آخر الأخبار

لماذا فازت صديقة نتنياهو وحليفة إسرائيل بنوبل للسلام؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في يوم الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، استيقظ العالم على خبرٍ مُفاجِئ: مُنحت زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام بعد أن أقرت اللجنة النرويجية المانحة للجائزة بـ"عملها الدؤوب لتعزيز عودة فنزويلا إلى الديمقراطية في مواجهة استبداد الرئيس نيكولاس مادورو" وأشادت بإبقائها "شعلة الديمقراطية متقدة وسط ظلام متزايد".

بيد أن إعلان فوز ماتشادو بالجائزة أشعل جدلا حادا في الأوساط الدبلوماسية العالمية، وأثار تساؤلات مُقلقة حول الحدود بين النضال الديمقراطي وبين التلاعب الجيوسياسي.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 ماذا يفعل الجيش الأميركي قرب فنزويلا؟
* list 2 of 2 ترامب يواجه البرازيل.. هل يشعل الاقتراب من الصين صداما قريبا؟ end of list

من مخبئها في مكانٍ مجهول في فنزويلا، تلقت ماتشادو اتصالًا من مدير لجنة نوبل للسلام، كريستيان بيرغ هاربفيكن، لترد عليه قائلة: "لا أجد كلماتٍ تُعبّر عما أشعر به. هذا إنجازٌ لمجتمعٍ بأكمله وليس لمجرد شخصٍ واحد".

لكن سرعان ما ظهرت حقائق اختارت لجنة نوبل تجاهلها: فقد وقّعت "بطلة السلام" نفسها في وقت سابق من رحلتها السياسية مرسومًا يقضي بحل المؤسسات الديمقراطية في فنزويلا خلال محاولة انقلاب عام 2002، ودعت مرارا وتكرارا إلى التدخل العسكري الأجنبي في بلادها، ودافعت بحماسة عن عقوبات اقتصادية يقول خبراء الأمم المتحدة إنها أودت بحياة عشرات الآلاف من الفنزويليين، ووعدت بخصخصة ثروة بلادها النفطية لصالح الشركات الأميركية، كما أنها تنحاز إلى اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب.

لا تخفي ماريا ماتشادو ولاءها للولايات المتحدة الذي لا يقتصر على علاقاتها الوثيقة مع العديد من المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم وزير الخارجية ماركو روبيو الذي يشاركها حماسها البالغ للإطاحة بالنظام.

بل ربما يكون ذلك أحد الأسباب التي دفعت لجنة نوبل إلى منحها الجائزة التي تطلع الرئيس الأميركي ترامب للحصول عليها بشدة بل إنه مارس ضغوطا لأجل ذلك، حيث تواصل -بحسب تقارير صحفية- مع الأمين العام السابق لحلف الناتو ووزير المالية في النرويج، ينس ستولتنبرغ، للترويج لاختياره.

مصدر الصورة مُنحت ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام لعام 2025 (الأناضول)

وعندما اختارت اللجنة ماتشادو بدلًا من ترامب، انتقد البيت الأبيض القرار في البداية باعتباره "تفضيلًا للسياسة على السلام"، إلا أن ماتشادو أهدت جائزتها لترامب "رمزيا" على الفور، مما دفع البيت الأبيض لتخفيف حدة موقفه لاحقا.

إعلان

هذه الملابسات المثيرة للجدل للجائزة، بجانب التاريخ الذي لا يقل إثارة للانقسام لصاحبتها يطرحان الكثير من التساؤلات حول جائزة نوبل للسلام والقيم التي تمثلها وهل تحتفي حقا بالتغيير السلمي أم أنها أصبحت قوة ناعمة لخدمة المصالح الجيوسياسية الغربية.

ففي وقت نشرت فيه الولايات المتحدة قواتها البحرية قبالة سواحل فنزويلا وقصفت الطائرات الأميركية قوارب مدنية زُعم أنها كانت تحمل مخدرات، وأذن الرئيس دونالد ترامب بعمليات لوكالة المخابرات المركزية داخل البلاد، يبدو منح جائزة نوبل لماتشادو أقرب إلى عملية تهيئة أخلاقية للجهود الأميركية لتقويض النظام الفنزويلي أو ربما الإطاحة به كليا، أكثر من كونه تقديرا للنضال الديمقراطي.

رحلة صعود غير تقليدية

وُلدت ماريا كورينا ماتشادو في أكتوبر/تشرين الأول 1967، لعائلةٍ من النخبة الصناعية في كاراكاس، فهي ابنة عالمة النفس كورينا باريسكا ورجل الأعمال هنريك ماتشادو زولواجا، الذي كان يدير إمبراطورية لصناعة الصلب، مما أتاح لماريا كورينا الصغيرة فرصةً للتواصل مع طبقة رجال الأعمال في فنزويلا، والتشبع بانتقاداتهم للتدخل الحكومي.

هذه الخلفية، وإن كانت قد زودتها بمعرفة اقتصادية وعلاقات تجارية واسعة، فإنها جعلتها لاحقا هدفا لاتهامات بأنها تمثل مطامع الأقلية الثرية بدلًا من مصالح الشعب.

بعد حصولها على شهادات في الهندسة الصناعية في جامعة أندريس بيلو الكاثوليكية، إحدى أبرز المؤسسات التعليمية في فنزويلا، وفي التمويل والإدارة المالية من معهد الدراسات العليا للإدارة في كاراكاس، عملت ماتشادو في البداية في شركة العائلة قبل أن تشارك في تأسيس منظمة "سوماتي" وهي منظمة مجتمع مدني تُعنى ظاهريا بتعزيز "الشفافية الانتخابية"، لكنها سرعان ما تحولت إلى أحد أبرز الكيانات السياسية المعارضة.

وقد تزامنت نشأة "سوماتي" مع إحدى أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ أميركا اللاتينية الحديث: محاولة انقلاب أبريل/نيسان 2002 ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا هوغو شافيز.

في ذلك الوقت، وقّعت ماتشادو شخصيًّا على ما يُعرف بـ" مرسوم كارمونا "، وهي وثيقة حلّت الجمعية الوطنية الفنزويلية والمحكمة العليا، وعلّقت عمل النائب العام وجميع حكام الولايات ورؤساء البلديات المنتخبين في عهد شافيز ونصبت رجل الأعمال ب يدرو كارمونا رئيسا انتقاليا، في انقلاب واضح على الديمقراطية الدستورية.

ومع أن حكومة كارمونا لم تصمد سوى 48 ساعة قبل أن تعيد الاحتجاجات الشعبية الحاشدة شافيز إلى السلطة، فإن تورط ماتشادو في محاولة الانقلاب هذه يُلقي بظلاله على كل ما تلاه في مسيرتها السياسية.

بعد فشل الانقلاب، واصلت ماتشادو قيادة منظمة "سوماتي"، التي حصلت على تمويل مثير للجدل من الحكومة الأميركية بعدما قدّم لها الصندوق الوطني للديمقراطية (NED) الذي يصفه النقاد عادة بأنه أحد أذرع وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) منحة تقدر بـ53 ألف دولار بهدف "مراقبة" عملية جمع توقيعات تهدف للإطاحة بالرئيس شافيز.

وبحلول وقت إجراء الاستفتاء على بقاء شافيز عام 2004، كان الصندوق الأميركي قد أنفق مئات الآلاف من الدولارات في أدنى الأحوال على جهود تقويض النظام الفنزويلي، لكن النتائج النهائية جاءت مخيبة للآمال، حيث فاز شافيز في الاستفتاء بنسبة 58% تحت رقابة مركز جيمي كارتر ومنظمة الدول الأميركية اللذين قدما تعهدات وشهادات حول شفافية ونزاهة عملية الاقتراع.

إعلان

لاحقا انتقلت ماريا ماتشادو إلى العمل السياسي الرسمي بعد انتخابها لعضوية الجمعية الوطنية (البرلمان الفنزويلي)، واشتهرت حينها بسبب مناظرتها المتلفزة مع شافيز التي واجهته فيها بالقول إن "المصادرة سرقة"، تعبيرا عن معارضتها القاطعة للنموذج الاقتصادي الاشتراكي للحكومة وتأميم ملكية الشركات.

غير أن رحلتها البرلمانية بلغت نهايتها في عام 2014، حين طردتها الجمعية الوطنية إثر إلقائها كلمة في اجتماع منظمة الدول الأميركية في بيرو سلطت الضوء على "الانتهاكات الحكومية" وطلبت التدخل الأجنبي ضد نظام مادورو (خليفة شافيز في السلطة منذ عام 2013) وهو ما اعتبرته السلطات في فنزويلا انتهاكا لدستور البلاد وسيادتها.

مصدر الصورة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ويظهر من ورائه الرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز (الأوروبية)

أيقونة الليبرالية الجديدة

في ذلك الوقت، كانت فنزويلا تمر بمرحلة انتقالية مضطربة، فبينما كان هوغو شافيز قائدا منتخبا ديمقراطيا يحظى بقبول شعبي واسع رغم جنوحه للاستبداد نسبيا خلال سنواته الأخيرة، كان من الواضح أن خليفته نيكولاس مادورو لا يتمتع بنفس الدعم الشعبي، مما دفعه للجنوح سريعا نحو السلطوية المفرطة وتقويض الأسس الديمقراطية للبلاد.

هذا التغير السياسي عكس في جوهره الحقائق الاقتصادية المتغيرة في كاراكاس، ففي عهد هوغو شافيز (1999-2013)، طبقت الحكومة ما يُعرف بـ"اشتراكية القرن الحادي والعشرين" التي استخدمت أسعار النفط المرتفعة لتمويل برامج اجتماعية ضخمة، مما أدى إلى الحد من الفقر وتحسين مؤشرات الصحة والتعليم. إلا أن هذا النموذج فشل في تنويع الاقتصاد بما يتجاوز الاعتماد على النفط، وأهمل الاستثمار في البنية التحتية الإنتاجية، وتسبب في تفاقم الفساد.

وعندما انهارت أسعار النفط بعد رحيل شافيز عام 2014، انفجرت هذه المشكلات الهيكلية لتتحول إلى أزمة اقتصادية وسياسية. وفي عهد نيكولاس مادورو انكمش الاقتصاد بنسبة 86% بين عامي 2014 و2021، وهو أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث.

تسبب ذلك في تداعي أنظمة الرعاية الصحية، وانتشر نقص الغذاء على نطاق واسع لدرجة أن 75% من الفنزويليين عانوا من نقصان الوزن بسبب سوء التغذية، وفرّ أكثر من 7.9 ملايين فنزويلي -أي ما يقرب من ربع السكان- من البلاد.

أعطت الأوضاع الاقتصادية المتردية لفنزويلا فرصة لمعارضي السياسات "الشافيزية" من أمثال ماتشادو التي بشرت باستعادة النموذج الاقتصادي الليبرالي الذي سبق شافيز رغم أن ذلك النموذج سبق أن خذل ملايين الفنزويليين، وأشعل فتيل الاضطرابات الاقتصادية السياسية التي أوصلت شافيز إلى السلطة بعد أن ألقى 80% من الفنزويليين في براثن الفقر.

وكما لاحظ العديد من المحللين، فإن أزمة فنزويلا عكست أمراضًا متوطنة في الثقافة والمؤسسات السياسية الفنزويلية سبقت شافيز ومادورو. فقد شهدت البلاد ثلاث كوارث اقتصادية منذ الاستقلال، تعود جذور كل منها إلى "معارك ضارية" بين النخب والمؤسسات التي "لم تُوفق في حلّ نزاعاتها الداخلية".

رغم ذلك، لا يزال الاقتصاد يقبع في قلب الرهانات السياسية لماتشادو وداعميها في الداخل والخارج. تؤمن صاحبة نوبل بالنيوليبرالية وحرية السوق أيما إيمان، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام أطلقت عليها لقب "المرأة الحديدية" أو "مارغريت تاتشر فنزويلا".

ففي مقابلة أجريت في فبراير/شباط 2025 مع دونالد ترامب الابن، الابن الأكبر للرئيس الأميركي ترامب عرضت ماتشادو خططها بوضوح تُحسد عليه قائلة إنها تنوي طرد الحكومة من قطاع النفط وخصخصة الصناعة بأكملها.

وحين سألها ماذا يحدث في فنزويلا الآن؟ ردَّت قائلة: ما يحدث في فنزويلا هو أننا نعيش تحت استبداد شديد، فنزويلا مختطفة من عصابة متصلة بكارتيلات المخدرات، وبأعداء الولايات المتحدة، مثل إيران، وحزب الله، وحماس، والصين، وغيرها.

إعلان

ثم كرَّرت أثناء المقابلة فكرة مفادها أن أمان الولايات المتحدة متصل اتصالًا وثيقًا بفنزويلا، وكرَّرت ذكرها لما أسمتهم بالأعداء المشتركين.

وحين سألها ترامب الابن لماذا يجب أن تهتم أميركا بفنزويلا، أجابت بثلاثة أسباب:

الأول هو العلاقات الوطيدة بين نظام مادورو والإيرانيين والسوريين، ثم زعمت أن تشافيز ومادورو منحا عشرة آلاف من هؤلاء السوريين والإيرانيين جوازات سفر فنزويلية وأنهم تحولوا إلى "إرهابيين مسلمين".

والثاني هو كون نظام مادورو، بحسب زعمها، المُنظِّم لجماعات تجارة المخدرات وأنه من يديرها، والثالث هو أن سياسات مادورو حملت الكثير من الفنزويليين للهجرة نحو الخارج بحسب ما ذكرته ماتشادو، في إشارة إلى أن هذه السياسات تؤثر على الهجرة غير النظامية التي تعاني منها أميركا.

وأكثر من ذلك، وعدت ماتشادو بأنه في حال الإطاحة بمادورو (بمساعدة الولايات المتحدة) ستصبح فنزويلا "أروع فرصة للاستثمار للشركات الأميركية" مؤكدة أن هناك "أشخاصا طيبين سيجنون أموالا طائلة". كما دعت ترامب الابن إلى "نسيان السعودية"، أكبر مصدري النفط في العالم، لأن فنزويلا تمتلك احتياطيات نفطية أكبر، سوف تُفتح كليا أمام الشركات الأميركية.

تمثل هذه الرؤية إعادة هيكلة جذرية للمجتمع الفنزويلي، تتجاوز بكثير مجرد إزاحة زعيم استبدادي. تقترح ماتشادو خصخصة شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA)، وإعادة جميع الشركات المصادرة إلى مالكيها السابقين بما في ذلك شركة الصلب الفنزويلية "سيديرورجيكا فنزولانا" (Siderúrgica Venezolana) التي كان والدها يديرها قبل مصادرتها. كما تعتزم استبدال نظام الرعاية الاجتماعية في فنزويلا بما تسميه "مجتمعًا مكتفيًا ذاتيًّا".

تبدو هذه الفلسفة الاقتصادية مستقاة من أفكار مهندسي السياسات النيو ليبرالية أمثال لودفيغ فون ميزس وميلتون فريدمان، مهندسي السياسات النيوليبرالية السيئة السمعة التي تسببت في تدمير العديد من الدول في أميركا اللاتينية.

بالنسبة لمؤيدي ماتشادو، تمثل هذه الأجندة إصلاحًا ضروريًّا قائمًا على السوق لإنقاذ فنزويلا من فشل الاشتراكية، أما بالنسبة لمنتقديها، فإن الأمر لا يعدو كونه استعادة لسيطرة النخبة على الموارد الطبيعية لفنزويلا.

يحدث ذلك في توقيت مهم للغاية، فمع امتلاك فنزويلا لأكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، تسعى شركات الطاقة الأميركية والعالمية منذ فترة طويلة للوصول إلى الموارد التي تسيطر عليها حاليًّا حكومة مادورو وتُصدّر بشكل أساسي إلى الصين. وتقدم ماتشادو لهؤلاء ما يريدونه تماما: خصخصة كاملة تنقل السيطرة على ثروة فنزويلا النفطية من أيدي الدولة إلى سيطرة شركات خاصة غالبيتها أجنبية.

غير أن خصخصة الموارد الوطنية وتفكيك أنظمة الرعاية الاجتماعية في بلد يعيش نصف سكانه على أقل من ثلاثة دولارات يوميًّا من شأنهما أن يُشعلا صراعًا اجتماعيًّا واسعا بدلا من أن يحدثا تغييرا سياسيا، فضلا عن أن يصنعا سلاما، وهو ما يسلط الضوء على أخطار الرؤية الاقتصادية للمعارِضة الفنزويلية التي يحتفي بها العالم اليوم.

لكن أيا من السياسات التي تتبناها ماتشادو لا تضاهي في "نكارتها" دعمها المستميت للعقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على فنزويلا، وهي إجراءاتٌ يقول خبراء مستقلون إنها أودت بحياة عشرات الآلاف من مواطني البلاد.

مصدر الصورة زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو في كاراكاس ، فنزويلا في 28 يوليو 2024 (الأناضول)

من "سلام الجوع" إلى التدخل العسكري

تسببت العقوبات الأميركية لفنزويلا، المُطبّقة تدريجيًّا منذ عام 2017 في عواقب إنسانية مُدمّرة وثّقها العديد من خبراء وتقارير الأمم المتحدة والتقارير المستقلة. على سبيل المثال، وجد تقريرٌ صادرٌ عن مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR) في واشنطن عام 2019 أن العقوبات أدّت إلى أكثر من 40 ألف حالة وفاة بين عامي 2017 و2018 فقط.

ووثق التقرير كيف فاقمت العقوبات الانهيار الاقتصادي لفنزويلا، وتسببت في انتشار سوء التغذية، وعرقلت الوصول إلى الأدوية (مما أثر في قدرة أكثر من 300 ألف فنزويلي على الوصول إلى الخدمات الصحية، منهم 80 ألف مريض بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) و16 ألف مريض بالكلى، و16 ألف مريض بالسرطان)، وساهمت في زيادة معدلات الوفيات بنسبة 31%.

لاحقا، قدّر المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة، ألفريد دي زاياس، أن العقوبات قد أودت بحياة أكثر من 100 ألف فنزويلي بحلول أوائل عام 2020.

إعلان

وفي فبراير/شباط 2021، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، تقريرًا لاذعًا وصفت فيه عقوبات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنها "مدمرة" لحقوق الإنسان في فنزويلا وعلى رأسها الحق في الطعام والصحة والحياة، وأكدت أنها تُشكل "انتهاكات للقانون الدولي".

في غضون ذلك، انخفضت واردات الأغذية الفنزويلية من 11.2 مليار دولار في عام 2013 إلى 2.46 مليار دولار في عام 2018، وذلك نتيجة مباشرة لخسارة الإيرادات الناجمة عن العقوبات. كان الأثر الإنساني لذلك بالغ الشدة لدرجة أنه تسبب في أكبر أزمة لاجئين في النصف الغربي من العالم.

المفارقة أنه طوال هذه الكارثة الإنسانية، ظلت ماتشادو من أشدّ المناصرين للحفاظ على العقوبات بل إنها طالبت واشنطن بزيادة الضغط الاقتصادي.

يمكن لهذا النهج "الجاف" في التعامل مع قضية العقوبات وتأثيرها المدمر أن يمهد الطريق لفهم موقف ماتشادو من التدخلات الأجنبية ضد النظام في فنزويلا. فالسياسية المعارضة ترى على ما يبدو أن جميع الأثمان مقبولة في سبيل الإطاحة بالنظام سواء أكانت تجويع الفنزويليين الذين تتطلع لحكمهم بالعقوبات أو الدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي للإطاحة بالحكومة.

فعندما انتشرت سفن البحرية الأميركية قبالة سواحل فنزويلا وبدأت مهاجمة القوارب التي زعمت إدارة ترامب أنها تحمل مخدرات، رحّبت ماتشادو بهذه العمليات العسكرية.

وعندما أذن ترامب مؤخرا بعمليات وكالة المخابرات المركزية الأميركية داخل فنزويلا، وأشار إلى إمكانية امتداد الحملة العسكرية "إلى البر"، أشادت ماتشادو بهذه الإجراءات بدلًا من إدانة التهديد الموجه لبلادها والانتهاك الفاضح لسيادتها.

قبل ذلك خلال العام الماضي، روّجت ماتشادو بقوة لنظرية تفيد بسيطرة الرئيس مادورو على عصابة ترين دي أراغوا الإجرامية، زاعمة أنه يستخدمها لـ"غزو" الولايات المتحدة.

ورغم أن التحقيقات المستقلة الصادرة عن وكالات الاستخبارات الأميركية نفسها دحضت هذه الرواية إلى حد كبير باعتبارها مبالغًا فيها أو لا أساس لها من الصحة، فإنها وفرت لإدارة ترامب مبررًا للانتشار العسكري قرب فنزويلا، وترحيل 238 فنزويليًّا إلى سجن قاسٍ في السلفادور دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.

يكشف هذا النمط عن النهج الإستراتيجي لماتشادو وداعميها في الولايات المتحدة: فمن خلال تصوير الصراع على أنه صراع ضد "إرهاب المخدرات" بدلًا من كونه مجرد "معارضة سياسية"، تُقدم ماتشادو مبررًا أخلاقيًّا للتدخل العسكري الذي من شأنه أن ينتهك الحظر الذي يفرضه القانون الدولي على تغيير الأنظمة بالقوة.

هذا النهج يتقاطع بالطبع مع مصالح الولايات المتحدة التي تتجاوز اهتمامها المصطنع بالديمقراطية الفنزويلية.

من أميركا إلى إسرائيل

تقع كاراكاس في نقطة تقاطع عدد من الأولويات الأميركية على رأسها أمن الطاقة، حيث تسيطر حكومة مادورو على احتياطات نفطية ضخمة، وتُصدر إنتاجها بشكل أساسي إلى الصين، مع حضور محدود للولايات المتحدة عبر شركة شيفرون التي حصلت على استثناء خاص من العقوبات للعمل في هذه الدولة اللاتينية.

تنتج فنزويلا حاليًّا حوالي مليون برميل يوميًّا، بانخفاض عن ثلاثة ملايين برميل في عهد شافيز، ولكن بإمكانها زيادة الإنتاج بسرعة من خلال الاستثمار الأجنبي. وكما ذكرنا، وعدت ماتشادو صراحةً الشركات الأميركية بالوصول غير المقيد إلى هذه الموارد من خلال الخصخصة.

تعد تلك مكافأة اقتصادية كبيرة، فكما أخبرت ماتشادو ترامب الابن، فإن الشركات الأميركية التي تستثمر في النفط الفنزويلي سوف تجني "أرباحًا طائلة" وهو وعدٌ يجعل جهود الولايات المتحدة لتغيير النظام مجزية اقتصاديا.

كما أن هذه الجهود سوف تكون مجزية جيوسياسيا أيضا في إطار مواجهة الولايات المتحدة مع روسيا التي بنت مؤخرا مصنعا للذخائر في فنزويلا، إضافة إلى الصين التي قدمت مليارات الدولارات من القروض والاستثمارات لكاراكاس خاصة في قطاع النفط.

بالنسبة للإستراتيجيين الأميركيين، يُمثّل منع هذين الخصمين من ترسيخ موطئ قدم دائم في الفضاء الأميركي مصلحةً أمنيةً جوهرية. بعد ذلك تأتي قضية الهجرة الفنزويلية التي تحولت إلى مسألة داخلية مهمة في الولايات المتحدة، حيث وعدت إدارة ترامب بترحيل نحو 600 ألف فنزويلي بعد إنهاء وضع "الحماية المؤقتة" الذي يتمتعون به.

وهنا تتجلى مفارقة واضحة تُظهر كيف تغرق الولايات المتحدة في مشكلات من صنع أيديها، فبينما تدمر العقوبات الأميركية اقتصاد فنزويلا وتدفع المزيد من الناس إلى الفرار، تواصل إدارة ترامب مطاردة المهاجرين عبر تدابير قاسية وممارسات غير رحيمة.

على نطاق أوسع، يُشير دعم الولايات المتحدة لماتشادو إلى استعداد أميركا لدعم تغيير النظم "اليسارية" بغض النظر عن شرعيتها الديمقراطية.

وهذا يُرسل رسالة إلى دول أميركا اللاتينية الأخرى التي تُفكر في سياسات تُشكل تحديًا للمصالح الاقتصادية الأميركية مفادها أن الانحياز إلى واشنطن سوف يُكافأ، بينما ستواجه المحاولات الاستقلالية بقوة تصل إلى حد التدخل العسكري إذا لزم الأمر، في إشارة واضحة إلى عودة السياسات الأميركية القسرية في فنائها الخلفي.

لا تقتصر علاقات ماتشادو المثيرة للجدل على الولايات المتحدة، بل تتجاوزها إلى الحركات اليمينية المتطرفة الأوروبية. ففي وقت سابق من العام الحالي ألقت ماتشادو كلمة في تجمع "وطنيون من أجل أوروبا" وهو تكتل يميني متطرف ضمّ متحدثين مثل السياسي الهولندي خيرت فيلدرز والسياسية الفرنسية مارين لوبان.

أفادت وكالة رويترز حينها أن المتحدثين "انتقدوا سياسات الهجرة" و"دعا معظمهم إلى حروب استرداد (Reconquista) جديدة، في إشارة إلى استعادة الممالك المسيحية للأراضي التي كانت تحت سيطرة المسلمين من شبه الجزيرة الأيبيرية التي انتهت بسقوط غرناطة عام 1492.

لكن الأكثر أهمية هو علاقتها بحزب الليكود الإسرائيلي بقيادة نتنياهو الذي وقعت معه اتفاقية تعاون عام 2020.

وقد أعربت ماتشادو في غير ما مناسبة عن دعمها لإسرائيل، ونشرت تصريحات جدلية مثل "نضال فنزويلا هو نضال إسرائيل"، ووصفت دولة الاحتلال بأنها "حليف حقيقي للحرية" مقدمة إشادة خطابية فاضحة بدولة متهمة بارتكاب إبادة جماعية ومجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية.

كما تعهدت ماتشادو بنقل سفارة فنزويلا إلى القدس عند وصولها للسلطة، منحازةً بذلك إلى مواقف اليمين المتطرف بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومتخليةً عن الإجماع الدولي الداعم لقيام الدولة الفلسطينية.

تكشف هذه الارتباطات الدولية عن نمطٍ واضح: إذ تميل ماتشادو للتحالف مع الحركات اليمينية المتطرفة والموالية للغرب والقوى الاستعمارية العسكرية بدلًا من بناء تحالفات قائمة على الديمقراطية والعدالة والسلام، وتجنح ميولها السياسية إلى الاحتفاء بشخصيات مثل ترامب وفيلدرز ولوبان ونتنياهو وجميعهم من القادة ذوي النزعات القومية الذين يتبنون سياسات عنصرية وكارهة للأجانب.

وهو ما يُعيدنا إلى جائزة نوبل والجدل الذي أثاره منحها لماريا ماتشادو، وما إذا كانت الجائزة تعدّ تكريما للنضال الديمقراطي والسلام أم وسيلة لتكريس الهيمنة الجيوسياسية للغرب.

محاكمة نوبل

هناك العديد من الأسئلة والتناقضات الجوهرية التي يطرحها فوز ماتشادو بجائزة نوبل. أول هذه التناقضات يتعلق بتكريم شخصية حاولت سابقا تفكيك المؤسسات الديمقراطية والانقلاب على الدستور ومنحها شارة "مناصرة الديمقراطية".

مصدر الصورة شخصٌ يُظهر عبر هاتفه الذكي إعلان الموقع الإلكتروني الرسمي لجائزة نوبل للسلام لعام2025، الذي مُنح لماريا كورينا ماتشادو في كاراكاس، فنزويلا، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (غيتي)

بعد ذلك تأتي التساؤلات حول أجندتها الاقتصادية التي تخدم مصالح النخبة والأجانب والتي تتعارض جوهريًّا مع الدعوة إلى السلام التي يُفترض أنها أهلتها لنيل جائزة نوبل. ولم نذكر بعد الخلل الأخلاقي الجوهري المتمثل في الاستعداد للتضحية بعشرات الآلاف من أرواح الفنزويليين لتحقيق الأهداف السياسية، سواء عبر العقوبات القاسية أو التدخلات العسكرية الأجنبية.

يُشير قرار لجنة نوبل بتجاهل هذا السجل إلى أن بعض أشكال العنف السياسي يمكن التغاضي عنه ما دام يخدم المصالح الجيوسياسية الغربية وأن "الحروب الاقتصادية" القاتلة -حقيقة لا مجازا- يمكن إعادة تعريفها على أنها نوع من أنواع الضغط أو المساءلة.

وهكذا تُضفي جائزة نوبل شرعية فعلية على نوع من العنف المبطن، مع الحفاظ على "صورة" كونها تُمثل النضال الديمقراطي، وهو ما ينسجم مع السياق التاريخي الأوسع لتسييس الجائزة لخدمة المصالح الغربية.

يبدو تكوين لجنة الجائزة مسيسا بطبيعته: إذ يُعيّن البرلمان النرويجي أعضاءها الخمسة ليعكسوا التوازن السياسي للهيئة التشريعية، مما يعني أن السياسة الداخلية النرويجية تؤثر بشكل مباشر في قراراتها.

يجتمع هؤلاء في غرفة محاطين بصور الحائزين السابقين على الجائزة، التي يصفها رئيس اللجنة الحالي يورغن واتن فريدنس بأنها تُذكّرهم بـ"الشجاعة والنزاهة"، وهي قيم يمكن تطويعها بسهولة لتتوافق مع التعريفات والمعايير الغربية.

في الحقيقة، يُظهر تاريخ الجائزة توافقًا راسخا مع الأولويات الجيوسياسية الغربية. المثال الأبرز على ذلك هو جائزة عام 1973 التي مُنحت لهنري كيسنجر والمتحدث باسم الوفد الفيتنامي الشمالي إلى مؤتمر باريس للسلام، لي دوك ثو، التي تسببت في استقالة عضوين من لجنة الجائزة احتجاجا.

فقد كان كيسنجر، بصفته مستشار الأمن القومي الأميركي، أبرز مهندسي القصف السري لكمبوديا ولاوس خلال حرب فيتنام، كما دعم الانقلاب العسكري في تشيلي، وكان مسؤولًا عن سياسات أودت بحياة آلاف المدنيين في جنوب شرق آسيا.

تعرضت الجائزة لانتقادات كبيرة آنذاك ووصفت سخرية بـ"جائزة نوبل للحرب". غير أن ذلك لم يمنع لجنة نوبل طوال فترة الحرب الباردة من التماهي مع التوجهات الأيديولوجية للكتلة الغربية، كما حدث في جائزة عام 1975 التي مُنحت للفيزيائي والعالم النووي السوفياتي المعارض أندريه ساخاروف نكايةً في السوفيات.

وبعد نهاية الحرب الباردة، تحولت الجائزة إلى أداة للقوة الناعمة، بعدما بدأ الغرب يستخدم خطاب "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" و"الحرية" أداةً لخدمة مصالحه.

كانت جائزة عام 2009 التي مُنحت لباراك أوباما، بعد تسعة أشهر فقط من توليه الرئاسة في ظل استمرار الحروب في أفغانستان والعراق وتصعيد ضربات الطائرات المسيرة بمثابة نقطة تحول جديدة.

وبدلًا من الاعتراف بالإنجازات الملموسة من أجل السلام، كانت الجائزة بمثابة حملة علاقات عامة تهدف إلى تعزيز صورة القيادة الدولية الليبرالية الجديدة وتجديد السلطة الأخلاقية الغربية التي تعرضت لانتكاسات كبيرة تحت حكم بوش الابن والمحافظين الجدد.

وجاءت جائزة عام 2010 التي مُنحت للمعارض الصيني ليو شياوبو لتبرهن على توظيف الجائزة للضغط على الحكومات التي تتحدى الغرب، وهو ذات النمط التي تجسده جائزة ماتشادو على الأرجح.

ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى الإطاحة بحكومة فنزويلا للاستحواذ على مواردها النفطية وتقويض تحالفها مع الصين وروسيا، تُضفي لجنة نوبل شرعية أخلاقية على هذا الجهد من خلال تكريم زعيمة المعارضة المتماهية مع المصالح الأميركية.

في غضون ذلك، تعيد الجائزة تأطير النقاش السياسي الفنزويلي عبر دفع الفنزويليين (والأميركيين اللاتينيين بشكل عام) إلى الاختيار بين استبداد مادورو وسياسات ماتشادو، وتحاصر الحركات الأخرى التي تُعارض كلًّا من الاستبداد والليبرالية الجديدة. كما تهدف إلى ضمان أن أي حكومة بعد مادورو سوف تدور في فلك الاستعمار الأميركي الجديد بدلًا من أن تبحث عن سيادة وطنية حقيقية.

في الصورة الأوسع، يعزز تقديم ماتشادو كبطلة للديمقراطية مع تجاهل دعمها للانقلابات والعقوبات والتدخل العسكري الأجنبي تعريفًا مُحددًا للديمقراطية يتماشى مع الأسواق الحرة والمصالح الغربية والهيمنة الأميركية. وهي رسالة مبطنة للقادة في الجنوب العالمي الذين يرغبون في شق طرقهم الخاصة دون أن يضطروا إلى الاختيار بين معاداة الإمبريالية الغربية والالتزام بالمبادئ الديمقراطية.

يمتلك هؤلاء القادة وشعوبهم، بالأخص في أميركا اللاتينية ذاكرة مريرة للانقلابات والتدخلات المدعومة من الولايات المتحدة، من غواتيمالا إلى تشيلي وصولًا إلى نيكاراغوا حيث أطاحت الولايات المتحدة بالحكومات التي تحدت المصالح الاقتصادية الأميركية، ونصبت ديكتاتوريات وحشية.

وفي العصر الحديث، أظهر انقلاب هندوراس عام 2009 وانقلاب بوليفيا عام 2019 أن تغيير النظم "غير الصديقة" لا يزال حاضرا على الأجندة الأميركية.

تُبرز الردود الإقليمية على انتخابات فنزويلا عام 2024 هذه المعضلة اللاتينية، ففي حين سارعت الحكومات اليمينية مثل الأرجنتين وأوروغواي (تحت قيادة ألفارو ديلغادو قبل أن تتحول إلى اليسار بعد فوز ياماندو أورسي بانتخابات نوفمبر 2024) إلى رفض الاعتراف بفوز مادورو، والإقرار بأدلة المعارضة على التزوير، اتخذت الحكومات اليسارية في البرازيل وكولومبيا والمكسيك في البداية مواقف أكثر حذرًا، عالقةً بين تعاطفها الأيديولوجي مع اليسار و"معاداة الإمبريالية" والتزامها بالمبادئ الديمقراطية.

وكان الرئيس التشيلي الشاب غابرييل بوريك هو صاحب الموقف الأقوى بين القادة اليساريين، حيث أدان حكومة مادورو إدانةً قاطعة، ورفض الاعتراف بالنتائج ما لم يتم اعتمادها من قبل مراقبين مستقلين.

وقد زاد موقفه من الضغط على قادة اليسار الآخرين للنأي بأنفسهم عن مادورو، وسلط الضوء على انقسام "جيلي" واضح داخل اليسار في أميركا اللاتينية حول ما إذا كانت الاشتراكية تتطلب الدفاع عن الحكومات الاستبدادية لمجرد معارضتها للولايات المتحدة.

ومع ذلك، لا يزال العديد من القادة اللاتينيين متشككين بشدة في ماتشادو بغض النظر عن آرائهم بشأن نيكولاس مادورو. ومنهم الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس الذي ندد بمنحها جائزة نوبل للسلام، قائلا إن الجائزة ذهبت إلى شخصية "روجت للقمع والتدخل العسكري والانقلابات" واصفا ذلك بأنه "غير أخلاقي" و"يشجع على استخدام العنف".

وكذلك، أدان الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل الجائزة معتبرا أنها جزء من الحملة الغربية ضد الحكومات اليسارية. وهكذا، أثارت الجائزة انقسامًا في أميركا اللاتينية بين دعم ماتشادو والتأييد الضمني للتدخل الأميركي، وبين انتقاد الجائزة والتعرض للاتهام بالدفاع عن استبداد مادورو.

هذه الثنائية الصارمة ألغت المساحة المتاحة للموقف الرئيسي الذي يتبناه العديد من مواطني أميركا اللاتينية: معارضة دكتاتورية مادورو والتدخل الأميركي في الآن ذاته.

ديمقراطية أم إمبراطورية؟

السؤال الأخير الذي تطرحه جائزة نوبل هذا العام هو: هل ماريا ماتشادو ناشطة ديمقراطية شجاعة تستحق التقدير الدولي، أم أنها وكيلة للمصالح الأميركية تتخفى في خطاب ديمقراطي؟ تدعم الأدلة كلا التفسيرين بنسب متفاوتة، فمن الواضح أن الرئيس مادورو يترأس حكما استبداديا وأنه فكك المؤسسات الديمقراطية وقمع المعارضة، وتسبب -جزئيا- في كارثة اقتصادية. ومن الواضح أيضا أن التلاعب بانتخابات عام 2024 كان صارخًا، لدرجة أن العديد من القادة اليساريين لم يجدوا جرأة للدفاع عنه.

ولكن في المقابل لا يبشر سجل ماريا ماتشادو السياسي بأي دعوة حقيقية للديمقراطية والسلام. فهي في أفضل الأحوال شخصية مثيرة للانقسام لديها استعداد لتكبيد شعبها تكاليف باهظة لتحقيق أهدافها السياسية، وفي أسوأ الأحوال، تُمثل أداةً لتغيير النظام لصالح الولايات المتحدة. وهكذا يصعب منحها جائزة نوبل الانتقال الديمقراطي السلمي في فنزويلا بدلا من أن يسهله، ويضيق المجال أمام الحلول السياسية، ويسد الطريق أمام أشكال المعارضة الأخرى.

على الصعيد العالمي، تبرز جائزة هذا العام المعايير الغربية المزدوجة التي تجعل العنف السياسي مقبولًا عندما يخدم المصالح الغربية، وهو ما يضع مسمارا جديدا في نعش مصداقية الجائزة التي تعاني بشدة. تعد تلك نهاية تليق تماما بجائزة وُلدت من رحم الديناميت، ومُنحت مرارا للقتلة ومجرمي الحرب وانتهت أداة لتبرير حشد البوارج وشن الحروب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا