قال المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية إيلان بابيه إن الفلسطينيين لا يملكون ترف الاستجابة لحالة "الذعر الأخلاقي" التي تسود الغرب، مؤكدًا أن عدم الانصياع لهذا الذعر يُعد خطوة صغيرة ولكنها ضرورية في سبيل بناء شبكة تضامن عالمية فاعلة تُعنى بفلسطين، وهي حاجة ملحّة في هذه المرحلة.
تواطؤ سياسي وتجاهل غربي ممنهج
وأشار بابيه إلى أن ردود الفعل الغربية، لا سيما الأوروبية الرسمية، تجاه ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية تثير تساؤلات مقلقة حول مدى لا مبالاة الغرب بمعاناة الشعب الفلسطيني. وتساءل عن أسباب تواطؤ الحزب الديمقراطي الأمريكي، بشكل مباشر وغير مباشر، مع استمرار الظلم الواقع على الفلسطينيين، مرجحًا أن يكون هذا التواطؤ أحد أسباب خسارته الانتخابات الأخيرة، بسبب فقدانه دعم شرائح هامة من الناخبين، مثل العرب الأميركيين والتقدميين في الولايات الأساسية، والذين لم يغفروا لإدارة بايدن دورها في الإبادة الجماعية في غزة.
ولفت إلى أن ما نشهده اليوم في غزة والضفة هو إبادة جماعية حية تُعرض على الهواء مباشرة، على عكس النكبة أو سنوات الاحتلال الطويلة بعد 1967، والتي تميزت بندرة المعلومات والتجاهل الإعلامي والسياسي الغربي لتأثيراتها التراكمية. أما الآن، فأصبحت الجرائم علنية والخطاب المرافق لها صارخًا، ولا يمكن تجاهله إلا عن عمد.
الذعر الأخلاقي: شلل النخب الغربية
وبيّن بابيه أن هذا التجاهل المتعمد مردّه إلى نجاح جماعات الضغط الإسرائيلية، التي استغلت عقدة الذنب الأوروبية والعنصرية وكراهية الإسلام لبناء نفوذ قوي، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث أصبحت آلة الضغط الإسرائيلي نافذة وقاسية، ولا يجرؤ كثيرون على معارضتها.
وأوضح أن ما يُعرف بـ"الذعر الأخلاقي" في الأدبيات الحديثة، هو سمة للفئات الأكثر وعيًا في الغرب – مثل المثقفين والصحفيين والفنانين – حيث يخشى الشخص التعبير عن قناعاته الأخلاقية خوفًا من العواقب. وهو ما يحول، بحسبه، الواعين إلى صامتين أو حتى إلى "بلهاء" عند الحديث عن فلسطين، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن هذا الذعر يؤدي إلى امتناع دوائر أمنية غربية عن دراسة المطالب الإسرائيلية باعتبار المقاومة الفلسطينية إرهابًا، ويُسهم في تهميش الضحايا الفلسطينيين في الإعلام الغربي. واستشهد بحادثة تجاهل وسائل الإعلام الأميركية الكبيرة لخبر استشهاد 56 فردًا من عائلة الصحفي رمزي بارود في غزة، بينما أولت اهتمامًا كبيرًا باتهام إسرائيلي ملفق بشأن صلات مع "كرونيكل".
صوت التضامن الشعبي في وجه الصمت الرسمي
وسلط الضوء على أن هذا التشوه الأخلاقي يظهر كذلك في قمع الطلاب والنشطاء المؤيدين لفلسطين في الولايات المتحدة، واعتقال شخصيات بارزة مثل علي أبو نعمة في سويسرا، ومقاضاة الصحفية الأسترالية ماري كوستاكيديس بسبب تغطيتها المتواضعة لأحداث غزة.
ورغم هذا المشهد القاتم، أكد بابيه أن هناك بارقة أمل، إذ توجد فئة متزايدة من الناس في الغرب لا تخشى التعبير عن دعمها للفلسطينيين، رغم معرفتها أن هذا قد يكلّفها وظيفتها أو حتى حريتها. هؤلاء، برأيه، هم الصوت الأصيل في المجتمعات الغربية.
وختم بالقول إن الفلسطينيين لا يمكنهم السماح للذعر الأخلاقي الغربي بأن يشكل فارقًا في مصيرهم، مشددًا على أن تجاوز هذا الذعر خطوة مهمة لوقف تدمير فلسطين وشعبها، ولتهيئة الطريق نحو مستقبل حر ومتحرر من الاستعمار.