القاهرة، مصر (CNN)-- مع انطلاق الدعاية الانتخابية لانتخابات مجلس النواب بمصر، تصدر ملف "حياد المساجد" المشهد، بوصفه أحد أبرز القضايا المرتبطة بـ"ضمان نزاهة العملية الانتخابات"، خاصة مع تأكيد وزارة الأوقاف على "ضرورة الفصل التام بين العمل الدعوي والأنشطة السياسية".
وجاءت تحركات الوزارة لتؤكد "حرصها على أن تظل المنابر الدينية بعيدة عن التوظيف الانتخابي، حفاظا على قدسيتها ودورها الروحي في نشر الوعي والاعتدال بين المواطنين".
وأكدت أنها "تحظر استخدام المساجد أو ملحقاتها في أي شكل من أشكال الدعاية الانتخابية"، إلى جانب "منع الأئمة والدعاة من الظهور بالزي الأزهري في التجمعات السياسية، التزاما بمبدأ الحياد الدعوي، وضمانا لعدم استغلال الرموز الدينية في المنافسة الانتخابية".
وشددت على أن القرار "لا يتعارض مع الدعوة العامة للمشاركة الإيجابية في الانتخابات، بل يهدف إلى ترسيخ الوعي الوطني وحماية المساجد من أي استغلال حزبي أو انتخابي"، وفق بيان رسمي.
دعاية "مكلفة"
وانطلقت الدعاية الانتخابية للمرحلة الأولى في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، وفقًا لقرارات الهيئة الوطنية للانتخابات، لتستمر لمدة 15 يوما تنتهي ببدء فترة "الصمت الانتخابي" في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتشهد الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب هذا العام إنفاقا ملحوظا من جانب الأحزاب والمرشحين الفرديين، حيث امتلأت الشوارع والميادين بلافتات ضخمة ومواد دعائية متنوعة، ويحرص العديد من المرشحين على تنظيم مؤتمرات ولقاءات موسعة.
وقال وكيل لجنة الشؤون الدينية لمجلس النواب، الدكتور أسامة العبد، إن "المساجد خصصت للعبادة فقط، ولا يجوز الزج بها في العمل السياسي أو الحزبي بأي شكل من الأشكال"، مشيرا إلى أن دعوة المواطنين إلى المشاركة الإيجابية في الانتخابات "أمر مطلوب وواجب وطني يهدف إلى ترسيخ الحياة الديمقراطية، مع ضرورة الفصل التام بين المشاركة العامة والمنافسة السياسية داخل دور العبادة".
"هيبة المساجد"
وأوضح العبد، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن المساجد "لها هيبتها ووقارها، وينبغي أن تبقى بعيدة عن أي صراعات أو توجهات انتخابية"، مؤكدا أن "دورها يتمثل في العبادة وتصحيح المفاهيم ونشر الوعي الديني السليم، لا في دعم مرشح أو حزب بعينه"، كما شدد على أهمية "الحفاظ على قدسية المساجد وقيمتها الروحية في المجتمع، باعتبارها منابر للعبادة والوعي لا ساحات للدعاية أو التنافس السياسي".
وأشار إلى أنه "لا يليق الزج بالزي الأزهري في التجمعات الانتخابية، إذ يمثل هذا الزي رمزا للعلم والدعوة، ويجب احترامه وعدم استخدامه في أي سياقات قد تحدث لبسا أو توترا سياسيا"، مؤكدا أن "على الواعظ أن يظل بعيدا عن المهاترات حفاظا على رسالته الدعوية ومكانة المنبر".
ومن جانبه، قال الأمين العام المساعد لحزب التجمع، الدكتور عبدالناصر قنديل، إن "القوانين المنظمة للانتخابات تتضمن بنودا واضحة تجرم استخدام المؤسسات الرسمية أو دور العبادة في أي أنشطة دعائية للمرشحين، كما تحظر على الموظفين العموميين المشاركة في الدعاية الانتخابية لصالح أي طرف".
وأوضح قنديل، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن هذه القواعد "تضمن نزاهة العملية الانتخابية، ومنع أي تداخل بين الدين والسياسة يمكن أن يؤثر على إرادة الناخبين أو يوجه اختياراتهم"، مشيرا أن "المشهد الانتخابي في السنوات الأخيرة شهد زيادة في حدة التفاعل السياسي وظهور مرشحين ذوي توجهات دينية، مما يضاعف من خطورة أي محاولة لزج الخطاب الديني في المنافسة الانتخابية، خاصة في المناطق الريفية التي يتسم فيها الوازع الديني بالقوة والتأثير".
وأضاف أن "دور رجال الدين في الانتخابات من أخطر الأدوار، لما يحمله من قدرة على توجيه الرأي العام سلبا أو إيجابا"، مؤكدا أن ظهور الرموز الدينية على المنصات الانتخابية أو دعمها لأي مرشح قد يمنح العملية الانتخابية أبعادا دينية "في غاية الخطورة".
وأكد قنديل أن قرار وزارة الأوقاف بمنع الدعاية الانتخابية في المساجد "قرار في محله"، لكنه شدد على أنه "لا يكفي بمفرده"، داعيا إلى "إنشاء مرصد حقيقي لرصد المخالفات واستقبال الشكاوى المتعلقة باستخدام المساجد أو الرموز الدينية في الدعاية، مع إعلان نتائج التحقيقات والعقوبات بشكل شفاف ورادع"، موضحا أن الهدف من القرار "ليس منع العمل السياسي، بل ضمان عدم تحزيب الخطاب الديني أو استخدامه لتقسيم المواطنين على أساس الانتماء الحزبي أو الولاء الانتخابي".
وقال إن "الخلط بين الدعوة الدينية والدعاية الانتخابية أضر بالمشهد السياسي في مراحل سابقة، وهو ما يجب تفاديه تماما لضمان نزاهة واستقرار الحياة السياسية".
منافسة "حادة"
وتتصاعد حدة المنافسة في انتخابات مجلس النواب بين القوائم الحزبية، أبرزها قائمة "من أجل مصر" التي تضم عددا من الأحزاب الكبرى، من بينها مستقبل وطن، حماة الوطن، الشعب الجمهوري، المؤتمر، الوفد، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، إلى جانب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وعدد من الأحزاب الأخرى، وتجرى الانتخابات بنظام القوائم الحزبية والفردي معا، حيث يخوض المرشحون سباقا محتدما في الدوائر الفردية بين الأحزاب والمستقلين.
وتجرى انتخابات مجلس النواب على مرحلتين، تشمل المرحلة الأولى محافظات: الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة، ومطروح، وتستمر فترة الدعاية الانتخابية لهذه المرحلة من 23 أكتوبر حتى 6 نوفمبر، يعقبها "الصمت الدعائي" في اليوم ذاته، ويجرى التصويت للمصريين في الخارج يومي 7 و8 نوفمبر، بينما يتم التصويت داخل البلاد يومي 10 و11 نوفمبر، على أن تعلن النتائج النهائية للمرحلة الأولى يوم 18 نوفمبر، وهو اليوم الذي تُستأنف فيه الدعاية لجولة الإعادة.
أما المرحلة الثانية، فتشمل محافظات: القاهرة، القليوبية، الدقهلية، المنوفية، الغربية، كفر الشيخ، الشرقية، دمياط، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، شمال سيناء، وجنوب سيناء، وتبدأ فترة الدعاية الانتخابية لها من 6 نوفمبر حتى 20 نوفمبر، يعقبها "الصمت الدعائي" في اليوم نفسه، فيما يُجرى تصويت المصريين في الخارج يومي 21 و22 نوفمبر، والتصويت داخل مصر يومي 24 و25 نوفمبر، على أن تُعلن النتائج يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول، لتبدأ في اليوم ذاته الدعاية لجولة الإعادة.
المصدر:
سي ان ان