحراكات المحلية، فالحلبة السياسية الاسرائيلية ليست مبشّرة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا