لم يكن اندلاع الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران مفاجئًا للمراقبين، بل كانت تتصاعد مؤشراتها شيئًا فشيئًا منذ سنوات، في ظلّ توتر سياسي واستراتيجي آخذ بالتفاقم، وتداخل ملفات الأمن الإقليمي، والطموحات النووية، والتنافس الجيوسياسي على النفوذ..
الأسباب: بين الضربات الاستباقية ومخاوف التفوق الإيراني..
• الملف النووي الإيراني: بلغت المخاوف الغربية والإسرائيلية ذروتها بعد تقارير استخبارية تؤكد اقتراب طهران من العتبة النووية. فتمّ اعتبار العمل العسكري وسيلة لقطع الطريق على إنتاج قنبلة نووية، ولو مؤقتًا.
• الانتشار الإقليمي لطهران: ازدياد نفوذ إيران في العراق، سوريا، لبنان، واليمن، أثار قلقًا استراتيجيًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة، باعتبار أن طهران تدير شبكة إقليمية من الحلفاء المسلحين وتشكّل تهديدًا مباشرًا لحدود إسرائيل.
• الهجمات السيبرانية والضربات الخفية المتبادلة: تصاعدت العمليات السرية والهجمات السيبرانية بين الطرفين، ما جعل المواجهة العلنية شبه حتمية في ظل غياب تسوية دبلوماسية ناجعة.
• عامل الانتخابات والداخل الإسرائيلي الأمريكي:
• لا يمكن تجاهل أن بعض الدوافع ترتبط بحاجة سياسية لدى الحكومتين في واشنطن وتل أبيب لإثبات القوة وتحقيق إنجاز خارجي يُترجم إلى مكاسب داخلية انتخابية أو دعم شعبي.
النتائج: ميدانيًّا واستراتيجيًّا
• خسائر محدودة ولكن رمزية:
• رغم القصف المتبادل، تكتيكات الحرب ظلّت "محسوبة". تضررت بعض المنشآت النووية والبنى التحتية الإيرانية، فيما استهدفت إيران قواعد أمريكية ومواقع إسرائيلية محددة عبر صواريخ ومسيرات، دون انزلاق إلى مواجهة شاملة.
• إيران خرجت جريحة ولكنها لم تنهزم: فشلت الحرب في كسر إرادة النظام الإيراني أو إسقاطه، بل أعادت إنتاج الخطاب الداخلي المقاوم، ما أدى إلى التماسك الشعبي النسبي حول القيادة.
• المجتمع الدولي منقسم:
• شهدنا انقسامًا واضحًا بين داعم للضربات باعتبارها ضرورية، وبين من رآها عدوانًا غير مبرر قد يُلهب الشرق الأوسط ويدفع به إلى حافة الانفجار.
• أسواق النفط والاقتصاد العالمي:
• ارتفعت أسعار النفط والذهب مؤقتًا، واهتزت الأسواق وسط حالة من الذعر والترقّب، ما كشف هشاشة الاقتصاد العالمي في مواجهة أي تصعيد في الخليج.
هل تغير شيء في الواقع؟
نعم، تغيّر الكثير..لكن ليس كما أرادت الأطراف:
• إسرائيل لم تنجح في تحجيم إيران جذريًا، بل عزّزت من صورتها كعدوّ في المنطقة.
• إيران لم تخرج منتصرة، لكنها برهنت على امتلاك قدرات ردع متقدّمة وخبرة في امتصاص الضربات.
• أمريكا أظهرت قوتها، لكنها تردّدت في توسيع الحرب، لتجنب التورط مجددًا في مستنقع شرق أوسطيّ جديد.
• الدول الخليجية عاشت حالة من القلق والتموضع الحذر، ولم تُبدِ حماسًا لتصعيد إقليمي موسّع.
• الواقع الأمني أصبح أكثر توترًا، مع
• احتمالية أكبر لحروب بالوكالة، وهجمات غير مباشرة بين المحاور المتنازعة.
الخلاصة: حرب محدودة بنتائج رمادية..
لم تكن حرب الـ12 يومًا انتصارًا لأي طرف، بل رسالة قاسية لكل الأطراف بأن لغة الحرب في الشرق الأوسط لم تعد تحسم شيئًا بشكل نهائي، بل تفتح أبوابًا جديدة لصراعات أشدّ تعقيدًا. ومهما تعددت الضربات، فإن غياب الحل السياسي العادل سيبقي الجبهات مشتعلة تحت الرماد، بانتظار شرارة جديدة.
الخاتمة: حرب محدودة بنتائج رمادية... وغزة في قلب التجاهل
لم تكن حرب الـ12 يومًا انتصارًا لأي طرف، بل رسالة قاسية بأن لغة الحرب لم تعد تحسم شيئًا في الشرق الأوسط، بل تؤجل الانفجار الكبير.
لكن وسط هذه الحرب، غابت غزة عن العناوين، لا عن الجراح.
فبينما كانت الصواريخ تُطلق من فوق البحار، كانت غزة تُقصف بصمتٍ من فوق الوجدان.
استغلت إسرائيل ضباب الحرب لتُمعن في التضييق والمعاقبة، ووجدت في الصراع الأكبر غطاءً دوليًّا لتجاهل معاناة شعب محاصر.
وربما، كان أحد أهداف هذا التصعيد الكبير هو صرف الأنظار عن فلسطين، وإعادة ترتيب أولويات المنطقة بعيدًا عن جوهر الصراع الحقيقي.
غزة لم تكن طرفًا في الحرب، لكنها كالعادة، كانت ضحيّتها الصامتة..