بعد سنتين من المماطلة: المستشارة القضائية للحكومة تخطر "عدالة" برفض استئنافه والمصادقة على قرار إغلاق ملفّ التحقيق ضد قاتلي شهيد اللّد في هبّة الكرامة موسى حسّونة
وجاء القرار عقب تأجيلات متتالية امتدت لأكثر من عامين على تقديم الاستئناف، وبعد رفع شكوى للمستشارة القضائية للحكومة، وتقديم بالتماسٍ للمحكمة العليا الإسرائيلية نيابة عن عائلة الشهيد، ولم يتطرّق القرار إلى الإخفاقات الكثيرة بالتحقيق التي أشار إليها الاستئناف، ولا إلى شبهات عرقلة التحقيق عبر الضغوط التي مارسها الوزير أمير أوحانا آنذاك الموثّقة بالفيديو ضمن الأدلة. "عدالة": يستند القرار إلى رواية المشتبه بهم في غالبه، ونرى به تحيّزًا واضحًا في ظلّ تجاهل النيابة لجميع الإخفاقات الحاصلة التي تطرّقنا إليها في الاستئناف"
أبلغت النيابة العامة، ليلة أمس الاثنين، الموافق الثّاني والعشرين من تمّوز/يوليو 2024، عائلة الشّهيد موسى حسّونة أن المستشارة القانونية للحكومة قرّرت رفض الاستئناف الذي تقدّموا به عبر مركز "عدالة" بتاريخ 28.04.2022، وإغلاق ملفّ التحقيق ضدّ خمسة مشتبهين بإطلاق نار أردى الشهيد قتيلًا وجرح اثنين آخرين، وذلك عقب خروج الأهالي لمظاهرة بتاريخ العاشر من أيّار/مايو 2021، في مدينة اللّد كجزء من أحداث هبّة الكرامة لإسناد الأقصى وحيّ الشيخ جرّاح عام 2021.
في حين استعرض الاستئناف على قرار النيابة بإغلاق الملف سلسلة من الإخفاقات بمجريات التحقيق بجريمة قتل حسّونة، كما أظهر كون التحقيق كان مقتضبًا، سطحيًا ومتحيّزًا، وسعى لتبرئة القتلة، وتشوبه شبهات بأن اعتبارات دخيلة صبّت في صلب اتّخاذ قرار إغلاق الملفات، كالتدخل الشخصي لوزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، المسند بدليل دامغ في أشرطة التحقيق؛ فقد جاء في ردّ النيابة العامة أنه بعد فحص المستشارة القضائية للحكومة للحيثيات، رأت أنه لا مجال للتدخل في قرار النيابة العامة الذي قبله المدعي العام للدولة. ولم يتم التعامل في القرار مع المعلومات التي تضمنها الاستئناف بخصوص الاعتبارات الدخيلة والضغوط السياسية التي مورست على المحققين آنذاك.
إغلاق الملفّ وتقديم الاستئناف
رغم توجّهاتها العديدة للحصول على معلومات حول سير التحقيق، فإن أول ردّ تلقته الأسرة بالخصوص كان في 21.10.2021 وتمّ إبلاغها بإنهاء التحقيق وإغلاق الملف. وأبلغت المحامية التي تتولى القضية العائلة إن القضايا المرفوعة ضد المشتبه بهم الخمسة جميعاً قد أُغلقت، أربعة منهم بسبب "غياب التهم"، بينما أغلقت القضية الخامسة بسبب "نقص الأدلة". كما أبلغتهم أيضًا بأن النيابة قد قبلت ادعاء المتهمين الخمسة بالدفاع عن النفس، وأن الشرطة لم تتمكن من خلال فحوصات الطب الشرعي التي أجرتها من تحديد السلاح الذي تم به إطلاق النار على حسونة والمواطنين الآخرين الذين أصيبوا في الحدث.
وبعد إغلاق القضية، انتظرت العائلة ثلاثة أشهر ونصف حتى وافقت النيابة العامة في آذار/مارس 2022 على طلب الأسرة بإحالة مواد التحقيق للاطلاع عليها. ومن بين هذه المواد تم اكتشاف تسجيل لمحادثة جرت بين محققي الشرطة، تم تسجيلها بكاميرا الفيديو التي سبق أن سجلت استجواب أحد المشتبه بهم. وتبين من هذا الحديث المسجّل أن رئيس مختبر الأسلحة التابع للشرطة أثار صعوبات في إجراء التحقيق، وأن وزير الأمن الداخلي في حينه، أمير أوحانا، مارس ضغوطا غير مبررة على المحققين من أجل إغلاق التحقيق معهم. تجدر الإشارة إلى أن الوزير أوحانا تحدث علنًا عن اعتقال مطلقي النار وقال إنه لو كان الأمر متروكًا بيديه لأطلق سراحهم.
وفي الاستئناف الذي قدمته المحامية ناريمان شحادة-زعبي من مركز "عدالة"، أوضحت أن هنالك تحقيق تم إجراؤه بشكل سطحي، مقتضب ومتحيز ويسعى في جوهره إلى إغلاق الملفات، بشكل يتناسب مع الأدلة الدامغة من الضغط السياسي الذي مورس من أجل تحقيق ذلك. ومن الحقائق التي تخدم هذه الغاية، واستعرضها الاستئناف، هي أنه تم التحقيق مع جميع المشتبه فيهم مرة واحدة فقط، وفي ظروفٍ سمحت لهم بتنسيق الروايات فيما بينهم، ولم يدلِ أي من الشاهدين العيان الفلسطينيين الذين تواجدوا في مكان الجريمة بشهاداتهم. وعطفًا على ذلك تم اعتماد ادعاء الدفاع عن النفس من خلال استناد النيابة إلى رواية المشتبه بهم حصرًا دون غيرهم. كما وأشار الاستئناف إلى أن الأدلة الموجودة في ملف التحقيق تقوّض ادعاء الدفاع عن النفس، خاصة في ظل وجود مراسلات "واتساب" بين المشتبه بهم في ذات الليلة، ويظهر من الأدلة التي ضبطتها الشرطة، أن المشتبه بهم نظموا أنفسهم ونسقوا فيما بينهم للوصول مسلحين إلى حدث اعتقدوا مسبقًا أنه سيؤدي إلى مواجهة عنيفة.
وتمّ إغلاق الملف بالرغم من عرض سلسلة الإخفاقات الخطيرة التي قدمها مركز "عدالة" في الاستئناف وبرهنة أن هناك أدلة كافية لتحميل المشتبه بهم الخمسة مسؤولية ارتكاب جريمة القتل، وأن الأدلة والبراهين الموجودة بحوزة العائلة تستوفي بالحدّ الأدنى المعايير لإعادة فتح التحقيق ومحاكمة القتلة وحتى احتمالية إدانتهم. وبالتزامن مع تقديم مركز "عدالة" استئنافًا باسم أهل الشهيد بالثامن والعشرين من نيسان/أبريل 2021، توجّهوا أيضًا بطلب للمستشارة القضائية للحكومة للتحقيق في سياسة تعامل كلّ الأطراف المتورّطة في إجراءات التحقيق بملف قتل الشهيد حسّونة وجرح إثنين آخرين. ذلك بعد أن طلب الملتسمين مواد التحقيق بعد إغلاقه، والاطّلاع عليها ومعاينتها ظهر فيديو أثار الشكوك والريبة الشديدين حول نزاهة التحقيق وأنه كان متأثرًا باعتبارات سياسية خارجية ودخيلة على المشهد، إذ رزح المحققون تحت ضغوط سياسية التي قادت سير ونتائج التحقيق. حتى اليوم، لم يتلقّ مركز "عدالة" ردًا بشأن هذا الطلب.
قرار المستشارة القانونية للحكومة برفض الاستئناف
وبما أن قرار إغلاق الملفات اتخذ بناء على رأي المدعي العام للدولة، فقد تم تحويل طلب الاستئناف إلى أيدي المستشارة القضائية للحكومة. وفي قرارها؛ قالت المستشارة القضائية للحكومة أنها اطلعت على الأدلة ورأي النيابة العامة الذي أدى إلى إغلاق التحقيق، وتبين لها أنه "لا مجال للتدخل في قرار أصحاب المهنة والاختصاص من النيابة العامة وعلى رأسهم المدعي العام للدولة، لأن الأدلة في القضية تظهر أنه لا توجد احتمالية معقولة لإدانة أي من المشتبه بهم". كما ورد أن في ردّها أن "هذه حادثة مركبة للغاية من ناحية تقصي الوقائع، إذ وقعت خلال فترة زمنية مليئة بحوادث عنف شديدة أدت إلى إصابات مختلفة في الأشخاص والممتلكات، مما يصعّب إثبات حدوثها واتخاذ قرارات واقعية بشأنها على المستوى المطلوب في محاكمة جنائية، والتي تشير إلى توفر أركان جريمة التي تتطلب قرارًا للملاحقة القضائية". كل ذلك، دون الإشارة بأي شكل إلى أي من الادعاءات التي أثيرت في الاستئناف بشأن عيوب الصارخة للتحقيق، ومع الاستناد إلى ادعاء الدفاع عن النفس وفقا لشهادات المتهمين أنفسهم بشكل حصري، كما ولم يرد جواب أو تطرق من أي نوع على وجود شبهات لاعتبارات دخيلة قادت التحقيق.
لقراءة الاستئناف: https://rb.gy/5omxoy
ويأتي إعلان النيابة العامة عن رفض الاستئناف عقب سبع تأجيلات متتالية على مدار أكثر من عامين ماطلت وتلكأت فيها قبل النطق بالحكم؛ الأمر الذي دفع المركز إلى تقديم الالتماس إلى محكمة العليا في 08.01.2024 نيابةً عن عائلة الشهيد، للمطالبة بالرد على الاستئناف، ورغم أن طلب الاستئناف لإعادة فتح ملفّ قتل الشهيد حسّونة قُدّم بتاريخ 30.04.22، فمنذ ذلك الحين تمّ تأجيل الردّ عدّة مرّات بحجّة تراكم عبء العمل، ومنذ ذلك الحين وافقت المحكمة العليا على سبعة طلبات إضافية حتى أرسلت ردّها النهائي ليلة أمس.
من جانبها، علّقت المحامية ناريمان شحادة-زعبي على القرار:
" بعد التباطؤ المشين والمعاملة اللا إنسانية للعائلة الثكلى وإطالة أمد معاناتها وانتهاك حقوقها بموجب القانون، تطلّ علينا النيابة العامة بعد سنتين من التلكؤ في الردّ برفضها للاستئناف. على قدر فظاعة ومأساوية القضية والتعامل معها، إلا أن نهايتها غير مفاجئة. فقد شهدنا في عدّة قضايا سابقة، كيف أن أذرع الدولة المختلفة تتواطأ تتضافر في جهودها من أجل تحصين القاتل وإلصاق الأعذار له أو لظروف الحادثة عندما تكون الضحية فلسطينية، وإعطاء ضوء أخضر لإعدام الفلسطينيين دون مساءلة أو محاسبة بغض الطرف عن الظروف المحيطة. ويمكن الاستدلال على العنصرية البنيوية الإسرائيلية في مختلف أنظمتها في النمط المتّبع في انحيازها العرقي وخلق مسارين قضائيين منفصلين في واقع الأمر ضمن ادعاء سيادة القانون على جميع مواطني الدولة بالتساوي. وحقيقة أن تفاصيل قضية حسونة الصارخة بالأدلة التي قابلها التجاهل والتقاعس ومن ثم الإنكار المطلق من جميع الجهات المعنية، تثبت ذلك".