آخر الأخبار

من يحسم صراع النفوذ داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟

شارك

يشهد الاتحاد الأوروبي صراع نفوذ متصاعدا داخل مؤسساته بشأن من يملك القرار في السياسة الخارجية، في مواجهة توصف داخل أروقة بروكسل بأنها الأشد منذ إنشاء خدمة العمل الخارجي الأوروبي قبل أكثر من عقد.

ويتركز الخلاف بين رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الساعية إلى تعزيز دور المفوضية في توجيه السياسات الدبلوماسية، وبين الممثلة السامية للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس التي تقود الجهاز الدبلوماسي الرسمي للاتحاد لكنها تجد نفسها أمام تحولات تقلص من صلاحيات منصبها.

إعادة تشكيل السلطة الدبلوماسية

في تقريرها الأخير بعنوان "على غرار صراع العروش: معركة السيطرة على الدبلوماسية داخل المفوضية الأوروبية"، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن أورسولا فون دير لاين عززت من آلية التواصل المباشر مع عواصم الاتحاد الأوروبي في القضايا الحساسة.

وقد جاءت خطوات دير لاين عبر سلسلة تحركات مؤسساتية تراكمت خلال العامين الماضيين، من بينها إنشاء وحدات جديدة للتحليل الجيوسياسي داخل المؤسسة الأوروبية وتوسيع صلاحيات مستشاريها للشؤون الخارجية.

وترى الصحيفة أن هذه الإجراءات تحول المفوضية من لاعب إداري وتنفيذي إلى جهة تسعى لقيادة التوجهات الدبلوماسية للاتحاد، وهو ما يثير قلقا داخل خدمة العمل الخارجي التي اعتادت لعب الدور المحوري في العلاقات الدولية للاتحاد.

مصدر الصورة دائرة كايا كالاس (يمين) تشعر بأن المساحات الممنوحة لها تضيق بشكل ملحوظ خصوصا في الملفات التي كانت تعد من صميم اختصاصاتها (الفرنسية)

ومن هنا تشعر دائرة كايا كالاس بأن المساحات الممنوحة لها تضيق بشكل ملحوظ، خصوصا في الملفات التي كانت تعد من صميم اختصاصاتها مثل:


* العلاقات مع الدول المرشحة للانضمام.
* والملفات الأمنية المتعلقة بالأنظمة الاستبدادية.
* والاتصالات عالية المستوى مع الأطراف الدولية.
إعلان

وتشير مصادر صحيفة لوموند إلى أن الجهاز الدبلوماسي بات يستقبل بعض القرارات كأمر واقع بعد أن تُصدرها المفوضية قبل التشاور مع الدبلوماسيين المختصين، وتعتبر أن هذا التحول لم يكن مفاجئا، بل جاء نتيجة مسار طويل بدأ مع الأزمات المتلاحقة التي ضربت أوروبا.

فخلال جائحة كورونا، استطاعت المفوضية أن تقدم نفسها باعتبارها الجهة القادرة على اتخاذ قرارات سريعة، مما كرس صورة جديدة لها داخل الاتحاد، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا لتضع السياسة الخارجية في قلب صلاحياتها، بعدما لعبت دورا بارزا في تنسيق العقوبات على روسيا وإدارة ملفات الطاقة.

ومع كل أزمة جديدة، ازدادت قناعة داخل مكتب فون دير لاين بأن تعدد الجهات الدبلوماسية داخل الاتحاد يعيق اتخاذ القرار ويؤدي إلى بطء مكلف في عالم سريع التحولات.

وترى الصحيفة أن هذا المسار يهدد بنقض التوازن المؤسسي الذي قامت عليه معاهدة لشبونة ، والتي أسست لمنصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بهدف خلق جهاز مستقل يقود السياسة الدولية للاتحاد بعيدا عن حسابات المفوضية التنفيذية.

وتعتقد الدائرة الدبلوماسية (مكتب الممثل السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية) أن تركز القرار في يد المفوضية قد يحول السياسة الخارجية إلى امتداد للسياسات الاقتصادية والتنظيمية، في حين أنها مجال حساس يستوجب رؤية مستقلة تستوعب مصالح الدول الأعضاء المختلفة.

وترى أن المفوضية باتت تستخدم مبدأ الاستجابة السريعة للأزمات لتبرير توسيع سلطتها، في حين يتم تهميش الهياكل التي تأسست لضمان توازن المشاركة بين المؤسسات، مما قد يؤدي إلى تراجع دور الخبراء المختصين في الملفات الدولية، وتحويل الموقف الأوروبي إلى رؤية سياسية ضيقة صادرة من مكتب واحد.

مصدر الصورة معاهدة لشبونة أسست لمنصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بهدف خلق جهاز مستقل يقود السياسة الدولية للاتحاد (رويترز)

أبعاد الصراع القانوني والمؤسساتي

ترى صحيفة دير شبيغل الألمانية أن صراع النفوذ بين المفوضية الأوروبية ومكتب الممثل السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية لا يقتصر على طابع شخصي بين فون دير لاين وكاياس كالاس، بل يشكل مواجهة مؤسساتية عميقة تتعلق بصلاحيات إصدار القرار الخارجي واتخاذ المواقف الإستراتيجية للدول الأعضاء.

وتقول الصحيفة إن المفوضية تسعى إلى ترسيخ نموذج قانوني جديد يوسع صلاحياتها التنفيذية والدبلوماسية، مما يعيد رسم الحدود بين الأجهزة التي صممت أصلا لضمان توازن القوى بين المؤسسات الأوروبية، وطورت وحدات داخل هيكلها مخصصة لتحليل التهديدات العالمية، وإعداد إستراتيجيات استباقية في مجالات مثل الأمن الرقمي والعلاقات مع القوى الكبرى.

كانت هذه الوحدات تقليديا تحت إشراف خدمة العمل الخارجي، لكن الآن أصبحت جزءا من البنية التنفيذية للمفوضية، مما يمنح فون دير لاين موقعا قويا في تحديد أولويات السياسة الخارجية الأوروبية دون المرور دائما عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية.

من جهة أخرى، تعرض الصحيفة مخاطر هذا التمدد على استقلالية الدبلوماسية الأوروبية، مشيرة إلى أن بعض دبلوماسيي الاتحاد يرون أن تحويل جزء من مهامهم إلى المفوضية يضعف التأثير المؤسسي للسلك الدبلوماسي، ويحوله إلى إدارة تنفيذية بدلا من دوره القيادي التقليدي.

إعلان

ويشيرون إلى أن استقلالية الممثل الأعلى للشؤون الخارجية، وهو المنصب الذي أنشئ بهدف توحيد صوت الاتحاد في السياسة الخارجية، تتعرض للخطر، إذا أصبحت قراراته تعتمد على توصيات أو تحليلات داخلية من المفوضية.

يضاف إلى ذلك، بروز خلافات قانونية بين المفوضية والدول الأعضاء بشأن من يملك الحق النهائي في اتخاذ القرارات خلال الأزمات.

وتخشى دول مثل فرنسا وألمانيا وبولندا من أن تركيز السلطة في المفوضية قد يقلص دور الحكومات الوطنية في تحديد المواقف الحرجة للاتحاد، مثل الرد على التصعيد الروسي أو القرارات المتعلقة بالعقوبات الدولية.

وتعتبر هذه الدول أن اعتماد سياسة موحدة تفرضها المفوضية دون مشاركة كافية من أعضاء الاتحاد قد تضر بالتمثيل الديمقراطي وتقلل من شرعية القرارات.

ويتجاوز الصراع مجرد تحليل المخاطر إلى إدارة الأزمات، ففي حالات طارئة مثل النزاعات أو الهجمات الدولية، ترغب فون دير لاين أن تتخذ المفوضية المبادرة للتنسيق مع الشركاء الدوليين، في حين يرى دبلوماسيون آخرون أن ذلك يجب أن يكون بيد البعثات والإدارات الدبلوماسية المتخصصة، لأن لها الخبرة والشرعية لإدارة استجابات طويلة الأمد وليست مجرد تفاعل فوري تنفيذي.

ويخشى بعض النواب الأوروبيين من أن توسيع صلاحيات هذه المؤسسة قد يجعل قراراتها أقل خضوعا للرقابة المباشرة من البرلمان أو من الدول الأعضاء، خاصة فيما يتعلق بقرارات خارجية حساسة مثل العلاقات مع روسيا أو الصين.

وتجعل هذه المخاوف بعض المشرعين يطالبون بإحداث مراجعة تشريعية لضمان وجود توازن فعلي بين ما تمنحه لها من صلاحيات وبين ما تبقى من اختصاص للدول والبنية الدبلوماسية الأوروبية.

من الناحية الإستراتيجية، يرى بعض المراقبين الذين استطلعت صحيفة دير شبيغل آراءهم أن المفوضية تسعى إلى بناء محور تنفيذي قوي قادر على المنافسة في التحالفات الدولية، لكن دون أن تتسبب في تهميش جذري للدبلوماسية التقليدية.

ويرون أن الهدف ليس تصفية دائرة الدبلوماسية بالشكل الحالي، بل تحويلها إلى شريك تابع في هيكل مؤسسي جديد يكون فيه القرار سريعا ومتمركزا في بروكسل، خصوصا في الملفات التي تتطلب وقائع عاجلة وتنسيقا سريعا.

مصدر الصورة بعض النواب الأوروبيين يخشون من أن توسيع صلاحيات المفوضية قد يجعل قراراتها أقل خضوعا للرقابة المباشرة من البرلمان أو من الدول الأعضاء (غيتي)

تأثير صراع الصلاحيات

وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها بعنوان "صيف أوروبا القاسي: أورسولا فون دير لاين تواجه الاتحاد الأوروبي تحت الضغط"، فقد واجهت المسؤولة الأوروبية ضغوطا غير مسبوقة خلال هذا العام 2025 نتيجة أحداث سياسية ودبلوماسية معقدة داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، مما أثر بشكل كبير على سمعة الاتحاد الأوروبي ومصداقية قيادته الدبلوماسية.

وقد سلطت هذه الضغوط الضوء على هشاشة التنسيق بين مؤسسات الاتحاد المختلفة، خصوصا بين المفوضية والممثل الأعلى للشؤون الخارجية، حيث بدا أن السيطرة التنفيذية للمفوضية تتصاعد على حساب الجهاز الدبلوماسي التقليدي، مما يثير التساؤلات حول توازن القوى داخل الاتحاد وقدرته على اتخاذ قرارات فعالة في مواجهة الأزمات المتعددة والمتزامنة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الصيف الماضي كشف عن فجوات هيكلية في القدرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، فقد سمح غياب التنسيق الواضح بين المفوضية والممثل الأعلى للشؤون الخارجية للعديد من الدول الأعضاء بتبني مواقف متباينة تجاه ملفات حساسة، مثل الموقف من النزاع في غزة وإدارة العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة.

وقد أدت هذه الفجوات إلى تأخير في اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات، مما جعل الاتحاد يبدو ضعيفا أمام التحديات الجيوسياسية.

إعلان

بالإضافة إلى ذلك، أثرت هذه الأحداث على صورة الاتحاد أمام الرأي العام الأوروبي، حيث أظهرت استطلاعات رأي أن نسبة كبيرة من المواطنين تعتبر أن قيادة فون دير لاين لم تدافع عن مصالح أوروبا بشكل كاف، وأن الصفقة التجارية مع الولايات المتحدة مثلت إذلالا دبلوماسيا للاتحاد.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا