في زمن تندر فيه الثقة وتُستباح فيه المبادئ، يصبح الوفاء عملة نادرة، لا تُقابل بالتقدير، بل كثيرًا ما تُواجَه بالغدر. هذه الحقيقة المريرة تتجلى بوضوح في العلاقة بين كثير من أبناء المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل وبين من ارتضوا أن يُطلق عليهم صفة "القيادة السياسية". فكم من مخلص وضع ثقته الكاملة في أحدهم، دعمه في العلن، ووقف معه في السرّ، فقط ليُفاجأ في النهاية بطعنة لا تأتي من خصم، بل من من منحهم ولاءه الشخصي.
ليست المشكلة فقط في فشل سياسي هنا أو هناك، بل في شعور متكرر بأن الوفاء لا يُجدي نفعًا مع بعض القادة الذين، ما إن تتاح لهم فرصة الصعود، حتى ينسوا كل من ساندهم، ويتنكرون لكل من حملهم على أكتافه. الأسوأ أن هذا الغدر لا يكون فقط بصمتهم أو تجاهلهم، بل أحيانًا بالإقصاء المتعمد، أو بالكذب العلني، أو حتى بتشويه من كانوا يومًا أوفياء لهم.
كم هو موجع أن تتحول العلاقة الإنسانية الصادقة إلى سلعة في حسابات المصالح والظهور الإعلامي. وكم هو مهين أن يُعامل الوفاء كضعف، والصدق كحماقة. البعض من هؤلاء السياسيين لا يرون في الداعمين لهم سوى أدوات مرحلية، وحين تنتهي الحاجة، يُلقى بهم جانبًا دون أدنى اعتبار.لكن الحقيقة الأشد مرارة هي أن هذا النمط من الغدر يقتل شيئًا أعمق من الثقة: إنه يفتك بروح الانتماء، ويصيب الناس بالإحباط السياسي، ويزرع في القلوب اليأس من التغيير. كيف نربي أجيالًا على الإخلاص والالتزام، ونحن نراهم يُخذَلون من أولئك الذين كنا نعتبرهم رموزًا؟رسالتي لكل من خُذل رغم وفائه: لا تجعلوا من غدرهم مقياسًا لكم. ترفّعوا عن الرد بالمثل، ولكن لا تصمتوا. اكشفوا الزيف، واصنعوا البدائل. فالقادة الحقيقيون لا يُولدون من فوق، بل من بيننا، من عمق الوفاء، ومن جراح الغدر ذاتها.
وفي النهاية، لعل الخذلان يُعلّمنا درسًا قاسيًا، لكنه ضروري: لا قداسة لأحد، ولا حصانة لمن يخون الثقة. الوفاء لا يُمنح لمن لا يستحقه.