آخر الأخبار

د. أحمد الطيبي-قصف المستشفيات: لا مجال للمقارنة”؟ بل المقارنة واجبة أخلاقياً

شارك

قصف المستشفيات: لا مجال للمقارنة”؟ بل المقارنة واجبة أخلاقياً

د. أحمد الطيبي
عضو الكنيست – رئيس الحركة العربية للتغيير
ترجمة لمقالة نشرت في صحيفة هارتس

في أعقاب استهداف مستشفى سوروكا في بئر السبع هذا الأسبوع، عبّرنا، أنا وزملائي، عن موقف واضح ضد استهداف المنشآت الطبية والمدنيين. كتبت بوضوح أن هذا العمل يشكل جريمة خطيرة، وأنه لا يجوز الاعتداء على مدنيين أو طواقم طبية ،تمامًا كما لا يجوز الاعتداء على المستشفيات والمسعفين والطواقم الطبية في قطاع غزة.

لكن الردود لم تتأخر. خلال دقائق، انهالت التعليقات الغاضبة: “كيف تجرؤ على المقارنة؟”، “أي مقارنة هذه؟”، “لا مجال للمقارنة!”. هذه الردود ليست جديدة، بل أصبحت ردة الفعل التلقائية عند قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي، كرد فعل فورية لمنع أي مقارنة أخلاقية، أو محاولة لفحص مزدوج للواقع. الرسالة الضمنية واضحة: ما يُسمح به لإسرائيل، يُحرَّم على غيرها. إسرائيل دائمًا “تدافع عن نفسها”، “تلتزم بالقانون الدولي”، بينما الآخر دائمًا “إرهابي”، “كاذب”، “نازي”، أو “عَماليقي”.

هذه ليست فقط مغالطة أخلاقية، بل كارثة سياسية وإنسانية. فليس فقط أن المقارنة جائزة، بل إن رفض مبدأ المقارنة بحد ذاته دليل على عمق المأساة.

دعونا نراجع: أكثر من 400 من أفراد الطواقم الطبية استُشهدوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان. عشرات المستشفيات دُمّرت أو تعطّلت عن العمل. سيارات الإسعاف قُصفت، أجهزة طبية نُهبت، مرضى تُركوا لمصيرهم، وأجنحة توليد ومختبرات خصوبة دُمّرت بالكامل. هذه أفعال تُصنّف دوليًا على أنها جرائم حرب، لكن حين يكون الجاني هو الجيش الإسرائيلي، تختفي الإدانات ويعلو صوت التبرير: “أُطلق من هناك صاروخ”، “كانوا يختبئون خلف المدنيين”، “لم يكن بديل آخر”.

في المقابل، حين يُستهدف مستشفى إسرائيلي، تكون الصرخة مدوية، والغضب الرسمي مُطلق. وزير الأمن القومي بن غفير شبّه مطلقي الصواريخ بـ”النازيين”، ورئيس الحكومة نتنياهو تعهّد بـ”جعلهم يدفعون الثمن”. لكن، هل يتذكر أحد هؤلاء عدد المستشفيات التي قصفتها إسرائيل بنفسها؟ هل من يطلق هذه التصريحات نظر في المرآة؟

المشكلة لا تقتصر على الصمت الدولي أو على الازدواجية السياسية، بل تمتد إلى البنية الأخلاقية للإعلام والخطاب الإسرائيلي.

حين نُدين الهجمات التي يشنّها المستوطنون على قرى فلسطينية – بما فيها الحرق، والتخريب، والقتل – تكون الردود جاهزة: “هؤلاء متطرفون”، “أعشاب ضارة”، “قلة لا تمثّل”. لكن حين يرتكب فلسطيني عملًا فرديًا، يُعمَّم الحكم على شعب بأكمله، وتُفرض عليه العقوبات الجماعية، وهدم البيوت، والاعتقالات العشوائية.

حتى المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت هدم منزل قاتل يهودي – كما في حالة عاميرام بن أوليئيل، الذي قتل عائلة دوابشة حرقًا – بحجة “الفرق الجوهري” وكذلك في قضية حرق الفتى محمود ابو خضير من شعفاط. بينما هُدمت مئات البيوت الفلسطينية دون محاكمة، وبدعوى “الردع”. فأين هو مبدأ المساواة أمام القانون؟!

الأمر ذاته في مسألة الاعتقال الإداري، حيث يتم اعتقال المئات من الفلسطينيين دون محاكمة، بينما يُستثنى اليهود تمامًا، حتى حين يُشتبه بارتكابهم جرائم خطيرة.

وفي الإعلام، هناك من يحرّض علنًا على سكان غزة، ويصفهم بأنهم “ليسوا أبرياء”، ويطالب بـ”محوهم”، و”تجويعهم”، و”تدميرهم”. وعندما نُذكّرهم بأن الإعلاميين في رواندا أدينوا دوليًا على تحريض مشابه، يكون الرد الجاهز: “لا يمكن المقارنة”.

الهدف من عبارة “لا مجال للمقارنة” هو منع أي مراجعة ذاتية، أو محاسبة حقيقية، أو إدراك لعمق الفجوة الأخلاقية.

المقارنة ليست خيانة، بل معيار أخلاقي. حين تُقصف مستشفيات في غزة وتُبرَّر، بينما تُدان ذات الأفعال عندما تستهدف منشأة إسرائيلية، فإننا أمام معايير مزدوجة ومروعة.

هل حياة الفلسطيني أقل قيمة؟ هل طفل فلسطيني لا يساوي طفلًا إسرائيليًا؟ هل طبيبة تعمل في غزة لا تستحق نفس الحماية التي تحصل عليها زميلتها في بئر السبع؟

إذا كان قصف المستشفيات جريمة – فهو جريمة دائمًا، سواء ارتكبه جيش يحمل العلم الإسرائيلي أو الإيراني.

القول “لا مجال للمقارنة” ليس موقفًا عقلانيًا، بل موقف دفاعي مكشوف يهدف إلى الحفاظ على امتيازات سياسية وأخلاقية زائفة. إنه حائط صد يهدف إلى تثبيت الهيمنة، وطمس الواقع، وتبرير الجرائم.

العالم يواصل منحه لإسرائيل حصانة تامة، الولايات المتحدة تُمَوّل، وأوروبا تَصمت. والنتيجة: قنابل تسقط، أطفال يُقتلون، والمجتمع الإسرائيلي يواصل رفضه للنظر في المرآة.

هل فعلًا “لا مجال للمقارنة”؟ على العكس: المقارنة واجبة.
بل إنها أضعف الإيمان. ولكن حتى هذا القليل، يبدو أنه جاء متأخرًا جدًا، وبشكل ضئيل جدًا.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا