بقلم: الشّيخ كامل ريان/ مؤسّس ورئيس مركز أمان- المركز العربي لمجتمع آمن
لطالما استخدمت القوى الاستعمارية الغربيّة شعارات مثل "حماية الأقلّيّات"، "حقوق الإنسان"، و"حرّيّة الفرد" كذريعة للتّدخّل في شؤون الدول العربية والإسلامية على امتداد أكثر من قرن من الزّمان، متذرّعة بغايات إنسانية زائفة كذّابة، غير أنّ الواقع يثبت أنّ هذه التّدخّلات لم تكن تهدف سوى لتحقيق أهداف استعماريّة خبيثة تهدف للسّيطرة على مقدّرات الشّعوب وتفتيت دول المنطقة.
العنصريّة ضد الفلسطينيّين في إسرائيل: واقع مظلم
داخل إسرائيل، يعاني العرب الفلسطينيّون، الّذين يشكّلون أقلّيّة كبيرة، من نظام تمييزيّ وعنصريّ منهجيّ. فالقوانين الإسرائيليّة والسياسات الحكوميّة تضعهم في مرتبة أدنى مقارنة بالمواطنين اليهود، وتكرّس تهميشهم في كلّ مجالات الحياة، وبالرغم من نداءاتنا واستغاثاتنا المتكرّرة لحمايتنا وحماية حقوقنا الوطنيّة والمدنية، إلا أنّ أدعياء حماية الحقوق وحماية الأقلّيّات أصمّوا آذانهم ورفعوا أقلامهم {جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَارًا}، واستمرّ العرب في إسرائيل يعانون على امتداد أكثر من سبعين عامًا، من:
1. القوانين العنصريّة:
في إسرائيل عشرات القوانين الّتي تميّز ضد الفلسطينيّين، من أبرزها "قانون القوميّة اليهوديّة"، الّذي ينصّ على أنّ إسرائيل هي "الدّولة القوميّة للشّعب اليهوديّ"، متجاهلًا المواطنين العرب الفلسطينيّين، ومؤكّدًا على تهميشهم في وطنهم التّاريخيّ. كما أنّ سياسات توزيع الأراضي والتّخطيط العمرانيّ تصبّ في صالح اليهود، مما يترك المواطنين العرب الفلسطينيّين يعانون من نقصٍ في الأراضي والمساكن، وتأتي قوانين تنظيم البناء وعلى رأسها "قانون كامنتس" لتجلب عليهم الدّمار وهدم البيوت والملاحقات الدائمة والغرامات الباهظة والتهديدات المستمرة. وهنا أيضًا يختفي أدعياء حقوق الإنسان وأدعياء الحرية.
2. التّعليم والعمل:
يعاني المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل من تمييز صارخ في مجال التعليم، حيث تُخصّص ميزانيات أقلّ للمدارس العربيّة مقارنة بالمدارس اليهوديّة. أمّا في سوق العمل، فالتّفرقة العنصريّة تحدّ من فرص المواطنين العرب في الحصول على وظائف مرموقة، بينما يتمّ تفضيل المواطنين اليهود بشكل واضح، وهنا أيضّا أصمّوا آذانهم واستغشوا ثيابهم.
3. تفشّي الجريمة وإهمال الشّرطة:
تشهد البلدات العربية داخل إسرائيل موجة غير مسبوقة من الجريمة والعنف، حيث ترتفع معدّلات القتل والجريمة المنظّمة بشكل مأساويّ. ورغم المناشدات المستمرّة من المجتمع العربي، تتجاهل السلطات الإسرائيلية اتخاذ خطوات جادّة للحدّ من هذه الظّاهرة الّتي أودت في العام الماضي بـ 239 ضحيّة، والعام الذي سبقه بـ 247 ضحيّة إلى درجة أنْ يُقتل مواطن عربي في إسرائيل كل 28 ساعة. ولا حياة لمن تنادي.
سوريا وحجّة الأقلّيّات: الاستعمار بثوب جديد
ولكنّ هذا الأمر يختلف كثيرًا في سوريا، حيث استغلّت القوى الغربيّة الصّراع الدّاخليّ لتحقيق أهداف استعماريّة جديدة تحت غطاء "حماية الأقلّيّات"، لتنشر أكذوبة "حماية الأقلّيّات" بهدف الاستيلاء على مقدّرات الشّعب السّوريّ ومواصلة الهيمنة عليه وإشغاله بنفسه، من خلال:
1. تفتيت النّسيج الاجتماعيّ:
منذ بداية الأزمة السّوريّة، لعبت الدّول الغربيّة دورًا رئيسيًّا في تأجيج الصّراعات العرقيّة والطّائفيّة، ممّا عمّق الانقسامات بين مكوّنات المجتمع السّوريّ، حيث عملت هذه القوى على خلق شعور بالخوف بين الأقلّيّات، ما دفع بعضها للبحث عن حماية خارجيّة، الأمر الّذي استغلّته القوى الغربيّة لتبرير تدخّلها في سوريا.
2. سرقة الموارد تحت غطاء إنسانيّ:
بينما كانت القوى الغربيّة تزعم أنّها جاءت لحماية الأقلّيّات، كانت في الحقيقة تضع يدها على الموارد السّوريّة، بما في ذلك النّفط والغاز. مناطق مثل شمال شرق سوريا، الّتي تعدّ من أغنى المناطق بالموارد الطبيعيّة، أصبحت مسرحًا لعمليّات نهب منظّم تحت إشراف مباشر من القوّات الأجنبيّة.
3. تبرير الاحتلال العسكريّ:
التّدخّلات العسكريّة الغربيّة في سوريا، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، استندت إلى ادّعاءات بحماية الأكراد أو الأقلّيّات المسيحيّة او العلويّين. لكنّ الحقيقة أنّ هذه التّدخّلات لم تكن إلّا وسيلة لتثبيت وجود عسكريّ طويل الأمد يضمن تحقيق المصالح الاستراتيجيّة الغربيّة في المنطقة.
التّحذير من فخّ الأقلّيّات
على الأقلّيّات والطّوائف في الشّرق الأوسط، خاصة في سوريا، أن تكون واعية لخطورة المخطّطات الغربيّة. لأنّ اللّعب بورقة الأقلّيّات ليس إلّا أداة لتفتيت الدّول وإضعافها، ولا يمكن لأيّ طائفة أو عرق أن يحقّق الأمن والاستقرار إلّا من خلال وحدة الوطن وتكاتف جميع مكوّناته ضدّ التّدخّلات الأجنبيّة.
إنّ استغلال الأقلّيّات كذريعة للتّدخّل ليس إلّا وجهًا جديدًا للاستعمار، يهدف إلى تقسيم المجتمعات وإضعافها. لذلك، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق القيادات السّياسيّة والاجتماعيّة في هذه المجتمعات للعمل على تعزيز التّفاهم والوحدة الوطنيّة، ورفض أن تكون الأقلّيّات أداة لتحقيق الأجندات الاستعماريّة.
ويجب علينا جميعًا أن ندرك أن "حماية الأقليات" ليست إلّا شعارًا زائفًا تستخدمه القوى الغربيّة لتحقيق مصالحها. وإذا لم نواجه هذه المخطّطات بوعي ووضوح، فإنّنا نعطي للمستعمر فرصة أخرى ليستمر في السيطرة على شعوبنا ونهب ثرواتنا، فالوحدة هي السبيل الوحيد لردع هذه المخطّطات وحماية مستقبل أجيالنا، والوعي والنّضوج هما صمّام الأمان لنجاح الشّعب السّوري خاصّة، وباقي شعوبنا العربية عامّة.
فالحذر الحذر ثم الحذر من الوقوع في هذا الفخّ ثانية، بعد أن وقع به أجدادنا مع بداية القرن الماضي وفتحوا الأبواب بمصراعيها لسموم الاستعمار أن تستحوذ على مفاصل العالم العربي من خلال إشاعات ودعايات وهمية وكأنّ "الأقلّيّات" في خطر، لتأتي الجيوش الاستعمارية إلى حاراتها ولتصبح فيما بعد الأقلّيّة والأكثريّة في خطر دائم، ومن ثمّ تضطر للاستجداء من هذا المستعمر الغذاء والدّواء والأمن والأمان.