آخر الأخبار

الحرب على غزة والتوقيع على الصفقة، المسببات والنتائج ورؤية مستقبلية

شارك الخبر

لقد بات من المؤكد ان نتنياهو سيوقع في مطلع هذا الأسبوع وقبل يوم من تسلم ترامب الحكم في واشنطن، على صفقة مع حركة حماس، وقد وضعت هذه الصفقة على طاولة بايدن، والوسطاء منذ العشرين من مايو/ أيار 2024 أي قبل ثمانية أشهر حيث استمر في الرفض والمماطلة إلى أن اضطر للموافقة عليها، والتوقيع مع حركة حماس للطرف الآخر، الذي قال عنها انه مستمر في حربه ضدها حتى النصر الكامل والمطلق، حيث استمر في ترديد تلك التصريحات مرتين في الأسبوع منذ بداية العام الماضي.

ولم يتوقع أحدٌ، بعد خمسة عشر شهرًا من القتل والدمار والابادة، أن يقوم بتوقيع مثل هذه الاتفاقية مع الجانب الفلسطيني، وفي يوليو/ تموز الماضي، رفض التوقيع على هذه الاتفاقية بعد أن قام بالسيطرة على محور "فالدلفي" ومعبر رفح، وقام ببناء المواقع والتحصينات على مدى الاشهر الستة الأخيرة، وقبلها قام بالسيطرة على معبر "نتسارين"، وعبّد الشوارع وبنى التحصينات في وادي غزة، كي يُمركز الجيش قواته ووحداته هناك، وقام بمنع من سكان غزة الذين فروا من الجنوب ومنطقة رفح، للرجوع الى بيوتهم في شمال غزة.

وبعد ان تمركز في هذه المناطق، بدأ يستمع إلى الخبراء العسكريين في الجيش الإسرائيلي، وينفّذ خطة الجنرالات بقيادة غيروا ايلان، وهي نفس الخطة التي دعت إلى حصار شمال غزة والقيام بعملية طرد جماعي للسكان، وتدمير كلّ البنى التحتية هناك، وقطع الموارد الغذائية والطاقة والمياه عن تلك المنطقة.

لكن كلّ تلك العمليات لم تذهب وتتماشى بالشكل الصحيح، بحيث ارتدت على نتنياهو وسياسته وجيشه، وقد أجمع كافة الخبراء العسكريين، ومنهم الكثير من الإسرائيليين، على أن الفلسطينيين، بدأوا يعيدون حساباتهم وقواتهم من جديد، بحيث ركزوا في مقاومة الجيش الإسرائيلي، شمالي غزة وأسقطوا خطة الجنرالات وأفشلوها فشلا ذريعًا، حتى أنهم لم يستطيعوا بناء منطقة عازلة على الحدود الجنوبية مع غزة.

كما بدأ الجيش يعيد حساباته أيضًا، في معبر "نتسارين" ويتحصّن بأسلوب دفاعي وليس هجوميًا، كذلك الامر في محور" فالدلفي"، الامر الذي أعطى اليد الحرة للمقاومة الفلسطينية في ان تُنزل الخسائر الصعبة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وكل ذلك بحسب اعتراف القادة والخبراء العسكريين الإسرائيليين.

وقد كانت الخسائر الإسرائيلية للجنود والعتاد غير متوقعة، ففي فترة أقل من أسبوعين، قُتل سبعة وستون جنديًا إسرائيليًا في معارك شمالي غزة، بيت لاهيا، جباليا وبيت حانون وجُرح أكثر 1250 جنديًا جراح غالبيتهم خطيرة، حيث أصبح من الصعب تمركز الجيش الإسرائيلي عسكريًا في تلك المناطق، وأصبح تعبير "سُمح بالنشر" لمراسلي الشؤون العسكرية في الاعلام الإسرائيلي، من أصعب التصريحات التي تسمع في الراديو والاعلام الإسرائيلي.

فقد ازداد عدد الضحايا في صفوف الجيش يوميًا، وتشابك الجبهات خاصة في الشمال والجنوب، والضربات من اليمن، أدى إلى غضب الرأي العام الإسرائيلي على هذه الحكومة، فطالبها بان تتوقف عن الحرب، وتوقع اتفاقية تبادل أسرى يشمل ارجاع الرهائن الإسرائيليين، الذين بدأ حماس في اظهارهم من على شاشات التلفزيون، حتى أن نساء الاسرى ظهرن وطالبن نتنياهو بان يوقع اتفاقية تبادل أسرى مع حركة حماس.

هذا وكانت المعارك طاحنة في الشمال والجنوب، بعد أن بدأت حماس بتنظيم قواتها مجددًا، ويشخص بشكل دقيق تواجد القوات الإسرائيلية داخل المناطق السكنية في قطاع غزة، بحيث أن غالبية الخسائر كانت تتم بواسطة هدم البيوت وتدميرها بصواريخ القسام، لأن الجنود الإسرائيليين كانوا يتواجدون في بيوت المواطنين الغزيين، كونهم لا يملكون أي مأوى في تلك المناطق السكنية المدمرة، الامر الذي سهّل اصطيادهم.

وقد حذّر قبل عام الجنرال باتريوس إسرائيل، عندما زار قطاع غزة وهو القائد العسكري للقوات الامريكية التي قامت باحتلال العراق، لكنها فشلت في الفالوجة والموصل، حيث حذر القادة الإسرائيليين بانه من الصعب على إسرائيل أن تنتصر في معركة غزة، كون هذه المنطقة صغيرة ومن الصعب على الجيش التحرك فيها بحرية.

في نهاية الامر بدا واضحًا أن التواجد الإسرائيلي في غزة كان يشبه بشكل كبير الغزو الأمريكي على أفغانستان والعراق، ذلك العدوان الذي فشل فشلًا عسكريًا ذريعًا، لكن بمدة قصيرة لم تستمر عدة سنوات كما كان الوضع في الغزو الأمريكي، وقد نبّه العسكريون الإسرائيليون الذين طالتهم الضربات العسكرية من حماس، الجهاز السياسي بألا يُقبلوا على مثل ذلك الهجوم، لكن نتنياهو وبن غفير وسمو ترتش، اصروا على الاستمرار بالهجوم الدموي ضد سكان قطاع غزة المدنيين، الذين سجّلوا صمودًا اسطوريًا، ولم يقوموا بالهجرة وترك القطاع كما ارادت إسرائيل.

وهناك الكثير من التحليلات المتعلّقة بقرار نتنياهو وقف الحرب، في مقدمتها الخسائر العسكرية الضخمة، وعدم تحقيق المكاسب العسكرية على الأرض وضغط الشعبي للراي العام الإسرائيلي، والعزلة الدولية وانهيار الاقتصاد، إضافة إلى صعود دونالد ترامب الذي طالبه وبشكل واضح، بأن يوقف الحرب ويوقّع على اتفاقية تبادل مع الطرف الفلسطيني. وهذا ما كان.

حيث تزامن القرار مع صعود ترامب إلى البيت الأبيض، في نفس اليوم الذي توقع فيه صفقة التبادل، وقد بات من المؤكد أن نتنياهو سوف لا يستطيع أن يرفض لترامب أي طلب، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار حكومته وانسحاب المتطرفين منها.

أما المسالة المحيّرة التي تبقى أمام ناظرنا، هي كيف تحوّل نتنياهو الذي طالب بالنصر النهائي ووقّع اتفاقية مع حماس، التي حاربها على مدار خمسة عشر شهرًا، حيث أن نظرية الامن الإسرائيلي، منذ حكم رئيس الوزراء الأول بن غوريون، تؤمن بنظرية الحرب السريعة والحاسمة، وهذا ما كان في حرب سيناء عام 1956 والحرب ضد مصر، سوريا والأردن في عام يونيو/ حزيران 1967 ، التي استمرت ستة أيام وحرب أكتوبر/ تشرين الاول عام 1973 ،ضد مصر وسوريا، التي استمرت مدة عشرين يوميًا، وحروب كثيرة أخرى ضد الفلسطينيين، لكنها لم تشنّ حربًا طويلة كهذه لم تحقق أهدافها، الامر الذي يضع إسرائيل إقليميًا في وضع مختلف عما كانت عليه قبل سبعة أكتوبر.

فعندما وقعت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، اتفاقيات إبراهيم عام 2020، مع الامارات والبحرين، كان من المقرر أن تلحق بهذه الدول المملكة العربية السعودية، وتكون إسرائيل رأس الحربة ضد النظام الإيراني، أي أن إسرائيل ستكون الدولة الإقليمية الكبرى، التي تقود الدول العربية كافة، لكن كل ذلك طحن نتيجة هذه الحرب، والسؤال المركزي، كيف ستحاول إسرائيل أن تخرج من هذه الورطة، وهل ستوافق السعودية توقيع اتفاقية معها، بعد هذه الحرب المدمّرة التي خاضتها ضد غزة.

يقول اهارون يادين رئيس المخابرات العسكرية السابق، إنه من المهم على إسرائيل ان توقع هذه الصفقة من أجل إرجاع الرهائن، وعليها في نفس الوقت أن تستمر في تحجيم قوة حماس، وألا تسمح بإعادة اعمار غزة، واعادة بناء البيوت هناك، وتزويدها بالدعم الغذائي، في حال أن حماس بدأت في التعاظم هناك، تمامًا كما تفعل إسرائيل في لبنان، بحيث تمنع تعاظم وتزايد حزب الله، وإذا أخذنا في الحسبان رأي هذا الخبير العسكري، فان إسرائيل غير معنية بالتوجّه للحلول السلمية مع الفلسطينيين، وغير معنية بإقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، كحل سلمي شامل، أي أن النزاع سوف يستمر على المديين القريب والبعيد، لأن إسرائيل غير معنية بأية حلول حقيقية مع الفلسطينيين، بل معنية بنفس الحلول، وهي إدارة الصراع مع الفلسطينيين ولا يهمها كثيرا دفع الثمن، ودعنا نرى ما يُنتظر قريبًا، وهل أن حلولًا ومعادلاتٍ إقليمية ودولية يمكن أن تغيّر من الأوضاع.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا