في مشهد يتكرر لكن لا يُستهان به، أنهت العيادة المتنقلة التابعة لمؤسسة "أطباء لحقوق الإنسان" يوما طبيا حافلا في بلدة كفر راعي الواقعة جنوب جنين، حيث قدمت الخدمات الطبية لأكثر من 526 مريضًا ومريضة، بينهم عشرات الأطفال، في ظل ظروف إنسانية ضاغطة وحصار طبي فعلي تعيشه المنطقة.
أقيم اليوم الطبي يوم السبت في مبنى المدرسة الابتدائية للبنات وسط البلدة، بالتعاون مع المجلس المحلي، حيث استقبل 12 طبيبا وطبيبة من اختصاصات متعددة المرضى الذين توافدوا من كفر راعي وبلدات مجاورة مثل فحمة، عرابة، الزبابدة، يعبد، جبع، وصانور، لتلقي العلاج الذي يصعب عليهم الوصول إليه في ظل القيود المفروضة على الحركة، وندرة المراكز الطبية القريبة.
أوضح صلاح الحاج يحيى، مدير العيادة المتنقلة في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان، أن ما يحدث في كفر راعي ليس استثناء، بل نموذجا متكررا لواقع التمييز والإقصاء الطبي المنهجي في الضفة الغربية. وقال "حين يضطر آلاف المرضى لانتظار زيارة عيادة متنقلة، فإن هذا ليس نقصا في الموارد فقط، بل نتيجة مباشرة لسياسة ممنهجة تمنع تطوير بنى تحتية طبية مستقلة، وتحوّل أبسط الحقوق إلى معركة يومية. من يمنع مريضًا من الوصول إلى المستشفى، يشاركه في ألمه، بل يضاعفه". وحذر الحاج يحيى من أن القيود المتزايدة على حرية الحركة والتنقل قد حولت الوصول إلى المراكز الصحية في مدن مثل نابلس وجنين إلى مغامرة محفوفة بالخطر "نحن لا نمارس فقط طبا ميدانيا، بل نتصدى لسياسات خنق صحي ممنهجة".
في بداية اليوم، استقبل رئيس بلدية كفر راعي وليد يحيى الطاقم الطبي، وأشاد بعمل المؤسسة وتكرار زياراتها التي تعد شريان حياة لسكان المنطقة. وأشار إلى أن البلدة التي تضم قرابة 11,000 نسمة تفتقر لمركز طبي شامل، ويقتصر فيها العمل الصحي على طبيب عام مرتين أسبوعيًا فقط، ما يجعل من العيادة المتنقلة مصدرا طبيا أساسيا.
الرحلة إلى كفر راعي لم تكن سهلة. خلال الذهاب والعودة، واجه الفريق الطبي كما المرضى حواجز مرهقة وطوابير طويلة، أبرزها عند معبر عنّاب، دير شرف، حيث ينتظر الفلسطينيون بالساعات داخل سياراتهم، مما يؤخر وصول المرضى، ويفاقم معاناتهم.
وقالت إحدى الطبيبات المشاركات في اليوم الطبي: "نبدأ العمل ونحن نعلم مسبقا أن الطريق سيكون أحد أعراض المرض، بل أحد أسبابه. إسرائيل لا تحتاج إلى طائرات، يكفيها أن تغلق طريقا ليضاعف الألم".
وأكد الحاج يحيى أن المؤسسة ستواصل تقديم خدماتها رغم الصعوبات، لكنها في الوقت ذاته ترفض أن تكون بديلا عن نظام صحي كامل يفترض أن توفره السلطات المختصة. "نحن نسعف ما يمكن إسعافه، لكن الحل لا يكون بمسكنات عابرة بل بكسر القيود المفروضة على الفلسطينيين في صحتهم وحياتهم".