تحذير المجتمع الدولي من مخاطر فتح "الجبهة الرابعة"
مركز مساواة: التشبيك مع المجتمع الدولي لزيادة الضغط لمواجهة التمييز العنصري والجريمة المنظمة ووقف الحرب
مقال: مركز مساواة
خيبة الأمل من تحرك غالبية حكومات العالم تجاه حل القضية الفلسطينية يؤدي الى حالة إحباط من المنظومة الدولية التي تقاعست منذ النكبة وحتى يومنا هذا. ولكن الحراك الشعبي في غالبية دول العالم يبعث الأمل بوجود تحالفات مع الحراكات الشعبية التي قد تتحول في المستقبل الى قيادات منتخبة تتخذ القرارات في دول العالم.
في ظل تفاقم العنصرية الممنهجة ضد المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وازدياد العنف والجريمة التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين وسياسة مخططة لمؤسسات لتهميشنا وإبعادنا عن مراكز إتخاذ القرارات المصيرية لمستقبل المنطقة، وانعدام الحلول، باتت الحاجة إلى تواصل مكثف مع المجتمع الدولي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. تواصل قد يشكل أداة استراتيجية لنقل معاناة مجتمعنا، وتسليط الضوء على السياسات التمييزية التي تعزز الإقصاء والتهميش، إضافة إلى الكشف عن السياسات التي سمحت بانتشار السلاح والجريمة داخل البلدات العربية، مما جعل المواطنين يعيشون في حالة من الخوف الدائم، وكل هذا بالإضافة إلى نقل روايتنا كجزء من الشعب الفلسطيني للعالم، خصوصًا وأن أطراف عديدة تنظر إلى ما يحصل في الداخل كأنه شأن إسرائيلي داخلي، علمًا بأن الأمر ليس كذلك إطلاقًا، وكل ما يحصل في الداخل، أو معظم ما يحصل في الداخل، هو جزء من مشروع ممنهج لاستهداف الشعب الفلسطيني.
المنظومة الدولية المتقاعسة هي نتيجة الحرب العالمية الثانية
يجب ان نشير الى ان المنظومة الدولية التي تتقاعس اليوم تجاه الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الثالث هي نتاج فشل المنظومة الدولية التي سمحت بانتهاك حقوق الانسان في المانيا وأوروبا وأدت الى حرب عالمية دفعت ثمنها غالبية شعوب العالم. وقامت الدول المنتصرة في أعقاب هذا الفشل الدولي ببلورة منظومة جديدة هدفها منع الحرب العالمية القادمة. وقررت المنظومة الجديدة ان قضايا حقوق الانسان ليست قضايا داخلية وعلى دول العالم تحمل مسؤولياتها تجاه الانسان عند توقيعها على اتفاقيات تعاون اقتصادي او سياسي.
ولم تكتفي دول العالم المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية بنشر الإعلان العالمي لحقوق الانسان ولكنها باشرت بتطوير منظومة دولية لمنع انتهاك حقوق المدنيين خلال الحروب الدموية. وقامت ببلورة القانون الإنساني الدولي ومحكمة الجنايات الدولية كجزء من العبر المستفادة من التاريخ الأسود للحروب الإقليمية والعالمية.
وقامت المنظومة الدولية بتشجيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ببلورة وئاثق تلتزم فيها باحترام النساء والأطفال والحقوق الاقتصادية الاجتماعية والحقوق الثقافية وحقوق الأقليات. ونجحت حركة التضامن الدولية في دعم النضال ضد العنصرية والأبارتهايد في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر.
جلجولية: خطوة نحو تعزيز الحضور الدولي
في نهاية الأسبوع المنصرم، نظم مركز "مساواة"، بالتعاون مع المجلس المحلي في جلجولية، لقاءً حضره مندوبو السلك الدبلوماسي من عدة سفارات عالمية، بهدف تعريفهم بالبلدة العربية والواقع الصعب الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل. خلال اللقاء، تم استعراض التحديات التي يواجهها المجتمع من قبل رئيس المجلس درويش رابي، بدءً من التمييز المؤسسي في توزيع الميزانيات والتخطيط، وصولًا إلى إهمال الأمن الشخصي والتغاضي عن تفشي الجريمة. واختتم اللقاء بمأدبة إفطار رمضاني جماعي، جسّد روح التضامن بين الضيوف وأهالي البلدة.
وفي اللقاء الذي شارك فيه رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، تم الحديث عن ضرورة تنظيم لقاء رسمي بين قيادة لجنة المتابعة العليا وممثلي السلك الدبلوماسي، لعرض صورة واضحة عن حجم الممارسات العنصرية التي تواجه المجتمع الفلسطيني في الداخل، إضافة إلى تصاعد العنف والجريمة كنتيجة مباشرة لسياسات حكومية ممنهجة.
التواصل مع المجتمع الدولي بات خيار مهم يتكامل مع نضالات المجتمع العربي في ظل ما يحصل بالسنوات الأخيرة، لكشف سياسات التمييز العنصري: تعاني البلدات العربية من سياسات ممنهجة تؤدي إلى تهميشها اقتصاديًا واجتماعيًا، حيث يتم تقييد خطط البناء والتنمية، وحرمانها من الميزانيات الحيوية. إن التواصل مع المجتمع الدولي يُمكّن من نقل هذه الحقائق إلى المحافل الدولية، مما يشكل ضغطًا على الحكومة الإسرائيلية لتغيير نهجها. وليس هذا فحسب، بل أيضًا لفضح ظاهرة العنف والجريمة التي بات واضحًا أن السياسات الرسمية أوصلتنا إليها، فخلال السنوات الأخيرة، تفاقمت معدلات الجريمة والعنف في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، حيث تجاوز عدد الضحايا في بعض السنوات 200 قتيل. هذا الواقع ليس محض صدفة، بل هو نتيجة لسياسات متعمدة سمحت بتسرب الأسلحة، وتجاهلت المجرمين، وخلقت بيئة يسهل فيها ترسيخ الجريمة. إن رفع هذه القضية أمام المنظمات الحقوقية والدبلوماسيين الدوليين يمكن أن يخلق آليات ضغط دولية لملاحقة هذه الأزمة.
ولأننا جزء من الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجهله البعض ويحاول تجاهله البعض الآخر، فإن من شأن التواصل والتشبيك مع دول العالم تعزيز الدعم السياسي والدولي لحقوق الفلسطيني، فالتواصل المستمر مع المجتمع الدولي يساعد في كسب حلفاء لقضايانا، خصوصًا في الحراكات الشعبية في العالم والمنظمات الدولية، التي تستطيع التأثير على السياسات الإسرائيلية من خلال ضغوط دبلوماسية واقتصادية. بظل تعميق الأزمة المالية للحكومة الإسرائيلية التي تضطرها الى تجنيد القروض من دول ومستثمرين في كافة أنحاء العالم.
مشروع "مساواة" لتعزيز التواصل الدولي يتكامل مع الجهد المحلي
يعمل مركز "مساواة" منذ سنوات على بناء شبكة علاقات مع مؤسسات دولية وسفارات، بالتوازي مع الحراكات الشعبية والمجموعات البرلمانية بهدف تعزيز الوعي بالواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل. إلى جانب اللقاء الأخير في جلجولية، نظم المركز عدة لقاءات مع دبلوماسيين وبرلمانيين في عدد كبير من الدول، وعقد جلسات حوار مع الأمم المتحدة ومؤسسات حقوقية دولية. كما يسعى المركز إلى تعميم تقارير دورية حول الانتهاكات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، لتكون وثائق رسمية تستخدم في المحافل الدولية.
في هذا السياق، يواصل مركز "مساواة" جهوده لضمان عدم بقاء قضايا المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل طي النسيان، ولإيصال صوت من لا صوت لهم إلى العالم. وفي ظل إعلان نوايا قيادات أحزاب الحكومة حول "الجبهة الرابعة" والجهود التي تبذل لتوسيع هدم المنازل والتمييز والقمع علينا مواصلة الجهود المحلية والدولية لتغيير الواقع، وبالعمل المتواصل على جميع الأصعدة لتحقيق العدالة والمساواة الجوهرية.