آخر الأخبار

حين تختلّ الموازين: قراءة في أولويّات الدعوة والعمل الإسلامي

شارك

الشّيخ صفوت فريج
رئيس الحركة الإسلاميّة

في ساحة العمل الإسلاميّ، تتداخل المفاهيم وتتنوّع الأولويّات، ممّا يستوجب ضبط الموازين بين مختلف الجوانب الدعويّة والتنظيميّة والفقهيّة والمجتمعيّة، حيث أنّ الاختلال أيًّا كان في واحد من هذه الموازين، قد يؤدّي إلى اضطراب في الأداء وخلل في المسار، وقد ينعكس ذلك سلبًا على الأفراد والمجتمعات، بل وعلى الأمّة بأسرها. لذا، لا بدّ من التوقّف عند بعض المحاور الأساسيّة الّتي تشكِّل عصب العمل الإسلامي، والنظر في آليّات تحقيق التوازن بينها، لضمان انسجام الجهود، والتحقّق من انعكاسها الإيجابي على المشروع الإسلامي.

مصدر الصورة

أوّلًا: التنظيم الحركيّ والرسالة

يُعدُّ التنظيم في أيّ حركة إسلاميّة وسيلة لتحقيق الرسالة، وليس غاية في حدِّ ذاته. فإذا طغى الجانب التنظيمي على جوهر الرسالة، تحوّلت الحركة إلى مؤسّسة بيروقراطيّة تُعنى بالشكل أكثر من المضمون، وينحرف التركيز عن أهدافها العليا نحو تقوية هيكلها وخدمة مؤسّساتها وتعزيز رفعة ومكانة قياداتها. في المقابل، فإنّ إهمال التنظيم بدعوى التركيز على الرسالة، يؤدّي إلى العشوائيّة وغياب الفاعليّة والنجاعة، ممّا يُضعِف التأثير ويبدّد الجهود. من هنا، لا بدّ من تحقيق التوازن بين الانضباط التنظيمي والمرونة الفكريّة، بحيث يكون التنظيم خادمًا للرسالة، لا حائلًا دونها.

ثانيًا: دور الإفتاء المتعدّدة وخدمة الفقه والشرع الحنيف

يعتبر الفقه الإسلامي بوصلةً يضبط مسار العمل الإسلامي، ويوجّهه وفق ضوابط الشرع الحنيف. غير أنّ إشكاليّة فصل الفقه عن الواقع، أو تجاهله لصالح معطيات سياسيّة واجتماعيّة، تظلّ من أكبر التحدّيات الّتي تواجه الأمّة. الإفتاء، باعتباره إحدى أهمّ أدوات التوجيه الشرعي، لا بدَّ وأن يكون منضبطًا بالعلم، ومراعيًا لفقه الموازنات، بحيث لا ينفصل عن حاجات الناس، ولا يفرِّط في الثوابت. إنّ تقديم الفقه بمعزلٍ عن الواقع، يجعله جامدًا غير مؤثّر، وتقديم الواقع بمعزلٍ عن الفقه، يفتح أبواب الفوضى والانحراف. الحلّ يكمن في تحقيق التوازن بين فقه النّص وفقه الواقع، بحيث تكون دور الإفتاء خادمة للفقه والشرع الحنيف، لا وسيلةً لرفع شأن المؤسّسات وإعلاء اسمها، أو تعزيز مكانة من يقف على رأسها، مهما علا شأنه وقدره.

ثالثًا: لجان الزكاة وركن الزكاة

النظر إلى الزكاة باعتبارها عملًا خيريًّا وحسب, هي نظرة منقوصة، فالزكاة ركن أساسي من أركان الإسلام، لا يقوم الدين دونها، وهي ذات أبعاد اجتماعيّة واقتصاديّة عميقة، تجعلها أداة أساسيّة من أدوات تحقيق التكافل المجتمعي. وتتحمّل لجان الزكاة مسؤوليّة كبرى في توجيه الناس وتعزيز ارتباطهم بهذا الركن العظيم، الّذي حاول المرتدّون بعد وفاة النبي صلوات الله عليه إنكاره والتنكّر له، حتّى قال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه: "والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه". إنّ أموال الزكاة، جمعها وتوزيعها، يجب أن تكون وفق الضوابط الشرعيّة، بعيدًا عن توجّهات لجان الزكاة وأجنداتها واعتباراتها التنظيميّة، فالزكاة لمستحقّيها، ولا مجال للاجتهادات في ذلك.
وتنشأ الإشكاليّات أحيانًا حين تتحوّل هذه اللجان إلى كيانات إداريّة معزولة عن واقع الفقراء والمحتاجين، فتفقد ارتباطها بمقاصدها الشرعيّة، أو حين تُسيَّس على حساب غاياتها الأسمى، فتنحرف عن دورها كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة والتكافل. لذا فإنّ التوازن بين العمل المؤسّساتي والبُعد الشرعي، هو ما يضمن بقاء الزكاة في موضعها الصحيح، بعيدًا عن المصالح والاعتبارات التنظيميّة، لتبقى أداة فاعلة قادرة على إحداث التكافل وتعزيز روح العدالة الاجتماعيّة.

رابعًا: الأحزاب ومصلحة المجتمع والأمّة

العمل الحزبيّ في السياق الوطني والإسلامي هو وسيلة لتحقيق الإصلاح وخدمة المجتمع. يقع الخلل حين يتحوّل الحزب إلى غاية بحدِّ ذاته، فتصبح المصلحة الحزبيّة مقدَّمة على مصلحة الأمّة، حينها يصبح الحزب كيانًا لترسيخ وجوده أكثر من سعيه لتحقيق أهدافه. إنّ التحدي الحقيقي أمام الحركات والأحزاب الإسلاميّة هو في تحقيق التوازن بين الانتماء الحزبي والانتماء للمجتمع وللأمّة، بحيث لا تصبح المصلحة الحزبية حاجزًا أمام تقديم المصلحة العامّة. التنافس الحزبي ينبغي أن يكون تنافسًا على خدمة الناس وتحقيق الخير العام، لا مجرّد سباق لتحقيق مكاسب حزبيّة أو شخصيّة.

ختامًا: حين تختلّ الموازين

تشكّل هذه الجوانب جزءًا يسيرًا من أركانٍ أساسيّة وعديدة في العمل الإسلامي، وأيّ اختلال في التوازن بينها يُفضي إلى ضعف التأثير وهدر الجهود. إنّ التحدّي الأكبر الّذي يواجه أيّ حركة إسلاميّة تسعى للنهضة والتغيير والإصلاح، يكمن في تحقيق التوازن بين مختلف المركّبات:
- بين التنظيم والرسالة، حتّى يبقى التنظيم خادمًا للرؤية، لا مقيّدًا لها.
- بين الفقه ودُور الإفتاء، بحيث يكون الإفتاء منضبطًا بالعلم، ومواكبًا للواقع دون تفريط بالثوابت.
- بين العمل الخيريّ والمؤسّساتي، لضمان أن يبقى العطاء وسيلةً لتحقيق التكافل، لا أداةً للاستعراض والتنظيم.
- بين السياسة والمصلحة العامّة، حتّى يكون العمل السياسي خادمًا للأمّة، لا محصورًا في المصالح الحزبيّة والشخصيّة.
إنّ إدراك هذه الموازين والعمل على ضبطها، هو السبيل لضمان بقاء العمل الإسلامي فاعلًا ومؤثّرًا، قادرًا على خدمة المجتمع والأمّة، وتحقيق التغيير المنشود.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا