آخر الأخبار

تحولٌ مزلزلٌ تجاه إسرائيل

شارك

عندما اختطفت إسرائيل النشطاء الإنسانيين المشاركين في "أسطول الصمود العالمي"، كشفت بذلك عن أبشع صور البشرية، وأحدثت تداعيات سياسية واسعة النطاق.

بعد إطلاق سراح نشطاء "أسطول الصمود العالمي" من قبل خاطفيهم المجرمين، ولقائهم في مطار أثينا، بدت المشاهد صاخبة وفوضوية ومليئة بالتوتر، لكنها مشوقة للمشاهدة.

ففي يوم الاثنين، السادس من أكتوبر/تشرين الأول، استُقبلوا استقبالا حافلا في أثينا، حيث احتشد المئات من المؤيدين بانتظارهم خلف أبواب المطار المعتمة.

اجتمع الناس على جانبي الممر حين ظهرت الناشطة غريتا تونبرغ، ترافقها مجموعة من النشطاء الأكبر سنا الذين أحاطوا بها في حماية واضحة. عبَروا صالة الاستقبال وتوقفوا للإدلاء بتصريحاتهم وسط حشود من الكاميرات والميكروفونات، وكانت كلماتهم الأولى تأكيدا على أن القصة لا تتعلق بهم شخصيا ولا بما تعرضوا له من إساءة، بل بما يتعرض له أهل غزة من تجويع متعمد وإبادة ممنهجة.

في الواقع، غزة هي القصة. بعد عامين من الإبادة الجماعية الواضحة، يشاهد سكان غزة أطفالهم ورضّعهم يموتون بسبب انعدام الغذاء والماء والدواء. ويقول من تبقى في أنقاض مدينة غزة؛ إن معاناتهم باتت تشبه "محو غزة من الوجود". ومع قيام إسرائيل بتدمير المخيمات في المناطق الآمنة، يقول بعضهم بيأس: "الموت أرحم من هذه الحياة".

وفي الأمم المتحدة، قرأ طبيب خدم في غزة "وصية" طفلة في العاشرة من عمرها، قتلت بالرصاص مع أطفال آخرين من طائرات بدون طيار، وهو ما وصفه المتحدث باسم اليونيسيف جيمس إيلدر في لقائه مع مهدي حسن بأنه يمثل "أسوأ ما في البشرية" من قبل إسرائيل.

وتشير التقديرات الجديدة إلى أن عدد من قتلتهم إسرائيل في غزة وصل إلى 68 ألف إنسان، وفقا للمقررة الخاصة للأمم المتحدة في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي، وأن ما يقرب من نصفهم هم من الأطفال دون سن الخامسة.

إعلان

بعد أن انطلقت خمسون سفينة ضمن "أسطول الصمود العالمي" محملة بكافة أشكال المساعدات، وعلى متنها نحو 500 ناشط إنساني، من محامين ومسؤولين ومعلمين وصحفيين من 45 دولة، بدأت آلة الدعاية الإسرائيلية (هاسبارا) عملها بأقصى طاقتها. وزعم بنيامين نتنياهو أن جميع المشاركين "إرهابيون يعملون لحساب حماس". لكن الحملة كانت فاشلة تماما.

ومع عبور الأسطول مياه المتوسط، كان يُحتفى به عالميا. ووفق العديد من المقاييس، فإن محاولة الأسطول كسر الحصار المفروض على غزة كانت من أنجح أعمال التضامن السلمي في التاريخ. فقد أعادت تسليط الضوء العالمي على جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، وأشعلت موجة جديدة من الاحتجاجات والإدانات في الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، وأوروبا.

وارتفعت أصوات الناشطين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل ورفع الحصار عنها. وقد كان لهذه التحركات، الكبيرة منها والصغيرة، أثر مذهل.

في الساعات الأولى من يوم الجمعة، الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، وبينما كانت إسرائيل تعترض سفن الأسطول بشكل غير قانوني، قام نحو 100 متظاهر في ميناء إليزابيث في نيوجيرسي بتعطيل عمليات شحن الأسلحة.

وأوضح بيانهم أن "هذا الموقع يصدر الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل لقتل الفلسطينيين"، وأنهم يتحركون وفقا للقانون الأميركي والدولي، مؤكدين أن شحنات الأسلحة هذه تنتهك قانون جرائم الحرب الأميركي، وقانون ليهي، وقانون المساعدات الخارجية، وقانون مراقبة تصدير الأسلحة، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وقد جاءت هذه الخطوة تضامنا مع المحتجين في موانئ أوكلاند، وأيرلندا، وإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والسويد، واليونان، وبالدرجة الأولى مع "أسطول الصمود العالمي".

من جانبها، جددت المفوضية الأوروبية مطالبتها بفتح ممر إنساني لغزة، وأدانت إسرائيل لانتهاكها "القانون الدولي للبحار"، محذرة من أن ضربات الطائرات بدون طيار أو اعتراض الأسطول يُعدّان عملا غير قانوني.

في حين أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عن إنهاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وأمر بإغلاق بعثتها الدبلوماسية ومغادرتها البلاد. كذلك، تم طرد ناقلات النفط الإسرائيلية من الموانئ الإيطالية في رسالة عالمية رافضة للتعامل مع "دولة ترتكب إبادة جماعية".

تفقد إسرائيل دعمها على الساحة الدولية بوتيرة غير مسبوقة. فالعالم ضاق ذرعا بالعنف الدموي الذي تمارسه هذه الدولة الخارجة عن القانون. وكما جاء في أحد المنشورات الرسمية للأسطول: "تخيلوا أن يتم إرسال 20 سفينة حربية لاعتراض قوارب تحمل مسحوق الحليب للأطفال الجوعى… هذه أبشع صورة للشر على وجه الأرض اليوم!".

بعد أن اعترض سلاح البحرية الإسرائيلي سفن الأسطول بشكل غير قانوني، واختطف المشاركين فيها، انتشرت صور الاعتقال انتشارا واسعا. ومن أكثر الصور صدمة كانت لأولئك الشجعان وهم يُجبرون على الجلوس على الأرض العارية، فيما كان الوزير الإسرائيلي المجرم إيتمار بن غفير يصرخ في وجوههم، ويصفهم بالإرهابيين، ويطلق عليهم التهديدات، ساخرا من معاناتهم، ومعلنا أن عليهم الآن الخضوع لقوانين إسرائيل. وقد تم نقلهم إلى معتقل "كتسيعوت" سيئ السمعة.

إعلان

وقد وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، الحادثة بدقة بقولها: "هذا الاعتراض لا يتعلق فقط بمنع المساعدات، بل هو عمل ترهيبي محسوب، يهدف لمعاقبة وإسكات كل من ينتقد إبادة إسرائيل وحصارها غير القانوني لغزة".

لكن، وفي مفارقة صارخة، فإن المعاملة التي تلقّاها المشاركون في الأسطول من الاحتلال لم تضعف عزيمتهم، بل زادتهم صلابة، وأطلقت موجة احتجاجات جديدة حول العالم.

كان هناك نحو 20 صحفيا على متن الأسطول، وقد اعتقلوا هم أيضا. ووصفت المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحفيين، سارة قُضَة، هذا الاعتقال بأنه "انتهاك واضح للقانون البحري الدولي، وتصعيد خطير في نمط هجمات إسرائيل على الصحفيين"، داعية زعماء العالم إلى المطالبة بالمحاسبة.

ومن جانبه، انضم مارتن رو من منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى الإدانة، قائلا: "نندد باعتقال الإعلاميين بشكل غير قانوني أثناء تغطيتهم عملية إنسانية غير مسبوقة".

وبعد عودته، تحدث الصحفي البريطاني الفلسطيني كيران أندريو لبرنامج Democracy Now! قائلا إن النشطاء عانوا من ظروف تعذيب قاسية في إسرائيل، وأضاف: "كانوا يرمون الأدوية في القمامة أمام أعين أصحابها ويضحكون، وكانوا غير مبالين بموتنا المحتمل".

وأفاد عدد من الصحفيين بأن قوات الاحتلال مارست التعذيب النفسي والجسدي بحق الناشطة المعروفة غريتا تونبرغ، حيث وصف الصحفي التركي المشارك في الأسطول، إرسين تشيليك، كيف تم "سحبها على الأرض"، وأُجبرت على "تقبيل العلم الإسرائيلي"، قائلا إن ما حدث "مطابق لما فعله النازيون".

وبعد عودته إلى إسطنبول، قال الصحفي لورينزو داغوستينو إن تونبرغ "لفّوها بالعلم الإسرائيلي واستعرضوها كما تُستعرض الغنائم". أما صحيفة الغارديان، فقد ذكرت أن مؤيدي تونبرغ تواصلوا مع وزارة الخارجية السويدية، والتي أرسلت مسؤولا لزيارتها في السجن، وهناك أكدت افتقارها للماء والغذاء، ومعاناتها من طفح جلدي بسبب البقّ. ومع ذلك، لم تشتكِ غريتا، وكانت كلماتها في أثينا مفعمة بالقوة والرحمة، حين قالت للجمهور إنهم تحرّكوا "لأن قادتنا لم يفعلوا".

أما الصحفي الأميركي ديفيد أدلر، فقد وصف كيف تم "اختطافه، وتجريده من ملابسه، وتقييده، وتغمية عينيه، وإرساله إلى معسكر اعتقال" دون طعام أو ماء أو دعم قانوني. لكنه أضاف أن ما مرّ به "يُعدّ تافها مقارنة بما يعانيه الفلسطينيون يوميا". وتساءل: "إذا كان هذا ما حدث لمتطوعين إنسانيين من 45 جنسية، تحت أعين العالم… فتصوّروا ما يحدث في الظلام الكامل للفلسطينيين، الذين يواجهون ما هو أفظع مما عشناه بكثير".

الدعم العالمي لإسرائيل ينهار، والمشهد السياسي في الولايات المتحدة يشهد تحولا زلزاليا. بلا شك، تعرض دونالد ترامب، الذي يتضاءل التعاطف الجماهيري معه، لضغوط هائلة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن، لا سيما في ظل تعهده الانتخابي بأن يكون "رئيس السلام" [حتى أثمرت تلك الجهود في النهاية].

كما أن تراجع دعم نتنياهو حتى داخل أوساط اليمين المتطرف المؤيدة لترامب، لعب دورا في ذلك، وكذلك فعل "أسطول الصمود العالمي"، الذي كشف في النهاية عن أسوأ ما في الإنسانية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا