آخر الأخبار

في رحاب القائد المؤسس: الشيخ عبد الله نمر درويش كما رأيته وأينما رافقته/ بقلم: الشيخ د. كامل ريان

شارك

ليس من السهل أن تكتب عن رجلٍ لم يكن مجرد فرد، بل أمةً تمشي على قدمين، وضميرًا حيًّا ظل نابضًا لقضية شعبه، ولأمةٍ جريحة تبحث عن طريق العودة إلى ذاتها. لم يكن الشيخ عبد الله نمر درويش مجرد داعية، أو زعيم حركة، بل كان حالةً فكرية وروحية وإنسانية فريدة، مزجت بين همّ الأرض، وقلق السماء، وبين صلابة الموقف، ورقّة القلب.

حين أتحدث عن الشيخ عبدالله نمر درويش، لا أسرد سيرة، بل ألمس بألم الحنين، وأقرأ فصولًا من حياة رجلٍ لم يعرف المساومة، ولم يُشهر غير الكلمة والموقف سلاحًا.

مصدر الصورة

الثائر… الذي قرأ قدَر شعبه باكرًا

وُلد الشيخ عبد الله نمر درويش في كنف النكبة، وتشكّل وعيه في أحضان الحصار السياسي والديني والاجتماعي الذي فرضته الدولة على الفلسطينيين داخل أراضي 1948. كان يرى أن الإسلام ليس طقسًا فرديًا، بل رسالة تحرر وتغيير، فاختار منذ شبابه أن يجعل من الدين وسيلة لنهضة مجتمعه، ولحماية الهوية التي حاول الكثيرون طمسها.

أسس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ليصنع بذلك أول مشروع نهضوي دعوي منظم، ينطلق من قلب الجرح الفلسطيني، ويجمع بين الثوابت الدينية، والوعي السياسي، والخدمة الاجتماعية.

المفكر… الذي سبق زمانه

لم يكن الشيخ عبد الله أسير اللحظة، بل كان يرى أبعد من حدود الزمان والمكان. تحدّث عن الدولة الإسلامية لا بوصفها حكمًا، بل مظلة عدل ورحمة ومواطنة. وحين فكّر في العمل السياسي، لم يرَ فيه ترفًا ولا انحرافًا، بل وسيلة لحماية الثوابت ومخاطبة العالم بلغة العصر.

كان يرى أن الإسلاميين إذا ما أرادوا أن يغيّروا واقعهم، فعليهم أن ينزلوا إلى الميدان: إلى البلديات، الى البرلمان، إلى الناس، إلى حاجات الجياع، وخوف المظلومين، وأمل التائهين. لم يكن يُحب الشعارات الجوفاء، بل آمن بأن الفكرة القوية تحتاج إلى تنظيمٍ أقوى، وإلى رجالٍ يعملون أكثر مما يتكلمون.

الداعية… الذي لا يُشبه غيره

حين يتحدث الناس عن الدعاة، فإنهم يستحضرون الخطب والوعظ والمحراب. أما الشيخ عبد الله نمر درويش، فكان داعية يصنع الأمل في الشارع، ويزرع الفكرة في السوق، ويغرس الأخلاق في المؤسسات. كانت كلماته تنبع من حرارة الإيمان، وتجربته تتشكّل في مدرسة الناس.

لم يكن يُحب التصنيف، بل كان ينتمي إلى الإسلام كله: عقيدةً وشريعةً وسلوكًا ووطنًا. أحب الناس جميعًا، وتأثّر بالفكر الإسلامي المعاصر، ولكنه ظلّ فلسطينيًا حتى النخاع، وعربيًا حتى الروح، وإنسانيًا حتى النهاية.

الإنسان… الذي طهّره الألم وصقلته السجون

قضى الشيخ سنواتٍ في السجن، ولكنه خرج أنقى وأقوى وأوضح رؤية. لم يخرج منتقمًا، بل حاملًا مشروعًا للتسامح، وللتصالح مع الذات، ومع الآخر ما دام لا ينتزع أرضًا ولا يقتل روحًا.
كان إنسانًا يُجيد الإنصات، يُحب الناس، يمازحهم، يزور مرضاهم، ويقف إلى جانب شبابهم. وكم من مرةٍ اختار أن يكون في الصف الثاني، مفسحًا الطريق لتلاميذه، لأنه آمن أن الزعامة الحقّة لا تُقاس بالموقع، بل بالقدرة على صناعة الرجال.

وأخيرًا… صوت في الذاكرة لا يخفت

حين أتحدّث عن أستاذي ورفيق دربي الشيخ عبدالله درويش لا أتحدّث من موقع التنظيم فقط، بل من موقع الرفيق الذي شرب من النبع ذاته، وتألّم معه، وتعلّم منه أن الطريق إلى الله لا تفترق عن الطريق إلى الناس.

الشيخ عبد الله نمر درويش لم يكن مجرد رجل، بل صفحة ناصعة في تاريخ الداخل الفلسطيني، بل في تاريخ العمل الإسلامي المعاصر، في زمنٍ تراجعت فيه القيم وتكسّرت فيه النماذج، فهو الثائر الذي أحبّ شعبه، والمفكّر الذي صنع وعيًا، والداعية الذي لم ينقطع عن الناس، والإنسان الذي أحبّ الحياة ما دامت تُعاش لله، وتُبنى على كرامة وحرية وعدل.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا