شنّ الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك، عبر سلاح الجو، ما وصفوه بـ "غارة دقيقة" استهدفت قيادة حركة حماس في الدوحة. من جانبها، أعلنت حركة حماس "إخفاق" محاولة اغتيال قادتها، وأكدت مقتل عدد من مرافقي الوفد، بينهم نجل خليل الحية، وجهاد لبد مدير مكتبه.
لا تزال الطرق المؤدية إلى موقع الضربة الإسرائيلية مغلقة بالحواجز الأمنية، في حين تواصل المروحيات التحليق في الأجواء منذ ساعات. لكن تبدو الشوارع المحيطة الآن هادئة.
تبعد المنطقة نحو 15 دقيقة فقط عن مقر البرلمان القطري، وهي حي سكني يضم أيضاً فنادق فاخرة وعدداً من السفارات.
ورغم تأكيد السلطات القطرية أن الضربة الإسرائيلية استهدفت "أحد المقرات السكنية التابعة لحماس"، فإن السكان الذين تحدثنا إليهم في الدوحة وصفوا ما حدث بأنه "هجوم صادم" على أحد أبرز أحياء العاصمة.
هذه هي المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر التي تتعرض فيها قطر، الدولة الصغيرة الثرية، لقصف صاروخي، والمرة الأخرى كانت الهجوم الإيراني الرمزي في يونيو حزيران على قاعدة العديد الجوية الأمريكية، الواقعة على مشارف الدوحة.
لا شك أن هناك من داخل عائلة آل ثاني الحاكمة، إحدى أغنى العائلات في الخليج، من يتساءل عن حكمة استضافة قيادة منظمة تصنف "إرهابية" وقاعدة عسكرية أمريكية ضخمة في آن واحد.
فقطر منشغلة باستثمار ثروتها الهائلة من الغاز في شراء حصص استراتيجية في كيانات أقل خطورة مثل عقارات لندن.
أين يترك هذا بقية الشرق الأوسط؟
لقد توقفت محادثات السلام المتعثرة في غزة، التي ترعاها وتستضيفها قطر، بشكل مفاجئ. هذه أخبار سيئة للرهائن الإسرائيليين، الذين لا بد أن حياتهم في خطر مميت أكبر، وأخبار سيئة لشعب غزة، الذي لا يزال يعاني من عذاب يومي مستمراً.
في جميع أنحاء المنطقة، أثبتت إسرائيل بالفعل أنها، بضوء أخضر فعال من الإدارة الأمريكية الحالية، تستطيع ضرب أي مكان دون عقاب: غزة، لبنان، سوريا، إيران، واليمن.
لكن ضرب قطر قد يكون فوق طاقة حتى إدارة ترامب.
إذا كان هناك رد فعل عنيف في المنطقة، فمن المرجح أن يستهدف المصالح الأمريكية، بدلاً من المصالح الإسرائيلية التي قد يكون من الأصعب الوصول إليها.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة كان "قراراً اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وليس قراراً اتخذته أنا"، مؤكداً أن القصف الأحادي داخل دولة قطر "لا يخدم أهداف إسرائيل أو الولايات المتحدة".
وأضاف ترامب في تصريحات له أنه يعتبر القضاء على حركة حماس "هدفاً مشروعاً"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن قطر "حليف قوي وصديق للولايات المتحدة"، معبّراً عن "أسف عميق" لوقوع الهجوم على أراضيها.
وأوضح أنه وجّه وزير الخارجية الأمريكي للإسراع في إتمام اتفاق التعاون الدفاعي مع قطر، لافتاً إلى أنه أجرى اتصالاً مع أمير قطر ورئيس وزرائها وأكد لهما أن "مثل هذا الأمر لن يتكرر على أرض قطر".
أعلن رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني أن قطر تعرضت لهجوم إسرائيلي "غادر"، لا يمكن وصفه إلا بأنه "إرهاب دولة".
وفي مؤتمر صحافي عقده في الدوحة، شدد آل ثاني على أن بلاده لن تتهاون في ما يتعلق بالمساس بسيادتها وسلامة أراضيها، وستتعامل بحزم مع أي خطر يهدد أمنها، مؤكداً أن قطر تحتفظ بحق الرد على "الهجوم السافر" وستتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي له.
وكشف الوزير أن الجانب الأمريكي أبلغ قطر بالهجوم بعد عشر دقائق من وقوعه، لافتاً إلى أن إسرائيل استخدمت أسلحة لم ترصدها الرادارات. واعتبر أن ما جرى "محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي"، مضيفاً أن "رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يقود المنطقة إلى مستوى لا يمكن إصلاحه"، وأن هذا العمل تجاوز كل المعايير الأخلاقية.
أشار آل ثاني إلى أن الهجوم جاء رغم استمرار مفاوضات في الأيام الأخيرة بطلب من الولايات المتحدة لبحث مبادرات السلام، متهماً إسرائيل بمحاولة تقويض هذه المساعي، ومضيفاً: "هل يحتاج المجتمع الدولي إلى رسالة أوضح حول من هو المتنمر في المنطقة؟".
وأكد الوزير أن قطر لم تدخر جهداً لوقف الحرب في غزة، لكنها بعد الهجوم الأخير لا ترى إمكانية جدية لصفقة سلام. وأردف: "الدبلوماسية القطرية بنيت على أسس الاستقرار والحلول السياسية، ولن يثنينا أي عمل عدائي عن مواصلة دورنا في الوساطة والسعي إلى استقرار المنطقة".
في الساعات التي تلت الضربة الإسرائيلية على قادة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، عكف مراسلو بي بي سي على تحليل كل جانب واستخلاص التداعيات الأوسع.
يقول مراسل الشؤون الأمنية فرانك غاردنر إن الضربة الإسرائيلية تُشكل سابقة مقلقة لمحادثات السلام المستقبلية.
ويضيف أن القطريين، الذين استثمروا وقتاً طويلاً في محاولة التوسط لإنهاء حرب غزة، غاضبون للغاية.
يكتب المراسل الدبلوماسي بول آدامز أنه مع تزايد التساؤلات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يمكن اعتبار الضربة مقامرة باهظة الثمن.
يقول محرر الشؤون الدولية جيريمي بوين إن الضربة تُظهر بوضوح أن إسرائيل تمضي قدمًا بكل قوتها على جميع الجبهات، وأنها تخلت عن المحادثات.
يضيف أن هذه ليست مجرد حرب على غزة، بل حرب على حماس أينما كانت.
في تقريره من القدس، يقول واير ديفيز إن هذا القرار تسبب في تصعيد كبير في التوترات الإقليمية، ويأتي بعد يومين فقط من حث ترامب قادة حماس على دراسة خطته لوقف إطلاق النار.
ومن الولايات المتحدة، يقول مراسل وزارة الخارجية الأمريكية توم باتمان إن على ترامب احتواء التداعيات، حيث تتجه الأنظار إلى ما سيفعله لاحقاً.
كما تقول مراسلة أمريكا الشمالية نوميا إقبال إنه من الواضح أنه إذا كان هناك خيار لوقف الهجوم الإسرائيلي. الولايات المتحدة لم تأخذه بعين الاعتبار.
كنت في مكتبي عندما سمعت الانفجارات. كنت مرتبكاً، أنظر من النوافذ لا أدري ما الذي أفكر فيه. في البداية، ظننت أنها ضربة رعد قوية أو ظاهرة طبيعية.
ثم تذكرت الانفجارات التي سمعناها قبل شهرين عندما استهدفت الصواريخ الإيرانية القاعدة العسكرية الأمريكية في الدوحة، العديد. فكرت: "هل إيران هي من فعل ذلك؟".
مع تلاشي المزيد من الانفجارات، تذكرت ما نسميه في غزة "حزام النار"؛ أي عندما يُسقط الجيش الإسرائيلي عدة صواريخ على موقع واحد خلال فترة زمنية قصيرة جداً.
أصوات مشابهة جدًا سمعتها اليوم: أكثر من 10 انفجارات متتالية خلال دقيقتين تقريباً.
كان أطفالي خائفين في المنزل، واتصلت زوجتي تسألني: ما هذا القصف؟ لم يكن أحد يعلم ما الذي يحدث، كنا جميعاً مصدومين ومرتبكين.
ما كانت إسرائيل لتشن هجومها على حماس داخل قطر إلا بإذن من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد أكد البيت الأبيض أن إسرائيل أخبرت الولايات المتحدة بالقصف من غير إعطاء تفاصيل.
تعد قطر حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة كما وإن هناك قوات وقواعد عسكرية أميركية في قطر.
وقطر أيضاً وسيط رئيسي في المفاوضات بين إسرائيل وحماس التي لم تصل الى اتفاق لكنها كانت السبيل الدبلوماسي الأساسي لادارة ترامب في إطار البحث عن اتفاق لايقاف الحرب التي وعد ترامب بايقافها.
وقد أمتدح ترامب ومقربون منه قطر في أكثر من مناسبة على دورها في الوساطة وغير ذلك.
وكانت قطر واحدة من المحطات الثلاث في جولة ترامب الخليجية قبل أشهر، بالإضافة الى السعودية والامارات، لكن ترامب قرر على ما يبدو أن لإسرائيل أن تضرب قادة حماس في الدوحة رغم تلك الاعتبارات.
كان من اللافت أن ترامب أصدر قبل يومين من هجوم إسرائيل على حماس في قطر تحذيراً قال انه التحذير الأخير لحماس، وطلب ترامب من حماس ان توافق على تسليم كل الرهائن الذين تحتجزهم في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار، وأردف ذلك بالتحذير من أن حماس إن لم تفعل ذلك فستواجه العواقب.
جاء ذلك التحذير وسط كلام اخر لترامب ولغيره عن احتمال اقتراب صفقة كان من المفترض ان توقف الحرب وتوقف هجوم إسرائيل على مدينة غزة الذي هددت الحكومة الإسرائيلية بشنه منذ أسابيع.
في النهاية جاء الهجوم ولكن في الدوحة حيث قيادة حماس.
وأنهى هذا الهجوم مبدأ راعته أسرائيل ومن خلفها أميركا في السماح لقطر بتوفير مقر سياسي لحماس من أجل إبقاء خط للتواصل السياسي والعمل الدبلوماسي. انتهى ذلك الآن وأصبحت فكرة التوصل الى اتفاق بوساطة من قطر أو من غيرها في مهب الريح.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حرب غزة يمكن أن "تنتهي على الفور"، بقبول مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي رسالة موجهة للمدنيين في غزة، أضاف نتنياهو: "دافعوا عن حقوقكم ومستقبلكم، اصنعوا السلام معنا، واقبلوا مقترح الرئيس ترامب".
وفي يوم الأحد، قالت حركة حماس إنها ترحّب بـ"بعض أفكار" تقدّمت بها الولايات المتحدة، حول كيفية التوصل لاتفاقٍ لوقف النار في غزة.
وكان الرئيس ترامب في وقت سابق، قال على منصته سوشال تروث: "الجميع يريد عودة الرهائن. الجميع يريد لهذه الحرب أن تنتهي! الإسرائيليون قبلوا بشروطي. الدور الآن على حماس" لكي تقبل بتلك الشروط.
وأضاف ترامب: "لقد حذّرت (حماس) من تبعات عدم القبول. هذا إنذاري الأخير؛ لن يكون هناك المزيد من الإنذارات!".
يصعب تفسير الأحداث الدرامية التي شهدتها قطر اليوم إلا باعتبارها تصعيداً كبيراً للتوترات والصراعات القائمة في المنطقة.
فبعد يومين فقط من دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادة حركة حماس إلى دراسة خطته الأخيرة لوقف إطلاق النار في غزة، يثور تساؤل حول ما إذا كان قد أجاز أو علم مسبقاً بنية إسرائيل استهداف هؤلاء القادة بالاغتيال أثناء اجتماعهم في الدوحة لمناقشة رد الحركة على الخطة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن عبر وسائل التواصل أن ضربة قطر كانت "عملية إسرائيلية مستقلة بالكامل".
ورغم أن الهجمات نفذها طيارون إسرائيليون مستخدمين طائرات أمريكية الصنع وأسلحة أمريكية الصنع، يرى محللون أنه من غير المعقول أن تتم مثل هذه العملية الجريئة والمحفوفة بالمخاطر دون تنسيق أو موافقة مسبقة من الإدارة الأمريكية.
ويشير مراقبون إلى أن أي موافقة أمريكية كانت ستُعتبر ضرورية نظراً للتبعات المتوقعة على استقرار المنطقة، فضلاً عن وجود قاعدة أمريكية رئيسية في العُديد تضم مئات الجنود، حيث كان على الطائرات الإسرائيلية المرور فوقها أو بالقرب منها، ما قد يعرضها للاستهداف إذا لم يكن الجانب الأمريكي على علم بوجودها وهدفها.
نشر رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا عبر صفحته على منصة إكس مقطعاً مصوراً (فيديو) للحظة القصف الإسرائيلي للدوحة، مرفقاً عبارة باللغة العربية على الفيديو "هذه رسالة للشرق الأوسط بأسره".