تقضي مسودة خطة جديدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بأن تتخلى كييف عن أراضٍ لروسيا، وأن تعترف الولايات المتحدة "فعليًا" بشبه جزيرة القرم ومناطق أوكرانية أخرى سيطرت عليها موسكو كأراضٍ روسية، إلى جانب قيود صارمة على حجم الجيش الأوكراني.
العديد من الأفكار المطروحة في الخطة المكوّنة من 28 بندًا سبق أن رُفضت خلال مفاوضات سابقة من قبل أوكرانيا ومسؤولين أوروبيين، وسيُنظر إليها على أنها تنازلات لروسيا.
وقال مسؤولون أميركيون إن الخطة لا تزال قيد الإعداد، وإن أي اتفاق نهائي سيتطلب تنازلات من الطرفين وليس من أوكرانيا وحدها. وأوضح المسؤولون أن بعض البنود الجاري تداولها -بما في ذلك تلك التي تبدو في صالح مطالب موسكو- ليست نهائية، ومن شبه المؤكد أن تتطور. وخلال إيجاز صحفي أمس الخميس، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الخطة ما زالت "قيد التغيّر".
الخطة ذات الـ28 بندًا، التي استعرضها ترامب ويؤيدها، تُعد أحدث محاولة من البيت الأبيض لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا . بعض البنود، بما في ذلك التنازل عن أراضٍ لا تخضع لسيطرة روسيا حاليا، كانت مرفوضة بالكامل من قبل الأوكرانيين سابقا. ومع ذلك يرى مسؤولون أميركيون وجود فرصة جديدة لإحياء المفاوضات.
الخطة ما زالت في مرحلة الإطار العام ولم تُحسم تفاصيل كثيرة منها بعد.
إذا نُفّذت الخطة ستعيد تشكيل المشهد الأمني في أوروبا عبر فرض تنازلات كبيرة على أوكرانيا وحلفائها الغربيين.
لكن المقترح يواجه عقبات سياسية وقانونية كبيرة. فالتنازل عن الأراضي أمر غير مقبول في أوكرانيا، كما أنه محظور صراحةً في الدستور الأوكراني. وقد كرر زيلينسكي أنه لن يوافق على التخلي عن أي أرض استولت عليها القوات الروسية، مشددًا على أن أي تسوية سلام يجب أن تحافظ على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
وتضيف "إذا غزت روسيا أوكرانيا، فبالإضافة إلى رد عسكري حاسم ومنسّق، سيُعاد فرض جميع العقوبات العالمية، وسيُلغى الاعتراف بالأراضي الجديدة وكافة فوائد هذه الصفقة".
وتشير كذلك إلى أنه "إذا أطلقت أوكرانيا صاروخًا على موسكو أو سانت بطرسبرغ دون سبب، فسيُعتبر الضمان الأمني لاغيا".
وتنص على إنشاء "مجموعة عمل أميركية روسية مشتركة للقضايا الأمنية" لضمان تنفيذ جميع بنود الاتفاق.
كما تنص على منح "جميع الأطراف" في الحرب "عفوًا شاملا عن أفعالهم خلال الحرب، وعدم تقديم أي دعاوى أو شكاوى مستقبلًا".
وتدعو الخطة إلى عودة "جميع المدنيين المحتجزين والرهائن" بمن فيهم الأطفال، وتبادل جميع أسرى الحرب والجثامين.
وتنص على إعادة تشغيل محطة زاباروجيا النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وتقاسم إنتاجها الكهربائي بالتساوي بين روسيا وأوكرانيا.
قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت في بيان لمجلة نيوزويك أمس الخميس إن الرئيس ترامب "أصبح محبطًا من الطرفين لرفضهما الالتزام باتفاق سلام".
وأضاف البيان "مع ذلك، لا يستسلم الرئيس وفريقه أبدًا، والولايات المتحدة تعمل على خطة مفصلة ومقبولة للطرفين لوقف القتل وتحقيق سلام دائم ومستقر".
وقالت الشريكة المؤسسة للمركز الدولي لانتصار أوكرانيا أولينا هالوشكا لـ"نيوزويك" أمس الخميس إن كل ما ورد في المقترح "يهدف إما إلى تعزيز موقف روسيا في ساحة المعركة، وإما إثارة توترات داخلية في أوكرانيا. لا أحد يريد السلام أكثر من الأوكرانيين، لكننا نريد سلامًا حقيقيا ودائمًا، وما يُعرض لا يمتّ للسلام بصلة".
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، في بروكسل أمس الخميس، "ما دعمناه دائمًا نحن الأوروبيين هو سلام عادل ودائم، ونرحب بأي جهود لتحقيق ذلك. وبالطبع، لكي تنجح أي خطة، يجب أن تكون أوكرانيا والأوروبيون جزءًا منها. هذا أمر واضح".
وكتب وزير الخارجية ماركو روبيو على منصة إكس أول أمس الأربعاء "إنهاء حرب معقدة ودموية مثل تلك الدائرة في أوكرانيا يتطلب تبادلًا واسعا لأفكار جدية وواقعية. وتحقيق سلام دائم سيتطلب من الجانبين القبول بتنازلات صعبة ولكن ضرورية. لهذا السبب نعمل وسنواصل العمل على قائمة من الأفكار المحتملة لإنهاء هذه الحرب اعتمادًا على مدخلات الطرفين".
التقى وزير الدفاع الأميركي دان دريسكول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس في أوكرانيا، وسلّمه الخطة المقترحة من إدارة ترامب.
وأعلن زيلينسكي أنه وافق على العمل مع إدارة ترامب على الخطة الجديدة، قائلًا في منشور على مواقع التواصل إنه مستعد لـ"عمل بنّاء وصادق وسريع" من أجل تحقيق السلام.
وأوضح أن الجانبين ناقشا "خطة مشتركة لتحقيق السلام في أوكرانيا" و"اتفقا على جدول زمني سريع للتوقيع". وأوضح أن واشنطن تتوقع أن يوقع زيلينسكي إطارًا للعمل نحو اتفاق سلام لاحق، وليس اتفاقًا نهائيا.
ولم يتضح مدى سرعة هذا الجدول الزمني، أو ما إذا كان زيلينسكي وافق على بنوده. وأفاد مسؤولون أوكرانيون وأوروبيون أول أمس الأربعاء بأن الخطة تتضمن مطالب قصوى وغير مقبولة، بما فيها التخلي عن أراضٍ في دونباس لا تسيطر عليها روسيا أصلا.
دبلوماسي أوروبي وصف الخطة بأنها أشبه بعودة إلى سيناريوهات سابقة تكررت منذ عام 2022، قائلًا إنها تشبه فيلمًا تتكرر أحداثه مرارا.
وقال مبعوث أوروبي مقيم في أوكرانيا إن الخطة فاجأت الأوساط الدبلوماسية تماما، وتابع "لقد مررنا بكل هذا من قبل ورُفض، والآن نعود إلى نقطة البداية. بالنسبة للأوكرانيين، هذا أمر مرفوض من الأساس ولسبب وجيه، إنه سيُشجع الروس على العودة مجددًا في وقت لاحق. سيكون انتحارًا سياسيا لأي زعيم أوكراني، وانتحارًا عسكريا التخلي عن تلك المنطقة المحصنة".
كما قال الدبلوماسي إن وزارات خارجية في أوروبا وخارجها اتصلت بواشنطن للحصول على إيضاحات، ولم تتلق سوى إجابات تشير إلى أن الجميع لا يزال يجهل تفاصيل الخطة.
وأضاف "سمعنا مباشرة من مسؤولين في وزارة الخارجية والكونغرس أن لا أحد كان يعرف شيئًا عن هذه الخطة حتى تسريبها أمس. الأشخاص الذين كان يفترض أن يعلموا بها، لم يعلموا.. هناك الكثير من الانزعاج والارتباك".
وفي أول تعليق علني لها منذ ظهور تقارير عن الخطة، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أمس الخميس إن "أي خطة لن تنجح دون موافقة الأوكرانيين والأوروبيين". أما وزير خارجية بولندا رادوسواف سيكورسكي فقال إن أي خطة يجب أن تشمل أوروبا وتضمن قدرة كييف على الدفاع عن نفسها.
وقال سيكورسكي "لدينا مصلحة أكبر بكثير من الولايات المتحدة، ولذلك يجب أن تكون أوكرانيا وأوروبا جزءًا من أي خطة".
وكان مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف يقود الجهود، وقال مصدر إن المفاوضات تسارعت هذا الأسبوع مع شعور الإدارة بأن الكرملين بات أكثر انفتاحًا على صفقة. وقال مسؤول أميركي إن ويتكوف كان يعمل بهدوء على الخطة منذ شهر بالتشاور مع الأوكرانيين والروس حول شروط قد يقبلون بها.
في المقابل، نفت موسكو أمس أنها تعمل مع واشنطن على أي مقترح سلام، قائلة إنه "لا تطورات جديدة".
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في إشارة إلى اجتماع بوتين وترامب في ألاسكا في أغسطس/آب الماضي، "ليس لدينا ما نضيفه إلى ما قيل في أنكوراج. لا جديد لدينا".
بينما تتواصل المناقشات الدبلوماسية، أصدر الطرفان روايات متضاربة حول الوضع الميداني. فقد قال رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف أمس الخميس إن القوات الروسية سيطرت بالكامل على مدينة كوبيانسك في منطقة خاركيف، لكنه أقرّ بأن قوات أوكرانية ما زالت موجودة في أجزاء من المدينة. في حين نفت القوات الأوكرانية ذلك، مؤكدة أنها لا تزال تسيطر على الخطوط الأمامية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة