المتعارف عليه في أوروبا، التي عشت فيها حوالي ثلاثين عاماً، أن المطاعم الراقية وحتى المطاعم التي تهتم بزبائنها، تمنع دخول الكلاب إليها، حيث توجد لافتة معلقة على أبواب تلك المطاعم مكتوب عليها "ممنوع دخول الكلاب". وتطلب إدارات المطاعم من زبائنها الذين يصطحبون كلاباً أن يبقوها في مكان مخصص لهم خارج المطعم. والسبب في منع الكلاب، هو رفض زبائن كثيرون وجود كلاب في المطعم وكل له تبريره والمطاعم هي للبشر الذين يفهمون قيمة الأكل، وليست للحيوان.
وقد أعجبتني هذه الفكرة، ورأيت أن تطبيقها على المقالات السياسية والأدبية أمر ضروري، لوجود قاسم مشترك بين المطاعم والمقالات. فالمطاعم الراقية لا يزورها سوى هؤلاء الذين يقدرون ما تقدمه تلك المطاعم من أنواع أكل فاخرة للزبائن. فهم يأكلون من أصنافها بشهية ويتلذذون في مذاقها ولذلك يقدرون بشكل كبير ما تقدمه تلك المطاعم لروادها، ولا سيما للطاهي أي للشيف الذي يتلقى الشكر على ما فعلت يداه.
والمقالات السياسية لا يقرأها ويفهمها سوى أصحاب العقول النيرة الواعية، الذين يحترمون وسائل إعلامية راقية تنشر مقالات سياسية تحليلية مؤثرة. والفضل في هذه المقالات يعود لكتابها الذين يتلقون الثناء والشكر من القراء لتحليلاتهم الواعية. ولو كان الأمر بيدي لمنعت كافة الاشخاص المتخلفين سياسياً وثقافياً من قراءة مقالاتي. وكم كان بودي أن أكتب جملة في بداية كل مقال لي تقول: " ممنوع على الذين لا يفهمون تصفح هذا المقال."
الذي دفعني لكتابة هذه المقارنة، ما يصلني من (بعض) ردود فعل على مقالاتي ومنها ردود فعل ممن اتهموهم زوراً بأنهم محللين سياسيين علماً بوجود عدد كبير من القراء الذين لا يسعني إلاً تقديم الشكر لهم على الإطراءات الجميلة التي أتلقاها منهم . معلمي في الصحافة اللبنانية الإعلامي والشاعر اللبناني جورج جرداق الذي كان ولسنوات طويلة جداً أهم كاتب مقال في مجلة "الشبكة" اللبنانية أكبر المجلات لعربية انتشارا، في النصف الثاني من القرن الماضي والذي اختارت أم كلثوم قصيدته "هذه ليلتي" لتغنيها، قال لي ذات يوم:" من يستوعب ما تكتبه تكون ردة فعله إيجابية ما دام مقالك في مصلحة القارئ والمجتمع." ليس كل من قام بـ "تصفيط" كلمات هو كاتب، لأن صف الكلام الفارغ المضمون هو مضيعة للوقت، وليس كل من رسم حروفاً تبدو وكأنها لغة عربية هو محلل سياسي، وللأسف هذه الفئة منتشرة في مجتمعنا العربي.
وأخيراً... جلال صفدي، مدير القسم العربي لإدارة المجتمع والشباب في وزارة التربية والتعليم. قال في حديث إذاعي مع الزميلة ايمان القاسم حول مهرجان الدبكة والتراث الشعبي الذي أقيم بدعم من الوزارة : " مثل هذه المهرجانات تنقذ المجتمع" في إشارة الى مواجهة العنف. وهنا أقول لجلال صفدي ان حل قضية العنف والجريمة في المجتمع لا يتم عن طريق الدبكات الشعبية بل وفقط عن طريق الشرطة التي بيدها مفتاح الحل.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com