آخر الأخبار

أحلام نتنياهو: تبخّرت أم تأجّلت؟

شارك

بعد أن هدأت معركة غزة، وتوجه الاهتمام إلى أمور إجرائية عقب عودة الرهائن وتحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، يصبح السؤال الجوهري: هل انتهى مخطط نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل حول سياسة التهجير والضم بعد اتفاق شرم الشيخ في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025؟

قبل عدة أشهر، توالت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تؤكد أن الدول العربية والإسلامية ترفض مخطط التهجير، وترفض أيضا مشروعه المسمى "ريفييرا غزة"، الذي كان يهدف إلى تحويل القطاع إلى مشروع تجاري استثماري، غايته الاقتصادية تحقيق الربح، وغايته السياسية ضمان أمن الكيان الصهيوني.

وعشية التوقيع على اتفاق شرم الشيخ، صرح الرئيس الأميركي بأنه لا يؤيد ضم الضفة الغربية، على الرغم من كونه قد وافق سابقا على ضم الجولان للاحتلال الصهيوني، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ومما لا شك فيه أن ما حدث يُعد تقدما ملحوظا في الرؤى، وتحولا في السياسات، بغض النظر عن مدى عمق هذا التحول.

أحلام نتنياهو.. تبخرت أم أُرجئت؟

هكذا يبدو أن أحلام نتنياهو قد تبخرت، أو إن شئتَ القول، أُرجئت إلى أجل غير معلوم، إذ إن عقيدته اليمينية المتطرفة تستند إلى رؤية تهدف إلى تغيير ملامح المنطقة بأكملها من خلال تصفية القضية الفلسطينية تصفية شاملة، وليس فقط عبر فرض مخططي التهجير والضم.

ومن أبرز النجاحات التي تحققت بفعل حرب غزة، إدراك الرأي العام العالمي حقيقة هذا الكيان الاستعماري. فقد انكشفت صورته الزائفة، ولم يَعُد يُرى ككيان مهدَد من محيط عربي طاغٍ، ولا كواحة ديمقراطية في محيط من الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة، كما كان يُروَج له طويلا.

لقد تبين للعالم، وبلا أدنى لبس، أن هذا الكيان يمارس سياسات تقوم على الإبادة الجماعية، والتجويع، ونهب الثروات، وتدنيس المقدسات، والعنصرية المقيتة. ولم تقتصر إعادة تشكيل هذه الصورة على بلدان غرب أوروبا، أو أستراليا، وكندا، بل اخترقت كذلك جدرانا صماء طالما كانت سندا تقليديا لإسرائيل.

إعلان

والمقصود هنا على وجه التحديد ألمانيا، التي ارتبط موقفها المؤيد لإسرائيل بعقدة الذنب التاريخية الناتجة عن الهولوكوست. ويشمل التحول أيضا مواقف الدوائر السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة، لا سيما في أوساط الشباب داخل الحزبين؛ الديمقراطي والجمهوري.

هذا التحول مثل مصدر قلق بالغ لإسرائيل، خاصة في ظل نجاح الفلسطينيين- أو لنقل: نجاح جميع القوى العالمية المؤيدة للسلام- في معركة الصورة والسمعة والمكانة، التي خسرتها إسرائيل عن جدارة؛ بسبب سياساتها الرعناء والمتغطرسة.

هذه السياسات، القائمة على العدوان وتصفية الخصوم وقتل وتجويع المدنيين واستهداف الصحفيين والإعلاميين، باتت تُفضح يوما بعد يوم، إذ تُرتكب في ظل دعم مباشر من الإدارة الأميركية عموما، والرئيس ترامب على وجه الخصوص، رغم أنه بات اليوم، تقريبا، الداعم الأوحد للكيان الصهيوني.

سياسة فلسطينية لإفشال المخطط الصهيوني

أحد أهم الأمور التي يجب العمل لتحقيقها دون كلل، هو أن تبادر البلدان العربية إلى تبني سياسات فاعلة تُسهم في قطع الطريق على المخطط الصهيوني، مع ضرورة استكمال ما أنجزته حرب غزة من فضح لصورة الكيان أمام الرأي العام العالمي، وذلك بهدف ترسيخ ضعف تلك الصورة وتثبيتها في الأذهان.

بعبارة أخرى، لا بد من عمل عربي دؤوب ومباشر، يتجاوز منطق رد الفعل إلى الفعل الاستباقي، في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتسارعة.

أما على المستوى الفلسطيني، فإن هذا التوجه لا يمكن أن ينجح إلا من خلال تحقيق المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، إذ إن الانقسام بين رفاق المقاومة، هو ما أدى إلى حالة التشرذم والقطيعة التي تشهدها الفصائل الفلسطينية اليوم.

في المقابل، فإن هذه المصالحة تمثل السبيل الوحيد القادر على التصدي لمخططات الكيان الصهيوني، الذي يسعى إلى خلق بديل فلسطيني متواطئ معه، يدفع نحو مزيد من الانقسام والتفكك الداخلي.

وهنا، يبرز بوضوح الدور الريادي لكل من مصر، وقطر في استكمال جهودهما المتواصلة من أجل إنجاح هذه المصالحة، بما يخدم وحدة الصف الفلسطيني ويعزز صموده في مواجهة مشاريع التصفية والتهجير.

سياسة عربية موحدة لمواجهة السلوك الإسرائيلي

في موازاة جهود المصالحة الفلسطينية، تبرز ضرورة تبني سياسات داعمة من قبل الأطراف العربية، تبدأ أولا بوقف جميع الخطوات التي تصب في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني. ويشمل ذلك كلا من المساعي التي تهدف إلى تعميق العلاقات القائمة أصلا، وتلك التي تسعى إلى إرساء خطوات جديدة مع بلدان لم تُطبع بعد.

الأمر الثاني يتمثل في ضرورة بلورة رؤى عربية بديلة في مواجهة المخططات الإسرائيلية ذات الطابع الاستعماري، وفي مقدمتها ما يُعرف بمشروع "الشرق الأوسط الجديد".

وهنا تبرز حقيقة مهمة، وهي أن أطرافا إقليمية- كتركيا وإيران- تمتلك بالفعل رؤى متقدمة لمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يفرض على الدول العربية أن تكون لها رؤيتها الخاصة؛ حفاظا على كيانها السياسي ووحدة منطقتها في وجه الأطماع الخارجية.

من أبرز الخطوات العملية في هذا الصدد، العمل على تعزيز التعاون الاقتصادي العربي، ضمن إطار من الاعتماد المتبادل، والابتعاد عن كل أشكال التعاون الأمني مع إسرائيل، لا سيما تلك التي تُوظف ضد دول عربية أخرى.

إعلان

كما تندرج ضمن هذه الرؤية مشاريع إستراتيجية كـ"الحزام والطريق"، والتي يمكن أن تُطرح كبدائل جيوسياسية واقتصادية لـ"خط الحرير الصيني"، بما يخدم مصالح المنطقة العربية بصورة مستقلة عن الرؤى الإسرائيلية، أو الدولية المفروضة.

تدعيم أواصر التعاون مع إيران وتركيا

ويمثل التعاون مع إيران وتركيا أحد المسارات المهمة في التصدي للمخططات الصهيونية في المنطقة. فكلما تعزز التعاون العربي مع هذين البلدين، تضاءلت فرص أي تقارب عربي-صهيوني، وتراجعت مبرراته.

من هذا المنطلق، تبرز أهمية إفشال المخطط الصهيو-غربي الهادف إلى شيطنة إيران في أذهان صناع القرار العرب. إذ إن من الأجدى العمل على ترويض إيران سياسيا، بدلا من سياسات التسلح المكلفة؛ تحسبا لمواجهة عسكرية قد لا تقع أبدا. فمئات الملايين من الدولارات التي يتم إنفاقها على التسلح قد تكفي لبناء شراكة إستراتيجية مع إيران تخدم المصالح العربية.

وتعد تركيا، هي الأخرى طرفا إقليميا يمكن استثماره سياسيا واقتصاديا في مواجهة الأطماع الإسرائيلية، ولا سيما بعد تحسن علاقاتها التي توترت مع بعض الدول العربية منذ العام 2013. ومن أبرز مجالات التعاون الممكنة، مشروعات المياه المشتركة بينها وبين سوريا، والعراق، إذ يسهم ذلك في تهدئة التوترات الإقليمية، ويتيح التفرغ لمواجهة الخطر الأكبر.

توازن العلاقات العربية مع الأطراف الدولية

يحتاج العالم العربي أيضا أن يتذكر أن الصين وروسيا تمثلان قوى دولية رئيسة لا يمكن لأي طرف عربي تجاهلها. ومن هذا المنطلق، فإن الرهان على قوة واحدة كالولايات المتحدة دون غيرها هو بمثابة إلقاء البيض في سلة واحدة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى انحسار الخيارات وخنق البدائل المتاحة للدول العربية.

خلال السنوات الأخيرة، كان الاعتماد العربي على الولايات المتحدة مفرطا، فيما سجلوا حضورا ضعيفا في التحالفات مع القوى الأخرى، كروسيا والصين. ولم تكن مشاركة بعض الدول العربية في مجموعة "البريكس" كافية لتحقيق التوازن المطلوب في العلاقات الدولية.

لذلك، يصبح من الضروري تعزيز التعاون العسكري والإستراتيجي مع روسيا والصين، إلى جانب التعاون الاقتصادي، وخصوصا في مجالات مثل الاستثمار المتبادل، ونقل التكنولوجيا، وبناء شراكات تنموية حقيقية، تسهم في تقوية الموقف العربي على الساحة الدولية.

توسيع نطاق الشراكة مع هذه القوى يتيح تنويع مصادر الدعم، ويقلل من حالة الارتهان السياسي والعسكري لجهة واحدة، وهو ما يُعد ركيزة أساسية لأي سياسة خارجية متزنة وقادرة على حماية المصالح العربية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا