في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في خطوة أثارت جدلا واسعا، اتجه عدد متزايد من الدول الغربية في الأسابيع الأخيرة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في تحول لافت في المواقف التقليدية التي طالما اشترطت التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض مع إسرائيل قبل أي اعتراف رسمي.
غير أن تقريرا تحليليا -نشره مركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي على موقعه الإلكتروني- يؤكد أن هذه الموجة من الاعترافات، رغم أنها تعكس تحوّلا مهما في المزاج الغربي تجاه القضية الفلسطينية، فإنها تبقى في جوهرها خطوة رمزية ومحدودة التأثير.
ويفيد التقرير أن هذا التحول يأتي في ظل تنامي الغضب الدولي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وتدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، إذ تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 66 ألفا بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة.
ويضيف المركز الأميركي إلى ذلك أن أي احتمالات للتوصل إلى حل الدولتين عبر التفاوض ترفضه الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – الذي وصف الاعترافات بأنها "مكافأة هائلة للإرهاب".
ووفقا لمركز ستراتفور للدراسات الإستراتيجية والأمنية، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن أي حكومة إسرائيلية مقبلة، حتى بعد انتخابات 2026، ستكون يمينية كذلك، مما يرجح استمرار هذا الرفض.
ويشير مركز ستراتفور إلى أن ازدياد الضغوط الشعبية والسياسية في دول غربية عدة، لاتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه إسرائيل، دفع حكومات مثل أستراليا وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة إلى الاعتراف بفلسطين قبيل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انطلقت الثلاثاء الماضي.
ومع أن نحو 80% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتت تعترف بفلسطين، إلا أن هذه الخطوة وحدها لا يمنحها العضوية الكاملة، إذ يتطلب ذلك موافقة مجلس الأمن الدولي، التي يتوقع ستراتفور أنها ستصطدم حتما بحق النقض (الفيتو) الأميركي.
وإلى جانب إعلانها الاعتراف بدولة فلسطين، ربطت دول مثل فرنسا وأستراليا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بظروف لا تخضع بالضرورة لسيطرة السلطة الفلسطينية .
ففرنسا طالبت -بحسب ستراتفور- بالإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، كما اشترطت أستراليا تنفيذ إصلاحات طال انتظارها في مؤسسات السلطة والتأكد من استبعاد حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) من أي حكومة مقبلة، وهو ما يجعل عملية التطبيع الكامل مع الدولة الفلسطينية المحتملة بطيئة ومعقدة.
وفي موازاة ذلك، اتخذت بعض الدول الأوروبية إجراءات أخرى ضد إسرائيل ذات طابع رمزي أكثر منه عملي، حسب وصف التقرير التحليلي.
والشاهد على ذلك -طبقا للتقييم- أن فرضت هولندا وسلوفينيا عقوبات وحظر سفر على وزراء إسرائيليين يوصفون بأنهم يمينيون متشددون مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بسبب تصريحات تدعو إلى "تطهير عرقي" في غزة وضم الضفة الغربية.
أما إسبانيا -يتابع التقرير- فذهبت أبعد من ذلك بفرض حظر شامل على تصدير السلاح إلى إسرائيل ومنع مرور وقود الطائرات إليها، إضافة إلى حظر استيراد منتجات المستوطنات في الضفة الغربية .
ومع ذلك، يؤكد التقرير أن هذه الإجراءات لن تُحدث تأثيرا جوهريا، إذ إن إسبانيا ليست موردا رئيسيا للسلاح إلى إسرائيل، وغالبية منتجات المستوطنات تخضع أصلا للمقاطعة.
ثم إن المركز الأميركي يرى أن سيطرة إسرائيل على مفاصل أساسية في الأراضي الفلسطينية -من المعابر وحركة الأفراد إلى النظام المالي- تجعل من الصعب أن تُترجم الاعترافات إلى تحسن ملموس في الأوضاع الإنسانية أو السياسية للفلسطينيين.
فالاقتصاد الفلسطيني -برأي التقرير- مرتبط بالنظام المصرفي الإسرائيلي الذي يعتمد على عملة الشيكل، كما تتحكم إسرائيل في وصول البعثات الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية، مما يجعل أي تغيير مرهونا بتعاونها.
كما أن إسرائيل -التي "أظهرت قدرة عالية على تحمل الضغوط الدولية" بحسب التقرير- لا يُتوقع أن تخفف من عملياتها العسكرية في غزة أو القيود في الضفة الغربية . بل على العكس، قد تدفع هذه التطورات الحكومة الإسرائيلية نحو تسريع خطط ضم الأراضي.
ويُنتظر أن يسعى نتنياهو للحصول على الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب -خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن يوم 27 من الشهر الحالي- للبدء بضم مستوطنات ومناطق تربط مدنا مثل رام الله وجنين ، مع تجنب ضم المدن الكبرى خشية ردود الفعل الخليجية والدولية، حسب ستراتفور.
ورغم تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن ضم الأراضي لن يشمل مناطق تخضع للسلطة الفلسطينية، فإن التوجه نحو ضم المستوطنات سيؤدي -طبقا للتقرير- إلى مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل وتزايد خطر الاشتباكات مع الفلسطينيين والمستوطنين، فضلا عن تصاعد هجمات الفصائل الفلسطينية في الضفة والقدس وداخل إسرائيل نفسها.
ويخلص التقرير إلى أن قدرة إسرائيل على الرد على الدول التي اعترفت بفلسطين محدودة، إذ إن الاتحاد الأوروبي يمثل أكبر شريك تجاري لها، وإن أي إجراءات اقتصادية انتقامية قد تضر باقتصادها.
ولذلك يتوقع مركز ستراتفور أن تقتصر ردود هذه الدول على خطوات رمزية مثل سحب الاعتمادات الدبلوماسية ومنع الزيارات الرسمية، كما حدث مع النرويج وإيرلندا في أعقاب اعترافهما بفلسطين عام 2024.