آخر الأخبار

لماذا لا يبدأ العام الجديد في 1 يناير/كانون الثاني في كل بلدان العالم؟

شارك
مصدر الصورة

عندما يتعانق عقربا الساعة مُعلِنَين حلول الأوّل من يناير/كانون الثاني من كلّ عام ميلادي، لا تحتفل جميع دول العالم بالضرورة ببداية عام جديد. فثمّة شعوب تستقبل عامها الجديد في تواريخ مختلفة، اعتماداً على تقاويمها المحليّة، أو على الدورات القمريّة أو الشمسيّة، فضلاً عن الطقوس والتقاليد الثقافيّة الخاصة بها.

فبداية العام الجديد ليست واحدة عند جميع الشعوب، ولا يتفق العالم كله على أن الأول من يناير هو نقطة انطلاق السنة.

هذا الاختلاف لا يعود إلى فوضى زمنية، بل إلى تاريخ طويل من التقاويم المتعددة التي طوّرتها الحضارات البشرية، كلٌّ وفق رؤيتها للكون، وحركتَي الشمس والقمر، وارتباط الزمن بالدين أو الزراعة أو السلطة السياسية.

مصدر الصورة

التقويم الغريغوري (الميلادي) — 1 يناير/كانون الثاني

يستخدم هذا التقويم على نطاق واسع دولياً كأساس للبداية الرسمية للعام الجديد في 1 يناير/كانون الثاني من كل عام، وهو يرتبط بالحساب الشمسي وتاريخ تبنّيه عبر الإمبراطورية الرومانية ثم المسيحية ثم دول العالم تدريجياً.

مع ذلك، هذا التاريخ ليس عالمياً تلقائياً؛ بل هو جزء من هيمنة تاريخية وثقافية وحسابية متفق عليها عالمياً اليوم. ولكن، ما هي الأعياد التي يحتفل بها في مناطق مختلفة في العالم بعيداً عن مطلع يناير/كانون الثاني من كل عام؟

السنة الصينية الجديدة

مصدر الصورة

يحتفل الصينيون بالسنة الجديدة حسب التقويم الصيني القمري الشمسي – وهو التقويم الذي يدمج دورات القمر مع الفصول الشمسية - بين أواخر كانون الثاني/يناير ومنتصف شباط/فبراير، وليس في 1 كانون الثاني/يناير كل عام. ويعتمد هذا التاريخ على القمر الجديد الثاني بعد الانقلاب الشتوي تقريباً، ويختلف كل عام وفق حسابات القمر.

ويستمرّ الاحتفال عادةً لمدة خمسة عشر يوماً، حيث يبدأ مع اليوم الأوّل من الشهر القمري الجديد، ويُختَتم بمهرجان الفوانيس في اليوم الخامس عشر، وهو اليوم الذي يكتمل فيه القمر.

ويتم الإعلان عن عطلة رسمية للدولة تمتد غالباً لمدة 7 أيام خلال هذه المناسبة.

ويعتبر عيد السنة الصينية الجديدة من أهم الأعياد في الثقافة الصينية، إذ يركز على لم شمل الأسرة، وتمنّي الحظّ الجيد.

وترجع جذور السنة الصينية الجديدة إلى المجتمعات الزراعية القديمة التي كانت تحتفل بانتهاء موسم وبداية آخر طلباً للخصوبة والحصاد الجيد. وتداخلت هذه الممارسات مع طقوس دينية لتكريم الآلهة والأسلاف في نهاية العام وبدايته.

كما أسهمت الأساطير الشعبية، وعلى رأسها أسطورة وحش "نيان" الذي كان يُعتقد أنه يهاجم القرى مع نهاية كل عام، في ترسيخ رموز العيد. ووفقاً للأسطورة، كان نيان يخاف من اللون الأحمر والضوضاء والأضواء، ما أدى إلى انتشار هذه العناصر في الاحتفالات. ومع تطور التقويم القمري الشمسي، تحوّل هذا الاحتفال تدريجياً إلى مهرجان سنوي يُعرف بعيد الربيع.

السنة الكورية الجديدة - سيؤلال

مصدر الصورة

رغم أن كوريا الجنوبية، مثل معظم دول العالم، تعتمد الأول من كانون الثاني/يناير كبداية رسمية للسنة وفق التقويم الميلادي، فإن السنة الكورية الجديدة التقليدية، المعروفة باسم سيؤلال تظل المناسبة الأهم ثقافياً واجتماعياً لدى الكوريين، متقدمة في مكانتها على رأس السنة الميلادية نفسها.

ولا تحل السنة الكورية الجديدة في تاريخ ثابت، بل تبدأ في اليوم الأول من الشهر القمري الأول، وهو ما يجعلها تقع عادة بين أواخر كانون الثاني/يناير ومنتصف شباط/فبراير، بالتزامن تقريباً مع السنة الصينية الجديدة.

وتعود جذور سيؤلال إلى أكثر من ألفَيْ عام، وهي مرتبطة بالتقويم القمري الشمسي الذي تأثرت به كوريا تاريخياً نتيجة التفاعل الثقافي مع الصين.

ويشير المؤرخون إلى أن هذا التوقيت كان مرتبطاً قديماً ببداية دورة زراعية جديدة، حيث يُنظر إلى سيؤلال باعتباره لحظة رمزية لبداية الحياة والعمل من جديد.

التقويم الإسلامي (الهجري)

مصدر الصورة

يعتمد التقويم الإسلامي، المعروف بالتقويم الهجري، على الدورة القمرية أساساً في حساب الزمن، وتبدأ سنته بشهر محرّم، أحد الأشهر الحُرم في الإسلام. وبسبب هذا الاعتماد الكامل على حركة القمر، تتكون السنة الهجرية من نحو 354 يوماً، أي أقل من السنة الميلادية بنحو أحد عشر يوماً، وهو ما يؤدي إلى تغيّر موقعها باستمرار داخل التقويم الميلادي، فتتنقل عبر فصول السنة المختلفة دون أن ترتبط بموسم ثابت.

ويُستخدم التقويم الهجري على نطاق واسع في غالب الدول الإسلامية لتحديد المناسبات الدينية الأساسية، مثل شهر رمضان، وعيدَيْ الفطر والأضحى، إضافة إلى مواسم الحج وبقية الشعائر المرتبطة بالأشهر القمرية.

ويُعد هذا التقويم واحداً من أقدم التقاويم التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم، إذ أُقرّ رسمياً في القرن السابع الميلادي، واستمر حضوره المتواصل عبر أكثر من أربعة عشر قرناً. ولا يقتصر دوره على تنظيم الوقت، بل يحمل بُعداً رمزياً وتاريخياً، إذ تبدأ سنواته من حدث الهجرة للنبي محمد، والذي شكّل نقطة تحوّل مفصلية في التاريخ الإسلامي.

ويحتفل المسلمون حول العالم ببداية السنة الهجرية بطرق متنوعة، تشمل الصلاة والإنشاد الديني، واللقاءات الأسرية، وتنظيم مواكب ومسيرات مشاعل ترمز إلى التجديد الروحي واستذكار الهجرة النبوية.. ففي إندونيسيا على سبيل المثال، ينظم المئات مسيرة شعلة كبيرة في شوارع المدن والمراكز الإسلامية، حيث يحمل المشاركون المشاعل والأنوار في أجواء احتفالية تجمع بين البعد الديني والاجتماعي.

رأس السنة اليهودية - روش هاشناه

السنة اليهودية الجديدة، المعروفة باسم "روش هاشناه"، ليست مجرد تقويم زمني، بل مناسبة دينية وروحية تحمل معاني عميقة لدى اليهود حول العالم. وتبدأ هذه السنة عادة في شهرَيْ أيلول/سبتمبر أو تشرين الأول/أكتوبر حسب التقويم الغريغوري، إذ يعتمد التقويم العبري على نظام قمري-شمسي معقد يجمع بين دورة القمر وحركة الشمس لضبط السنة والزراعة والمواسم الدينية.

ولا يعتبر التقويم العبري حديثاً، بل له جذور تمتد آلاف السنين، ويعكس الارتباط بين الزمن والطبيعة والمناسبات الدينية. ويبدأ رأس السنة اليهودية مع شهر تيشري، الشهر السابع في التقويم العبري، وفق الترتيب الديني، لكنه يُعتبر بداية السنة المدنية. وقد اختير هذا التوقيت ليوافق نهاية موسم الحصاد وبداية موسم جديد، ما يمنحه بعداً عملياً مرتبطاً بالزراعة .

وخلال روش هاشناه، يمارس اليهود طقوساً دينية وروحية متنوعة تشمل الصلاة في المعابد، ودق قرع البوق (الشوفار)، والتأمل في الأفعال والسلوكيات السابقة، وتقديم التمنيات الطيبة للعام الجديد. كما تُعد هذه المناسبة وقتاً للقاءات العائلية وتبادل الأطعمة التقليدية مثل التفاح بالعسل الذي يرمز إلى سنة جديدة حلوة ومباركة. وبهذه الطريقة، يجمع رأس السنة اليهودية بين البعد الروحي، والاجتماعي، والزراعي، مؤكداً على أهمية التجدد والاعتراف بالزمن كمورد للتفكير والامتنان.

نوروز - السنة الفارسية/الآسيوية الوسطى

عيد النوروز هو عيد رأس السنة وفق التقويم الشمسي الفارسي، ويحلّ سنوياً مع الاعتدال الربيعي- أي عندما يتساوى الليل مع النهار - في 20 أو 21 مارس/آذار من كل عام لا مطلع يناير/كانون الثاني، معلناً مع حلوله بداية الربيع وتجدد الطبيعة.

وتعود جذور عيد النوروز إلى أكثر من 3000 عام في حضارات فارس القديمة، ويرتبط بالتراث الزرادشتي وقيم النور والحياة والتوازن.

ويُحتفل بالنوروز في عدد واسع من الدول والمناطق، أبرزها إيران، أفغانستان، طاجيكستان وأذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وكردستان العراق، وأجزاء من تركيا والقوقاز وآسيا الوسطى، إضافة إلى الجاليات في مختلف أنحاء العالم.

ويتميز عيد النوروز ببعض الطقوس الرمزية مثل مائدة "السينات السبع" أو (هفت سين) بالفارسية، وهي مائدة تقليدية تُحضَّر في البيوت خلال هذا العيد وتضم سبعة عناصر غذائية تبدأ بحرف السين في الفارسية.

رأس السنة الأمازيغية - ينّاير

يحتفل الأمازيغ - وهم السكان الأصليون لشمال أفريقيا، ولهم لغتهم وثقافتهم الخاصة - برأس سنتهم الجديدة المعروفة باسم ينّاير، والتي تحل عادةً في 12 أو 13 كانون الثاني/يناير وفق التقويم الغريغوري، اعتماداً على تقويم زراعي قديم يمتد لقرون طويلة.

ويعود اسم العيد نسبة إلى الشهر الأول في التقويم الأمازيغي. ويرتبط هذا العيد ببداية الموسم الفلاحي، ويُنظر إليه كبداية رمزية لعام جديد من الخصوبة والعمل والتجدد.

وتُقام الاحتفالات في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، حيث يتلاقى البعد الثقافي مع الذاكرة التاريخية، مؤكّداً أن مفهوم بداية السنة لا ينحصر في الأول من يناير، بل يتشكّل وفق علاقة الإنسان بالأرض والمواسم الطبيعية.

رأس السنة الإثيوبية - إنكوتاتاش

تحتفل كل من إثيوبيا وإريتريا برأس السنة الجديدة في شهر سبتمبر، في مناسبة تُعرف باسم إنكوتاتاش، وذلك وفق التقويم الإثيوبي الذي يختلف عن التقويم الغريغوري من حيث عدد الشهور وطول السنة.

ويأتي العيد مع نهاية موسم الأمطار وبداية الربيع المحلي، ما يمنحه بعداً طبيعياً وزراعياً واضحاً، إذ يرتبط بالحصاد وتجهيز الأرض للموسم الجديد. وترجع جذور إنكوتاتاش إلى حضارة قديمة متجذرة في التاريخ الإثيوبي، حيث كان هذا الوقت يمثل نقطة تحول دورية في الحياة الزراعية والمجتمعية.

وتعتبر زهرة البيدن الصفراء رمزاً رئيسياً لرأس السنة الإثيوبية، حيث تُزين بها المنازل والشوارع وتُقدّم كهدية للاحتفال ببداية العام الجديد. وتُعزِز هذه الزهرة مع الطقوس الدينية والاحتفالات الشعبية، مثل الأغاني والرقصات التقليدية، شعوراً بالتجدد والأمل لدى الجميع.

اختلاف بداية العام عبر الثقافات يكشف عن مدى تنوّع التجارب البشرية في تنظيم الزمن، سواء كان اعتماداً على الفلك، أو الطقوس الدينية، أو الاحتفالات الموسمية.

فمن السنة الصينية والكورية الجديدة المرتبطة بالقمر والفصول، إلى النوروز والاحتفالات الزراعية، ورأس السنة الأمازيغية والإثيوبية، تعكس هذه الأعياد صلة الإنسان بالطبيعة والمجتمع. وهناك أيضاً تقاويم وأعياد أخرى مثل رأس السنة الهندوسية والبوذية، التي تعتمد على دورات قمرية وشمسية خاصة بها، لتؤكد أن كل ثقافة تصنع طريقتها الفريدة في استقبال عام جديد.

إن كنتم تحتفلون برأس السنة في الأول من كانون الثاني/يناير، فكل عام وأنتم بخير.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا