يحلّ علينا عيد الفطر المبارك هذا العام ايضًا ونحن نحمل في قلوبنا ثقلاً كبيرًا لا تخففه الزينة ولا تغطيه مظاهر الاحتفال. ففي وقتٍ يُفترض فيه أن تكتمل الفرحة وتعمّ البهجة، نعيش نحن في هذا الجزء من العالم واقعًا يمزج الفرح بالحزن، والابتهاج بالألم، والتمنّي بالخوف.
في موقع "بكرا"، نُعايد أبناء شعبنا في كل مكان، ونقول: كل عام وأنتم بألف خير، أعاده الله عليكم بالصحة والسلام والطمأنينة. لكننا لا نستطيع أن نفصل تهانينا هذا العام عن واقع الجرح المفتوح في غزة، وعن الدم النازف في شوارعنا، وعن وجع أمهات لم يجدن أبناءهن في صباح العيد.
غزة... التي لا تغيب عن القلب
في هذا العيد، لا يزال قطاع غزة ينزف بصمتٍ في ظل صمت العالم. لا يزال الأطفال يُنتشلون من تحت الركام، ولا تزال العائلات تُباد، والمآذن تُهدم، والمستشفيات تُقصف، والحياة تُطمر تحت الردم. أكثر من 50,277 ضحيّة وأكثر من 114,095 مصابًا، معظمهم من النساء والأطفال، منذ بدء الحرب التي حوّلت العيد إلى جنازة جماعية.
في غزة، لا عيد في الشوارع، بل في المقابر. لا ثياب جديدة، بل أكفان بيضاء. في هذا العام نصلي أنّ تعود الحياة إلى طبيعتها وإن كانت مكسورة ومجروحة، نصلي للتهدئة وعودة المحتجزين إلى أهاليهم، على أمل أنّ توقف الحرب ويحل السلام وهو الخيار الوحيد المتبقي لنا جميعًا.
وجع آخر في الداخل: عنف لا يتوقف
وفي مجتمعنا العربي في الداخل، لا تمرّ الأعياد من دون خضّات متكررة. 60 ضحية عربية منذ مطلع عام 2025، قضوا في أحداث عنف وجريمة، منهم ثلاث نساء، و59 مواطنًا وتاجرًا وسائقًا وشابًا... قُتلوا في بيوتهم، في سياراتهم، أمام أطفالهم، أو في شوارع الأحياء المهملة.
ما من عيدٍ مكتمل في ظل غياب الأمن. لا بهجة حقيقية حين يخشى الآباء على أولادهم، وتخاف الأمهات من الطريق، ويغيب القانون، ويعلو صوت الرصاص فوق صوت الحياة. العيد لا يُولد كاملاً إلا في ظلّ العدالة. لا يمكن أن نهنئ بصدق من دون أن نطالب بحياة آمنة تحفظ أبناءنا وتكفل لهم مستقبلًا يستحقونه.
تهنئة لا تنسى أحدًا
في موقع "بكرا"، نرفض أن تكون تهانينا شكلية أو منفصلة عن واقع الناس. نُعايد الأمهات اللواتي لم يكتمل حضور أسرهن، نُعايد الأطفال الذين ناموا في مراكز الإيواء بدلًا من بيوتهم، نُعايد المكلومين والمهمشين، أولئك الذين ينتظرون مساء العيد ليعدّوا الغائبين.
عيدنا هو دعوة. دعوة لأمانٍ شامل، لوقف الدم، لعدالة حقيقية، لكرامة محفوظة، لأمل في أن تكون الأعياد المقبلة مختلفة.
نُعيد مع كل من بقي إنسانًا في وجه الوحشية.
نُعيد مع كل من لا يزال يؤمن أن العيد حق، وأن الحياة تستحق.
كل عام وأنتم بخير، رغم كل شيء.