آخر الأخبار

اغتيال مسؤولة يخلق غضبا وانقساما في اليمن

شارك

تعز- على مدى نحو أسبوع، عاشت مدينة تعز أياما عصيبة عقب اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بالمحافظة إفتهان المشهري، في حادثة لافتة هزت الشارع اليمني وتحولت إلى غضب عارم قبل أن يعود الهدوء النسبي من جديد.

وأعلنت الشرطة اليمنية في تعز ، أمس الأربعاء، مقتل المتهم الرئيس بالجريمة محمد صادق المخلافي أثناء مقاومته حملة أمنية شمالي المدينة.

وكانت المشهري (45 عاما) قد اغتيلت بنحو 20 طلقة اخترقت رأسها أثناء مرورها بسيارتها في شارع سنان وسط مدينة تعز صباح الخميس الماضي. وقوبلت هذه الجريمة بإدانات واسعة من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليا و جماعة أنصار الله (الحوثيين )، إضافة إلى أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات حقوقية متعددة.

من جهتهم، وافق عمال النظافة على تعليق إضرابهم عن العمل، الذي تسبب بتكدس النفايات بشكل غير مسبوق في معظم أحياء المدينة. وفي سبيل معالجة أزمة النفايات، أصدر المحافظ نبيل شمسان قرارا بتعيين إيلان عبد الحق قائمة بأعمال مديرة صندوق النظافة والتحسين، إلى جانب عملها كوكيلة المحافظة للشؤون الصحية.

وعقب اجتماع، قامت عبد الحق بالنزول إلى الميدان مساء الأربعاء، ودشنت استئناف أعمال النظافة ورفع النفايات والمخلفات المكدسة من الشوارع، وحثت في تصريح للصحفيين على مضاعفة الجهود بالتنسيق مع المديريات لترحيل كل القمامة من شوارع وأحياء المدينة، ودعت الجميع الى التعاون مع الحملة باعتبار النظافة مسؤولية مشتركة وجماعية.

مصدر الصورة تكدس القمامة في معظم أحياء وشوارع تعز عقب إضراب عمال النظافة (الجزيرة)

مسار القضية

وحول حيثيات مقتل المتهم، قال بيان صادر عن وزارة الداخلية إن الشاب "قاوم الحملة الأمنية برمي القنابل وإطلاق الرصاص، وأصاب خمسة من أفراد الأمن، ما استدعى الرد عليه وقتله".

بدوره أثنى وزير الداخلية اليمني إبراهيم حيدان، على ما وصفها "بالجهود المتميزة التي بذلتها الأجهزة الأمنية في تعز، مشددا على أهمية سرعة استكمال ملف جمع الدلائل القانونية بحق المضبوطين في القضية، وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة ليتمكنوا من نيل جزائهم العادل على جريمتهم النكراء".

إعلان

وعقب مقتل المتهم الرئيس في الجريمة، تباينت ردود الأفعال في الشارع اليمني بين من أشاد بصحوة الأمن، ومن شكك بأن الشاب صُفّي لدفن ملابسات القضية والتغطية على متهمين آخرين.

فبعد ساعات من الإعلان عن مقتل المتهم، نشر ناشطون مقطع فيديو له تحدث فيه أنه ارتكب الجريمة بتحريض من محمد سعيد المخلافي، شقيق الشيخ حمود سعيد رئيس المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، حيث أثار هذا المقطع -غير المعروف مصدره- جدلا في أوساط اليمنيين.

وبعد وقت قصير من تداوله، أعلنت شرطة تعز – في بيان مقتضب- أن المخلافي سلم نفسه لقوات الأمن، من أجل التحقيق معه حول ما نسب إليه في الفيديو.

وقبلها بيومين، كان المتحدث باسم شرطة تعز أسامة الشرعبي، قد اتهم المخلافي باعتراض الحملة الأمنية التي حاولت مداهمة منزل يؤوي منفذ جريمة اغتيال المشهري، لكن المخلافي سارع بالنفي عبر مقطع فيديو وقال إنها "شائعات كاذبة" وإنه كان نائما في ذلك الوقت، داعيا المتحدث الأمني إلى الاعتذار.

انقسام واضح

يشير مدرس النقد الإعلامي وأخلاقيات الإعلام بجامعة تعز مجيب الحميدي، إلى وجود انقسام بين من ابتهجوا لمقتل المتهم الأول وشعروا بالارتياح، ومن رأوا في الأمر تصفية مريبة، وأن قتله قبل استكمال التحقيقات قد يحجب معالم القضية ويحول دون كشف شركاء محتملين أو جهات محرّضة.

واعتبر الأكاديمي والباحث اليمني في حديثه للجزيرة نت، أن "هذا الانقسام كشف عمق أزمة الثقة بين المجتمع وأجهزته الأمنية والقضائية، ويوضح كيف أصبح غياب العدالة التامة بيئة خصبة لتغذية الشكوك والتأويلات".

وفي تقييمه للوضع الأمني في تعز حاليا، أشار الحميدي إلى أنه لا يزال "هشا ومعقدا"، منبها إلى أن "محاولات بسط الاستقرار تقابلها اختراقات مسلحة وملفات مفتوحة للاغتيالات، وأن إصلاح الوضع مرهون بقدرة السلطة المحلية على إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقضائية، وتعزيز الشفافية في التحقيقات، وضمان عدم إفلات أي متورط من العقاب".

وحذر من أنه دون هذه الإصلاحات ستبقى المدينة عرضة لدورات جديدة من الفوضى والعنف، ما قد يقوّض أي أفق لبناء الثقة واستعادة سيادة القانون.

مصدر الصورة جريمة اغتيال المشهري (يسار) تحولت إلى قضية رأي عام غاضب (وكالات)

دوافع التشكيك

يقول المحلل السياسي أحمد شوقي أحمد، إن انقسام الشارع اليمني إزاء مقتل المتهم باغتيال المشهري يعود لعدة أسباب، أبرزها ضعف الثقة بالسلطات الأمنية وارتباط القضية بشبكة نفوذ واسعة.

وأوضح للجزيرة نت، أن الخلاف الذي سبق الجريمة بين الضحية والمتهمين لم يكن جوهريا، بل ارتبط بتأخر صرف رواتب بسيطة لمجموعة كانت تطالب بالبقاء في بعض المرافق الحكومية كحراسة، معتبرا أن "قيمة الطلقات التي أُطلقت على الشهيدة ربما كانت أعلى من قيمة تلك المبالغ، ما يجعل الدافع غير منطقي".

وأشار أحمد إلى أن المتهمين بالجريمة ليسوا معزولين، بل مرتبطين بشبكة واسعة ارتكبت عشرات الجرائم في السنوات الماضية، "بعضها بغطاء من مراكز نفوذ داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، ولذلك فإن كثيرين رأوا أن الجريمة قد تكون نُفذت بتحريض من أطراف نافذة وليست مجرد خلاف شخصي" حسب قوله.

إعلان

وبشأن حيثيات مقتل المتهم، أوضح شوقي أن حالة الارتياح الشعبي كانت عاطفية ومرتبطة برغبة الناس في ردع المجرمين، لكنه اعتبر أن هناك شريحة كبيرة شككت في الرواية الرسمية التي تحدثت عن مقتل المتهم في مواجهة مسلحة، ورأت أن الأمر قد يكون مقصودا لطمس أسرار "حول الممولين والمحرضين" على الجريمة.

وأضاف أن انعدام الثقة بالسلطات يعزز هذه الشكوك، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية نفسها أقرت بوجود مئات العسكريين المتهمين بجرائم قتل دون أن تتم ملاحقتهم أو محاسبتهم خلال السنوات الماضية.

مصدر الصورة جريمة اغتيال المشهري كشفت عن فجوة ثقة بين المواطنين والجهات الرسمية (الجزيرة)

كيد سياسي

يرى الصحفي يعقوب العتواني، أن اغتيال المشهري قوبل باهتمام كبير؛ لكون القتلة مكشوفين للرأي العام، ويمثلون نموذجا للجريمة، وموضع شكوى وسخط شعبي داخل المدينة منذ سنوات.

وعلق العتواني على مقتل المتهم في حديثه للجزيرة نت بأن "الشكوك في جانب منها تبدو مفهومة، بسبب الاعتقاد الشائع في أوساط الناس بأن هناك مستفيدين كُثرا من قتل المشهري، وأن خلف القاتل متنفذين كبارا نفذوا الجريمة من خلاله".

ونبه إلى أن "الكيد السياسي" كان حاضرا بقوة في التعاطي الإعلامي مع الجريمة من قبل خصوم حزب التجمع اليمني للإصلاح ، الذي يُنظر له بأنه المتحكم بالملف الأمني والعسكري في تعز.

ويرجح المتحدث أن الوضع الأمني في تعز "ذاهب في اتجاه التحسن" في ظل عمليات الضبط الحالية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بحق العديد من المطلوبين للقضاء، "شريطة أن يكون ذلك ضمن توجه جاد لتفكيك العصابات المسلحة التي تنامت في ظل أحد ألوية الجيش".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا