غزة- يدخل النازحون في قطاع غزة فصل الشتاء وهم محرومون من أبسط مقومات الحياة من مأوى آمن، ودفء، وغذاء، ورعاية طبية. وفي ظل غياب تدخل عاجل وواسع النطاق، يتحول الشتاء إلى اختبار قاسٍ قد يودي بحياة الكثيرين، ويستدعي تحركا فوريا لحماية قدرتهم على الصمود طويلا.
ويقول سمير خاطر للجزيرة نت "بعدما أغرقت مياه الأمطار خيمتنا، وجدت نفسي مع زوجتي وأطفالي نطفو فوق بركة من الماء. لم أعرف ماذا أنقذ أولا، الخيمة أم أطفالي. كل شيء حولنا كان مبللا؛ الأفرشة، والملابس، والطعام القليل".
ويضيف "كنا نحاول فتح مجرى للمياه بأيدينا، لكن المطر يتحول إلى خصم والخيمة لا تقوى على حمايتنا. أصبح همنا الوحيد حماية أطفالنا من البرد".
الخيام المنتشرة في مناطق النزوح أشبه بملاذات مؤقتة غير صالحة للسكن، مصنوعة من قماش مهترئ لا يحمي من تقلبات الطقس ولا أمطار الشتاء، وتغيب البنية التحتية بالكامل؛ فلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا مرافق صحية كافية، في حين تتكدس العائلات في مساحات ضيقة تفتقر للخصوصية والسلامة.
مع أول هطول للأمطار، يتحول الطين إلى بيئة غير صالحة للعيش، وتتسرب المياه إلى داخل الخيام لتبتل الأفرشة والبطانيات القليلة، في حين تصبح الليالي الباردة معاناة مضاعفة، يقضي خلالها النازحون ساعات طويلة في محاولة تجفيف ما يمكن أو رفع متاعهم عن الأرض المبتلة دون جدوى. وكل مرة تشتد فيها الأمطار، يخشى السكان انهيار الخيمة أو غمرها بالمياه، مما يجعل النوم رفاهية نادرة.
ويزداد الضغط النفسي على الأسر بسبب غياب البدائل الآمنة، في ظل حالة ترقب دائم لأي تغيّر في الطقس، في حين يعمل أفرادها على تثبيت أعمدة الخيام المهترئة بقطع قماش وحبال بسيطة. ومع شروق الشمس، تبدأ معركة جديدة لتنظيف الخيام وتجفيفها، لا تقل قسوة عن المعاناة خلال الليل.
بدورها، تعيش أم المجد في خيمة قريبة من ساحل بحر غزة، وتقول للجزيرة نت والدموع تغمر عينيها "في كل مرة نسمع صوت الرعد، نرتبك. المطر هنا لا يعني حياة، بل بداية معاناة جديدة. غمرت المياه خيمتنا بكل ما فيها من فراش وأغطية وطعام، ولم يكن لدينا أي بديل. هربنا بكل محتوياتها واحتمينا تحت مظلة بناية حتى الصباح، كنا نرتجف من البرد والخوف ولا نعرف كيف سنتصرف في المرات القادمة".
ولم يتوقع أبو إياد، الذي تجاوز الـ70 من عمره، أن تتحول ليلة شتوية ماطرة إلى واحدة من أقسى لحظات حياته، ويقول للجزيرة نت وهو يضع يده المرتجفة فوق صدره "لم أستطع النهوض عندما بدأت المياه تتسرب إلى خيمتي، ولم يمض وقت طويل حتى غرقت بالكامل، وكان الفراش أول ما غرق، ثم البطانيات، ثم امتدت المياه نحو قدمي المرتجفتين من البرد. حاولت مدها نحو عصاي لأنهض، لكنني لم أستطع".
ويضيف "ساعدني بعض الشباب وسحبوني إلى الخارج، حيث احتميت مع عشرات النازحين الآخرين في مدرسة إيواء قريبة من خيامنا"، ويختم بعبارة تختصر المأساة كلها "أنا رجل كبير ومريض لكن أكثر ما يحزنني أننا صرنا نخاف من المطر الذي كان بشارة خير، لكنه أصبح اليوم لعنة علينا".
يواجه النازحون أخطارا صحية متعددة مع انخفاض درجات الحرارة، أبرزها انتشار أمراض الجهاز التنفسي والرئوي بين الأطفال. كما يعاني كبار السن وذوو الأمراض المزمنة من تدهور حالتهم الصحية بسبب البرد الشديد ونقص التدفئة، في حين يفاقم الطقس العاصف شعورهم بالخوف وعدم الاستقرار.
ويبذل الدفاع المدني والبلديات جهودا كبيرة لتخفيف معاناة النازحين، لكن حجم الكارثة يفوق إمكاناتهم. ويوضح محمد المغير مدير إدارة الدعم الإنساني والتعاون الدولي بالدفاع المدني أن التحديات التي تواجههم في هذه الحالات الطارئة تشمل غياب أماكن بديلة لنقل العائلات المتضررة مما يجعل التعامل مع الخيام الغارقة أكثر تعقيدا، لا سيما مع النقص الحاد في مضخات سحب المياه، وتهالك مركباتهم وقلة جاهزيتها للعمل، وغياب قطع الغيار اللازمة.
ويقول للجزيرة نت "نحتاج إلى مضخات فعّالة، وإعادة ترتيب آليات تصريف المياه، وتوفير الوقود لتشغيل المضخات، وكرفانات بديلة للخيام البالية، إضافة إلى إنشاء مخيمات تستوفي المعايير الإنسانية الدنيا، وتوفير ملابس شتوية، وأغطية وأفرشة".
في حين يشير محمد مصلح رئيس بلدية المغازي الى أن أغلب الآليات والمعدات التابعة للبلديات أصبحت مدمرة أو متهالكة، والمخازن خاوية والإيرادات صفرية، إلى جانب عدم تقديم الدعم لها، وارتفاع تكلفة التشغيل والصيانة لمقدراتها.
ويؤكد للجزيرة نت "تعاني البلديات من عدم توفر مواد الاستجابة للتعامل مع تأثيرات المنخفضات الجوية من معدات ومواد إسعافية، مع وجود آلاف الخيام التي أذابتها حرارة الصيف الماضي، هناك فجوة كبيرة بين الاحتياجات وما هو مطلوب للاستجابة وإغاثة المواطنين".
ويشدد مصلح على أهمية دعمهم بمعدات ووسائل الاستجابة العاجلة لموسم الشتاء الحالي سواء المتعلقة بالبلديات من سيارات كسح مجاري ومضخات شفط ومعدات إنارة ليلية وألبسة خاصة للعمال، أو مواد إغاثية من خيام وشوادر وأغطية.
من جهته، يقول أمجد الشوا ، المدير العام لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية للجزيرة نت إن أكثر من مليوني نسمة يعيشون في 47% من مساحة قطاع غزة، خصوصا في المنطقة الغربية الساحلية المنخفضة، وهي مناطق طينية تتجمع فيها مياه الأمطار القادمة من المنطقة الشرقية، مما يزيد من تفاقم الأوضاع المأساوية.
ويوضح أن معظم الخيام باتت بالية ومهترئة، لا تصلح للعيش ولا تقي من البرد والأمطار، وأن هناك نقصا كبيرا في احتياجات الإيواء من الملابس الشتوية والأغطية والفرشات. ويؤدي هذا النقص الحاد إلى فجوة واسعة بين حجم الاحتياجات الفعلية والقدرة الحالية على الاستجابة الإنسانية.
ويدعو المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تحمل مسؤولياتها والعمل بسرعة على الاستجابة العاجلة لإيواء المدنيين وحمايتهم من الخطر الداهم الذي يهددهم في خيامهم المهترئة بسبب فصل الشتاء.
وعلى الرغم من كل محاولات تحسين الأوضاع، فإنها تبقى محدودة جدا مقارنة بحجم الاحتياجات. حيث تواجه فرق الإغاثة عراقيل لوجستية وفنية تعيق عملهم، كما تعجز إمكانياتها عن سد الفجوة الهائلة بين ما يحتاجه النازحون وما يقدم لهم.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة