قُتل 40 شخصاً على الأقل وأُصيب آخرون في هجوم على تجمع عزاء في الأُبيّض، عاصمة شمال كردفان بالسودان، بحسب ما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأربعاء.
ولم يحدد المكتب الجهة التي تقف وراء الهجوم، في وقت تشهد فيه مدن كردفان تواجداً مكثفاً للجيش السوداني الذي يسيطر على المدينة، وقوات الدعم السريع التي تحاول إحراز تقدم فيها.
وتُعد الأُبيّض نقطة حيوية على الطريق الذي يصل الخرطوم بإقليم دارفور، الذي أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها عليه الأسبوع الماضي بالسيطرة على الفاشر.
وتُعتبر الأُبيّض طريقاً رئيسياً للإمدادات ومركزاً لوجستياً وقيادياً، علماً أنها تضم مطاراً أيضاً.
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت السيطرة على مدينة بارا، الواقعة شمال الأُبيّض، نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، معتبرة ذلك "خطوة مهمة نحو استكمال السيطرة على بقية المناطق الحيوية في كامل إقليم كردفان".
وحذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن "الوضع الأمني في منطقة كردفان مستمر في التدهور".
وأفادت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي الأسبوع الماضي عن "فظائع واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع في بارا بشمال كردفان"، مشيرة إلى "أعمال انتقامية ضد ما يُسمى بالمتعاونين مع الجيش، وغالباً ما تكون بدوافع عرقية".
وحذّرت المنظمة الدولية للهجرة يوم الاثنين من أن أكثر من 36 ألف مدني فرّوا من بلدات وقرى في ولاية شمال كردفان، مع ارتفاع وتيرة المعارك في إقليم دارفور المجاور.
وأعلن وزير الدفاع السوداني حسن كبرون الثلاثاء أن الجيش سيواصل القتال في مواجهة قوات الدعم السريع، بعدما ناقش مجلس الأمن والدفاع مقترحاً أمريكياً لوقف إطلاق النار.
وقال في خطاب بثه التلفزيون الرسمي إن"التجهيزات لمعركة الشعب السوداني متواصلة".
وأضاف عقب اجتماع المجلس في الخرطوم "نشكر إدارة ترامب على جهودها ومقترحاتها لتحقيق السلام"، متابعاً: "تجهيزاتنا للحرب حق وطني مشروع".
ولم تُعلن أي تفاصيل عن المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت الثلاثاء أن الحكومة الأمريكية "ملتزمة تماماً بإيجاد حل سلمي للصراع الدائر في السودان"، لكنّها أقرّت بأن "الوضع الميداني معقد جداً في الوقت الراهن".
ورفضت السلطات الموالية للجيش مقترح هدنة في وقت سابق كان ينص على استبعادها واستبعاد قوات الدعم السريع المتقاتلتين، من عملية الانتقال السياسي بعد إنهاء النزاع.
أكدت شبكة أطباء السودان تراكم عشرات الجثث داخل المنازل في مدينة بارا بولاية شمال كردفان، الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وقالت الشبكة في بيان صدر الثلاثاء إن "قوات الدعم السريع منعت ذوي الضحايا من دفن موتاهم، ما ترك الجثث محاصرة داخل البيوت، بينما يعيش الأحياء وسط الخوف والجوع والعطش".
وروى عدد من الناس الذين فروا من الفاشر والبارا مشاهد الخوف والعنف الذي مارسته قوات الدعم السريع.
وقالت سيدة سودانية نزحت من الفاشر لبي بي سي، إنها عاشت مع أهلها ستة أو سبعة أشهر صعبة، "فقدنا فيها أربعة عشر شخصاً من أقاربنا، واضطررنا إلى الفرار من منازلنا والسير على الأقدام، وفي الطريق أوقفتنا قوات الدعم السريع وفتّشتنا".
وأضافت "حين وصلنا، استقبلنا أهالي منطقة الدبة بحفاوة، فقد وفروا لنا الطعام والشراب والملابس، لكننا ما زلنا نعيش في العراء ونفتقر إلى أبسط مستلزمات النوم مثل الفُرُش والبطانيات".
فيما قال شاب إن رحلة نزوحهم شهدت معاناة كبيرة؛ "وتعرّض عدد من الأشخاص للاعتداء، وتوفي بعضهم متأثرين بإصاباتهم قبل أن يتمكن الآخرون من الوصول إلى الدبّة بسلام".
ووصفت نازحة من منطقة بارا (ولاية شمال كردفان في وسط السودان، على بُعد نحو 30 كيلومتراً شمال شرق مدينة الأبيض) الرعب والمعاناة بعد اجتياح قوات الدعم السريع، مشيرة إلى إحراق المنازل وفرار العائلات بأطفالها.
وقالت لبي بي سي "أنا من سكان بارا، من الحي الغربي. بصراحة، بعد ما اجتاحت قوات الدعم السريع بارا، أرعبونا جداً. عندنا أطفال وكبار سن ومرضى. أُحرق بيتنا والبيوت حولنا، وتعرضنا لمعاناة كبيرة".
وأضافت "اقتحموا منزلنا، فخرجت لأكلمهم وقلت لهم: نحن مجرد أسرة. سألوني: أين والدكم؟ قلنا لهم إنه ليس في البيت، لكنهم لم يصدقونا".
ووصفت رحلة الهرب قائلة "كنا خائفين بشدة، فهربنا قفزاً فوق السور إلى بيت الجيران، ثم واصلنا السير حتى وصلنا إلى بيت عمّنا. نحن لا علاقة لنا بأي جهة سياسية، نحن مواطنون عاديون من هذا البلد. فإلى أين نذهب؟ هذا وطننا".
ولفتت إلى أنه في اليوم التالي "اضطررنا إلى مغادرة المدينة نحو القرى المجاورة. خرجنا في السادسة صباحاً ولم نصل إلا عند السادسة والنصف مساءً. معنا أطفال في عمر السنتين والثلاث والأربع والخمس".
وبينت أن الناس كانوا "يسيرون بالآلاف، جياعاً عطاشاً يعانون بشدة".
فيما روت إحدى السيدات من بارا ما حدث خلال اشتباكات صباحية أصيب فيها والدها: "ما حدث معنا كان أثناء الاشتباكات التي وقعت صباحاً، من حوالي السابعة والنصف حتى بعد الظهر".
وأضافت أن القتال كان مستمراً، وفي تلك اللحظة أُصيب والدنا برصاصة في ساقه".
ووصف أحد سكان بارا ما رآه من استهداف المدنيين أكثر من الجيش، مع النهب والضرب وإطلاق النار داخل البيوت: "أتحدث كمواطن شاهد الأحداث في مدينة بارا"، مبيناً أن"المدنيين كانوا مستهدفين أكثر من الجيش نفسه. اقتحموا البيوت، وأخذوا هواتف الناس وأموالهم، وإذا كان عندك سيارة يصادرونها فوراً. وإن رفضت، يضربونك ثم يطلقون النار عليك".
وقال إنه جرى "استهداف الشباب"، و"ارتُكبت حالات اغتصاب لفتيات وفتيان. بالفعل كانت مشاهد مروّعة، والجثث كانت منتشرة في الشوارع".
وأجرى الموفد الأمريكي الخاص لأفريقيا مسعد بولس اجتماعات في القاهرة الأحد مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وكذلك مع جامعة الدول العربية.
وخلال المحادثات شدد عبد العاطي "على أهمية تضافر الجهود للتوصل إلى هدنة إنسانية ووقف لإطلاق النار في جميع أنحاء السودان بما يمهد الطريق لإطلاق عملية سياسية شاملة في البلاد"، وفق بيان للخارجية.
والتقى بولس الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وقدّم له "شرحاً مفصلاً (...) حول الجهود الأخيرة في السودان لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات بشكل سريع والبدء في عملية سياسية سودانية داخلية"، وفقاً لبيان صادر عن جامعة الدول العربية مساء الاثنين.
وانخرطت "المجموعة الرباعية"، التي تضم الولايات المتحدة ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، منذ أشهر في جهود دبلوماسية بهدف التوصل لهدنة في الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من 30 شهراً.
وفي أيلول/سبتمبر اقترحت "الرباعية" هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار وفترة انتقالية مدتها تسعة أشهر بعد إنهاء النزاع، لكن السلطات المتحالفة مع الجيش رفضت الخطة فوراً آنذاك.
وعقب هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر الاستراتيجية، برزت تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي واعتداءات على عُمال الإغاثة ونهب واختطاف خلال الهجوم.
وعبّرت المحكمة الجنائية الدولية الاثنين عن "قلقها البالغ وانزعاجها الشديد" إزاء هذه التقارير، محذرة من أن هذه الأعمال "قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وفي كلمة ألقاها في منتدى في قطر الثلاثاء دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء الأطراف المتحاربة إلى "الجلوس إلى طاولة المفاوضات ووضع حد لكابوس العنف هذا- الآن".
وأضاف أن "الأزمة المروعة في السودان... تخرج عن السيطرة".
من جانبه، دعا السفير السوداني لدى الأمم المتحدة حسن حامد، الثلاثاء، المجتمع الدولي إلى زيادة الضغوط على الإمارات العربية المتحدة، متهماً إياها بدعم قوات الدعم السريع في الحرب المدمّرة في السودان.
وقال حامد إن "مُورِّد الأسلحة لقوات الدعم السريع معروف جيداً، وللأسف، إنها الإمارات العربية المتحدة".
وفي بداية الحرب، اتهم الجيش السوداني الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة والمرتزقة الذين يُرسَلون عبر تشاد وليبيا وكينيا والصومال، براً وجواً.
ونفت الإمارات أي تورّط لها في الصراع، رغم الأدلة التي قُدّمت في تقارير دولية وتحقيقات استخبارات مفتوحة المصدر مستندة إلى بيانات متاحة.
وأضاف حامد: "إذا لم تتوقف هذه الإمدادات العسكرية فوراً (...) سيتفاقم تدهور حقوق الإنسان ويؤدي إلى المزيد من الانتهاكات والفظائع".
وتابع أن "الميليشيا المتمرّدة ستعتبر هذا التقاعس من جانب المجتمع الدولي بمثابة ضوء أخضر لمواصلة ارتكاب الفظائع، كما ستعتبره الإمارات ضوءاً أخضر لمواصلة تزويد الميليشيا بكل الأسلحة والمعدات العسكرية حتى النهاية".
في جنوب كردفان، أكد تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المدعوم من الأمم المتحدة، انتشار المجاعة في مدينة كادوغلي التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أشهر لانتزاع السيطرة عليها من الجيش.
وأكد التقرير، الذي صدر هذا الأسبوع، انتشار المجاعة في الفاشر بشمال دارفور، محذراً من أن 20 مدينة أخرى في دارفور وكردفان مهددة بالمجاعة.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 21 مليون شخص واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في أيلول/سبتمبر الماضي، وتوقع استمرار الوضع على ما هو عليه حتى أيار/مايو 2026 على الأقل.
وعانى المدنيون في الفاشر من حصار قاسٍ استمر نحو 18 شهراً فرضته قوات الدعم السريع، وهي الاستراتيجية التي تتبعها للسيطرة على المدن الحيوية.
ومنذ سقوط الفاشر، توالت الشهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات على عمال الإغاثة وعمليات نهب وخطف، بينما لا تزال الاتصالات مقطوعة إلى حدّ كبير.
وأسفر النزاع في السودان حتى الآن عن مقتل عشرات الآلاف وأجبر نحو 12 مليون شخص على النزوح أو اللجوء خارج البلاد، متسبباً بأكبر أزمتي نزوح وجوع في العالم، وفق الأمم المتحدة.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة