آخر الأخبار

إسرائيل من "الاسد الصاعد" الى غزة/ بقلم: أمير مخول

شارك

انتهت الحرب على ايران على الاقل في جولتها الحالية، جاء وقف اطلاق النار بقرار امريكي قبل ان يكون اسرائيليا او ايرانيا. اعلن الطرفان الانتصار سواء اسرائيل التي اعلنت تحقيق اهدافها "واكثر من ذلك بكثير" وانها ازالت على لسان نتنياهو "اكبر خطرين وجوديين"، وايران التي اكدت انها منعت اسرائيل من تحقيق اهدافها، بل ان صواريخها البالستية تغلبت على الدفاعات الجوية الاسرائيلية والامريكية، كما وقصفت قاعدة العديد الامريكية في قطر ردا على القصف الامريكي لمنشآتها النووية.

خطاب الاسرائيلي كان مهيمنا على الساحة السياسية حكومة ومعارضة وعلى الراي العام والاعلام. وصفه نتنياهو ب"الانتصار الاكبر في تاريخ اسرائيل على من سعوا لابادتنا"، كما اضفى عليه طابعا ربانيا مكثرا من اقتباس النصوص من التوراة. الا ان اسرائيل التي احتفت فعليا بوقع خطاب الانتصار، فقد استفاقت بعد رفع حالة الطواريء على تلمس حجم الاضرار الهائلة التي احدثتها الصواريخ الايرانية في المواقع الاستراتيجية والسكانية والتي لم يتح حظر النشر عنها خلال الحرب للجمهور الاسرائيلي تلمّس حجمها. كما ان اسرائيل الرسمية استفاقت يوم 25/6 على وقع غزة ومقتل سبعة جنود. عادت غزة لتتصدر الحدث بعد تغييبها عن الانظار لاثني عشر يوما هي ايام الحرب التي اعلنتها اسرائيل على ايران. في مقابلته المتلفزة للصحفية ايالا حسون صرح نتنياهو: "فعلنا في ايران ما فعلته حماس بنا في 7 اكتوبر 2023". في معظم تصريحاته الكثيرة اراد نتنياهو أدمج نتنياهو رسائله الانتخابية بتعظيم الانتصار على ايران وصناعة المستحيل مشيدا بجرأته وحسمه لقرار الانتصار التاريخي، كما سعى الى حصر جدول اعمال الراي العام والانتخابات القادمة التي بدأت تهبّ رياحها، في هذا الانتصار والابتعاد الاقصى الممكن عن الحرب على غزة والاسرى والمحتجزين واخفاق 7 اكتوبر 2023 الاكبر في تاريخ اسرائيل.

اعتبرت اسرائيل الرسمية بأنها انتصرت انتصارا ساحقا على ايران لكن "لم تنته المهمة" وقد تدار الحرب بأدوات أخرى. في تلميح الى نموذجين؛ اللبناني الذي تفرضه اسرائيل بعد وقف اطلاق النار مع حزب الله، اي ان تقوم بعمليات حربية ضد كل ما تعتبره انتهاكا من قبل ايران لوقف اطلاق النار مستهدفة منشأتها النووية او ما تبقى منها وكذلك الصاروخية؛ والثاني هو ما درجت تقوم به من تعزيز عملياتها الخاصة الاستخباراتية والعملياتية بما فيه استهداف العلماء الايرانيين بعد فرض ممر جوي حربي ثابت للسيطرة على الاجواء الايرانية. كما اشارت تصريحات الناطق العسكري بأن الجيش في حربه على ايران قد وفّر الاف الاهداف الجدية التي يضيفها الى بنك الاهداف لاحقا.

المنتصر الاكبر هو ترامب، والذي رسمت ادارته حدودا جديدة لهيمنتها اقليميا ودوليا دونما التورط في حرب شاملة مع ايران كان من الممكن ان ترتد على سياساته وحصريا الاقتصادية والدولية. كما ان ترامب فعليا قد سيطر على ادارة دفة الامور في الحرب وصولا الى الضربة الامريكية للمشروع النووي الايراني ومن ثم الاعلان عن وقف الحرب. لم يقبل ترامب حتى التسمية الاسرائيلية للحرب (الاسد الصاعد) بل اطلق عليها حرب الايام الاثني عشر قد يتضح لاسرائيل لاحقا بأن ترامب قد حدد لها عقائديا وسياسيا دورا وظيفيا في السياسات الامريكية وليس العكس، معتمدا على نهج التيار الانكفائي بين قاعدته الانتخابية القائل ب، امريكا لا تقوم بحروب غيرها بما فيه اسرائيل رغما عن التزام ادارته بأمن اسرائيل كما كل رئيس امريكي.

فور اعلان وقف اطلاق النار باشر نتنياهو حملته الانتخابية بالاكثار من المقابلات الصحفية مع الاعلام العبري والتي تهرب منها منذ 20 شهرا، ثم تجواله في السوق الشعبي وزيارتين لحائط البراق والاكثار من الاقتباسات التوراتية في مسعى لاستمالة جمهور اليمين العقائدي والمتدينين، وذلك لاحتمالية انتخابات سريعة تجري خلال ثلاثة اشهر الا انه لم يحسم امره بعد. الا ان حالة الانتخابات للكنيست باتت تسيطر على الحالة الاسرائيلية.

كما في كل حرب اقليمية راهنا، تضررت غزة من الحرب على ايران، كما وتضررت الضفة. تحت انشداد انظار العالم بما فيه العرب وحتى الفلسطينيين، فقد قتل استراتيجية التجويع و"المساعدات الانسانية" نحو الالفين من الجوعى الغزيين، عمق الاحتلال ضرباته للوجود الفلسطيني في القطاع،

الخيارات المحتملة هي ام اعلان نتنياهو تبكير موعد الانتخابات الى نوفمبر 2025 مستندا الى "هالة الانتصار على ايران" عساها تبقيه في الحكم لدورة جديدة؛ او اختيار الطريق وهو الحفاظ على ائتلافه الحاكم المتماسك حاليا والسعي لاطالة امد الحكومة حتى نهاية دورتها خريف 2026. وفقا للاستطلاعات التي جرت بعد الحرب على ايران، فإن شعبية نتنياهو تعززت وكذلك ملاءمته لرئاسة الحكومة، كما تعزز التمثيل البرلماني لحزب الليكود، الا ان كتلة أقصى اليمين لا تزال في مكانها نحو 49 والمعارضة الحالية يضاف اليها حزب نفتالي بينيت لها الاغلبية في الكنيست وفقا للاستطلاعات، وعشرة نواب للاحزاب العربية. فيما ان ارتفاع حزب الليكود يأتي على حساب حزب بن غفير وسموتريتش ولا اوساط جديدة من خارج قاعدة اقصى اليمين الانتخابية. ليس بالضرورة ان تكون الخارطة الحزبية كما تنبيء به الاستطلاعلات اذ ان الاحزاب العربية قد تزداد قوتها لنحو 15-17 نائبا في حال توحدها في قائمة مشتركة واحدة، مما يؤدي الى خلط الاوراق بين الكتلتين الصهيونيتين المتنافستين على الحكم.

مثل هذه المعطيات تحاصر خيارات نتنياهو، وقد تدفعه الى خيار اطالة أمد حكومته والامتناع عن انتخابات مبكرة وعندها سيكون ذلك من خلال صيانة ائتلافه الحاكم على حساب صفقة تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار لنحو شهرين نحو انهاء الحرب على غزة كما تقتضي الصيغة المصرية والقطرية والامريكية.

في المقابل فقد المح نتنياهو قبل عدة اشهر بأن هذه الحرب ستتوقف نحو شهر اكتوبر 2025. فعليا فإن الصفقة المطروحة وهي تبادل الاسرى والمحتجزين على دفعتين، لن تكتمل قبل الموعد المذكور. عززت تصريحات قائد الاركان زمير بأن الحرب على غزة "لن تكون من دون نهاية" ثم اتت يوم 25/6/25 تصريحات موشي غفني عضو الكنيست ورئيس لجنة المالية فيه من حزب يهود التوراة الحريدي، بأنه لا يستوعب لماذا لا تزال هذه الحرب دائرة. فيما صرح لبيد رئيس المعارضة مباشرة بعد اعلان وقف اطلاق النار مع ايران بأن "المهمة الان هي انهاء الحرب في غزة وإعادة تأهيل المجتمع الاسرائيلي ذاتيا".

بخلاف ذلك يأتي موقف كل من سموتريتش وبن غفير وعدد لا باس به من وزراء الليكود ونوابه والداعي الى استغلال حالة "الانتصار الاهم في تاريخ اسرائيل" على ايران، و"الانقضاض على غزة وإنهاء المهمة وحسمها بقوة الجيش الذي اجهز على كل الاعداء" مع الدعوة الى التهجير والاستيطان في القطاع. يدرك نتنياهو ان أيا منهما لن يسقط الحكومة ان لم تكن آيلة للسقوط في كل حالة، الا انه يريدهما حليفين له في الاعداد للانتخابات القادمة سعيا للسيطرة على نتائجها بكل الوسائل الممكنة.

فيما ان الموقف الاكثر أثرا هو ما يرشح عن ادارة ترامب بوجوب انهاء الحرب على غزة وعقد صفقة. بعد أن فرض ترامب وقف الحرب بين اسرائيل وايران، صرح يوم 25/6 بأن الصفقة وانهاء الحرب في غزة هما مسألة قريبة واعرب عن تفاؤله. في حال كانت هذه التصريحات جديّة وتتبعها ارادة امريكية حقيقية فلن يكون امام نتنياهو الا الانصياع لها، ولن يستطيع سموتريتش ولا بن غفير الوقوف في طريقها. الا ان تصريحات التفافية على هذا الخيار صدرت عن وزير الامن كاتس ومفادها ان اسرائيل سوف تحتفظ بكل الاحول في السيطرة على المنطقة العازلة على طول القطاع وكذلك بمحور فيلادلفي (صلاح الدين). بالاضافة الى نزع سلاح حماس وخروجها من القطاع وتقويض سلطاتها المدنية والعسكرية، ومنع السلطة الفلسطينية من ادارة القطاع.

وفقا لتصريحات المبعوث الامريكي فلسطيني الاصل بشارة بحبح فإن مقومات انجاز الصفقة كبيرة وقابلة للتحقيق، خاصة وأن ادارة ترامب لن تتيح غير ذلك. ويبدو انه لن يكون من خيار لدى حماس سوى قبول الصيغة الحالية، مما قد يتيح لحكومة نتنياهو قبولها لانها تقترب من شروطها. الا ان هذا الاحتمال غير مؤكد اسرائيليا.

في الخلاصة، فإن الصفقة نحو انهاء الحرب هي احتمال وارد في حال فرضتها ادارة ترامب على نتنياهو وحكومته، نظرا لاولويات الولايات المتحدة في المنطقة ودوليا. ثم أنّ التفاعلات الاسرائيلية الداخلية ورغم الشعور العام بالانتصار التاريخي على ايران، لا توحي باستغلال الفرصة لانهاء الحرب على غزة. بل لا يزال الشد العكسي قائما بين توجه القبول بالصفقة وتوجه تكثيف الحرب على الوجود السكاني في غزة تحت شعار القضاء على حماس.

في حال وجد نتنياهو ان الصفقة ستحسن من وضعيته الانتخابية من الوارد تمام ان يقبل بها، مقابل تعميق الاستيطان والضم في الضفة الغربية. لقد أراد نتنياهو ان تقيه الحرب على ايران، من ورطة غزة الا انها لا تزال تلاحقه ومن المستبعد ان ينجح في مَحوَرة الانتخابات في "الانتصار الاكبر في تاريخ اسرائيل" وان يستبعد الاخفاق الاكبر في تاريخ اسرائيل وفقا لكل التقديرات الاسرائيلية وهو السابع من اكتوبر 2023. ثم ان ثمن هذه الحرب اسرائيليا قد ينقلب على نتنياهو وحكومته.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا