كشفت معطيات رسمية صادرة عن الرقابة العسكرية الإسرائيلية، عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن عام 2024 شهد رقمًا قياسيًا غير مسبوق في حجم تدخل الرقابة بمحتوى الأخبار. إذ تدخلت الرقابة في أكثر من 2000 مادة صحافية، بمعدل 21 خبرًا يوميًا، وهو رقم يفوق بثلاثة أضعاف المعدلات المسجلة في سنوات "السلم"، ويفوق بمرتين الأرقام المسجلة خلال الحرب على غزة عام 2014.
وبحسب التقرير الذي نشره موقع "سيحاه مكوميت"، فإن الرقابة منعت بشكل كامل نشر 1635 خبرًا، وتدخلت جزئيًا في 6265 خبرًا آخر. ورغم أن القانون الإسرائيلي يُلزم المؤسسات الإعلامية بعرض المواد ذات الصلة بـ"الأمن" على الرقابة، فإن تعريف "الأمن" فضفاض جدًا، ما يفتح الباب لتدخلات واسعة وغالبًا غامضة، حيث يُمنع على وسائل الإعلام الإشارة إلى خضوع المادة للرقابة، مما يجعل هذه التدخلات غير مرئية للجمهور.
تراجع حاد في مؤشرات حرية الصحافة والضغوط تتصاعد
يتزامن هذا التصعيد في الرقابة مع تراجع إسرائيل إلى المرتبة 112 عالميًا في مؤشر "مراسلون بلا حدود" لعام 2025، مقارنة بالمرتبة 101 في 2024، وذلك نتيجة السياسات الداخلية وحدها، دون احتساب مقتل ما يزيد عن 176 صحافيًا فلسطينيًا في غزة خلال الحرب، وهي الحصيلة الأعلى في تاريخ الصراعات الحديثة ضد الصحافيين.
التقرير أشار أيضًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يمنع دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة منذ أكثر من عام ونصف، رغم المطالبات الدولية، ويلاحق الصحافيين الفلسطينيين إداريًا وقانونيًا. كما تتعرض مؤسسات إعلامية للإغلاق مثل قناتي "الميادين" و"الجزيرة"، إضافة إلى حملات حكومية متكررة ضد الإعلام الإسرائيلي المستقل كـ"هآرتس" و"هيئة البث"، وتغذية التحريض والعنف ضد الصحافيين.
أخطر من الرقابة الرسمية: الرقابة الذاتية
ورغم القمع المؤسساتي، اعتبر التقرير أن أخطر أشكال الرقابة خلال العام ونصف الأخير، كانت الرقابة الذاتية التي يمارسها الصحافيون الإسرائيليون، الذين اختاروا، طواعية، تجاهل ما يجري في غزة، والامتناع عن تغطية الضحايا والدمار والمعاناة، مقابل الانخراط في خطاب تبريري وتعبوي يخدم أهداف الحرب، حتى لو تطلب الأمر التغطية من قلب المعارك.
نقاش الصحافيين
في السياق ذاته، نظم "مركز إعلام – المركز العربي للحريات الإعلامية والأبحاث" اليوم مؤتمر الصحافيين الثاني تحت عنوان "الكلمة الحرة في المرمى"، وذلك في مدينة الناصرة، بحضور عشرات الصحافيات والصحافيين من مختلف أنحاء البلاد. هدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على التحديات والمخاطر التي تواجه العمل الصحافي في ظل الهجمات المتكررة على حرية التعبير، سواء من قبل السلطات أو من خلال الضغط المجتمعي والرقابة الذاتية.