أصدرت المحكمة العليا اليوم الخميس 2.5.2025 قرارها في الالتماس الذي تقدّمت به لجنة المتابعة العليا ومركز "عدالة" وبعدة التماسات أخرى، ضد تعديل قانون الشرطة، المعروف بـ"قانون بن غفير"، والذي يخضع الشرطة للحكومة ووزير الأمن القومي.
في قرارها وضحت المحكمة، بالإجماع، أنّ بند 8(ب) للقانون والذي ينص على أنّ الشرطة تخضع للحكومة لا يُغير من واجب الشرطة ممارسة عملها بشكل مستقل وبناء على مقاييس واعتبارات مهنية. كما أنّ بند 9 للقانون والذي يقضي بأن على المفوض العام للشرطة العمل وفقًا للسياسة والمبادئ التي يضعها الوزير، ليس من شأنه أنّ يمس باستقلالية عمل المفوض العام للشرطة. أوضحت المحكمة في هذا السياق أنّ الوزير مخول فقط بوضع سياسات عامة ومبدئية وليس مخولًا بالتدخل في عمل الشرطة بشكل فعلي. أما بالنسبة للبند 8(د) الذي يسمح للوزير بتحديد سياسات تتعلق بالتحقيقات الجنائية التي تقوم بها الشرطة، قامت المحكمة، بأغلبية 5 قضاة مقابل 4، بإلغاء البند لكونه يمس بحقوق الفرد في الإجراء الجنائي بصورة غير دستورية.
كان مركز عدالة ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية قد قدما يوم 17.4.2023 التماسًا ضد التعديل على قانون الشرطة الذي يوسع صلاحيات وزير الأمن القومي ويسمح له بالتدخل بعمل الشرطة وسياستها وأسس عملها، خاصة في كل ما يتعلق بالتحقيقات و"تحديد الأولويات".
جاء في الالتماس، الذي قدّمه كل من المحامي عدي منصور والمحامية ناريمان شحادة زعبي، أنّ للشرطة تاريخ حافل بالسياسات العنصرية ضد الفلسطينيين. كتجسيد لسياستها العدائيّة – البنيويّة، تقوم الشرطة بقمع الفلسطينيين والاعتداء عليهم، وفي حالات عدّة، تقتلهم دون آلية محاسبة لأفراد الشرطة المجرمين. وبالمقابل، تتخاذل الشرطة في مواجهة الجريمة المنظّمة، وتسمح بتفشّيها داخل البلدات العربيّة؛ وأنَ هذا التعديل يعمل على قوننة هذه العنصرية، فما كان سابقًا ممارسة سياسيّة عدائيّة للشرطة وأفرادها، سوف يصبح بعد التعديل قانونيًّا، ليتيح المجال لتسييس إضافيّ للشرطة وتوظيفها لتنفيذ سياسات الحكومة الإسرائيليّة. وأوضح الالتماس أن مجرد إخضاع الشرطة لجهة سياسيّة تتصرف بموجب اعتبارات لا تتماشى بالضرورة مع الاعتبارات المهنيّة، يسمح بانتهاك الحقوق الدستورية، ومنها الحق في الحريّة، الحق في الحياة وحرية التظاهر والتعبير عن الرأي، مما يحتّم إلغاء التعديل على الفور.
وأكد عدالة ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية على أن المطالب الواردة في الالتماس لا تعني أن الشرطة لم تعمل في السابق بطريقة عنصرية، ولم تميز في سياساتها ضد المواطنين الفلسطينيين قبل إقرار التعديل، لكن مع ذلك، يوضح الالتماس جملة من السياسات التي بادر إليها منذ تعيينه الوزير بن غفير، المعروف بتطرّفه وعدائيّته للفلسطينيين، والتي تحمل عواقب بعيدة وقريبة المدى وتشكل خطرًا متزايدًا على المواطنين الفلسطينيين. ومن بين هذه السياسات منع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام، الاعتقالات على خلفية حرية التعبير، تسريع عمليات هدم المنازل في النقب والقدس المحتلة.
وعقب مركز عدالة في رده على القرار إنه: "منذ البداية كان واضحًا أن هذا القانون يهدف الى تعميق تسييس عمل الشرطة والسماح لبن غفير بالسيطرة بشكل كامل على جهاز الشرطة واستغلالها لتطبيق سياساته العنصرية والقمعية اتجاه المواطنين العرب، الأمر الذي رأيناه جليًا منذ اندلاع حرب الابادة في غزة حيث عملت الشرطة، بشكل أكبر وأوضح، على قمع المواطنين الفلسطينيين ومنع أي احتجاج ضد الحرب ومنع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام وسياسات هدم وتهجير مكثفة، كما استمرت بالتقاعس في عملها للحد من تفشي الجريمة المنظمة وازدياد حالات القتل في المجتمع الفلسطيني ووصولها لأعداد غير مسبوقة. على الرغم من هذا كله، شرعنت المحكمة العليا غالبية بنود القانون ولم تمنع بن غفير سوى من التدخل بسياسة التحقيقات الجنائية. حتى هذا الأمر، الذي من المفروض أن يكون بديهيًا، تم اقراره بأغلبية ضئيلة. هذا القانون، بالإضافة لقوانين وسياسات عديدة تم إقرارها في هذه الحكومة، ترسخ، أكثر وأكثر، الفوقية اليهودية والقيم العنصرية ووجود نظامَيْن قضائيين مختلفين على أساس إثني وقومي، وهو من مقومات سياسة الفصل العنصري.."
وعقب محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، على القرار قائلًا: "الشرطة الإسرائيلية كانت ولا زالت تشكل أداة لقمع المواطنين العرب إن كان عن طريق تواطئها في الجريمة المنظمة، قتل المواطنين العرب دون أية محاسبة، وقمع كل احتجاج ضد حرب الإبادة على غزة. قرار المحكمة لا يبطل من سيطرة بن غفير على الشرطة وقد حولها لميليشيات سياسية تأتمر بسياسته العنصرية ويعطيها تعليمات مباشرة، فالكثير من تغريدات الوزير تحولت الى اعتقالات تعسفية لا أسس قانونية لها. تسييس الشرطة بالإضافة لتوزيع السلاح بشكل واسع على المجتمع الإسرائيلي يشكلان خطرًا وجوديًّا وجوهريًّا يحدق بالجماهير العربية."