آخر الأخبار

الطفلة مريم رمز لجيل مجوّع يذوي في مراكز الإيواء

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

غزة- ترقد مريم عبد العزيز دواس، الطفلة الفلسطينية ذات التسعة أعوام، على سرير حديدي صدئ في زاوية غرفة ضيقة برفقة والدتها داخل مركز إيواء في مدينة غزة .

الضوء الخافت المنبعث من نافذة صغيرة بالكاد يخترق الغبار العالق في الهواء، ليكشف ملامح جسدها الهزيل الذي لم يتبقَّ منه سوى عظام بارزة وبشرة شاحبة مرهقة.

يدها الصغيرة ترتجف، وأصابعها نحيلة كأغصان يابسة، وعيناها الواسعتان غارقتان في حزن يفوق سنها بكثير. بجانبها، لعبة قماشية قديمة فقدت لونها وملمسها، شاهدة على طفولة مسروقة بفعل الجوع والحصار.

مصدر الصورة مريم واحدة من آلاف الأطفال الذين يختطفهم الجوع وكل يوم يتناقص وزنها وتبهت ملامحها (الجزيرة)

ظلال الغرفة الرطبة

الغرفة صامتة إلا من أنفاس مريم المتقطعة وهمسات أمها التي تحاول عبثا طمأنتها، لا أحد يشاركهما هذه الزاوية الضيقة، فهما معا في غرفة منفردة داخل مركز الإيواء، تحيط بهما جدران مهترئة وأغطية مبعثرة فوق الأرضية الباردة.

رائحة الغبار والرطوبة تملأ المكان، وملامح الحرب بادية في كل زاوية، في هذه الوحدة القاسية، تغيب أصوات اللعب والضحكات، ولا يبقى لطفلة مثل مريم سوى أحلام بعيدة عن الخبز والحليب ودفء البيت.

مريم التي كانت تزن 25 كيلوغراما قبل العدوان الإسرائيلي، تقلّص وزنها الآن إلى 10 كيلوغرامات فقط، حتى أنها فقدت القدرة على المشي والنطق، ولم يعد بإمكانها الركض في ممرات مركز الإيواء أو اللعب مع أقرانها أو حتى الحديث مع أمها.

تؤكد الفحوصات الطبية أنها لا تعاني من مرض عضوي، فالجوع وحده الذي التهم جسدها حتى تركه هيكلا ضعيفا على حافة الحياة.

وكلما حاولت والدتها أن تمد لها يدا حانية لتساعدها على الوقوف، يرفض جسدها المنهك الاستجابة، ولا يصدر عنها سوى أنفاس متقطعة ونظرات تستغيث دون كلام، وكأنها تحاول أن تقول كل شيء بعينيها الصغيرتين.

دموع أُم قلقة

تربت أم مريم برفق على جسد ابنتها، وتحاول تدفئتها ببطانية مهترئة، وعيناها غارقتان في الدموع، تقول بصوت متهدج يخنقه القلق "أخاف أن تفارق ابنتي الحياة في أي لحظة، كل يوم أشعر أن هذه الليلة قد تكون الأخيرة لها، ولا أملك ما أنقذها به، أريد حلا لمريم، أريد أن أراها تعود كما كانت".

إعلان

الأم تحمل بين ذراعيها طفلة أصبحت ظلا لجسدها السابق، تتابع بنبرة حزينة في حديثها للجزيرة نت "كل يوم أعد العظام البارزة من جسمها، كنت أراها تلعب وتضحك، واليوم كل ما أتمناه أن أرى ابتسامة تعود لوجهها الباهت".

وتضيف "قلة الأكل كسرتنا، مريم لا تستطيع حتى طلب الطعام من شدة ضعفها، وأنا عاجزة عن توفيره، فالحرب أغلقت المعابر وأوقفت تدفق الغذاء، وحليب الأطفال أصبح حلما بعيد المنال".

تروي الأم بصوت منخفض وكأنها تعترف بعجزها "في بعض الليالي لا أستطيع النوم، أخشى أن أستيقظ لأجدها فارقت الحياة، إذ لا دواء، ولا غذاء، حتى المستشفيات باتت بلا حول ولا قوة".

وتختم بكلمات ترتجف على لسانها "لا وجع أشد من وجع أُم ترى ابنتها تموت ببطء، ولا تملك لها سوى الدعاء".

على حافة الموت

مريم ليست سوى واحدة من آلاف الأطفال الذين اختطفهم الجوع، كل يوم يتناقص وزنها وتبهت ملامحها أكثر، لم تعد تستطيع السير أو الكلام، باتت ملازمة للفراش، تنهكها أنفاسها القصيرة، تقول أمها "قلبي يتمزق وأنا أراها تتألم بصمت، لا كلمة تخرج منها، فقط أنين مكتوم ونظرات تطلب النجدة".

في مركز الإيواء، تجلس عشرات الأمهات في مشهد مشابه، يواجهن الجوع والعجز بعيون دامعة، الأطفال يبكون طلبا للغذاء، لكن الصمت سيد المكان، والانتظار ثقيل وموجع.

الجوع لم يعد مجرّد نقص في الطعام، بل هو مرض قاتل يسلب الطفولة، فيما مريم تحارب من أجل البقاء، لكن المعركة غير عادلة، لا غذاء، لا علاج، ولا اهتمام من العالم، كل دقيقة تمرّ تقرّبها من حافة الموت، والأم تصلي وتبكي دون توقف.

انتظار ثقيل

ترقد مريم في ركن الغرفة، عيناها مواربتان، وأنفاسها متقطعة، بينما يقرقر الجوع في بطنها، في حين تمسك بيد أمها، والأم تمرر كفها برفق على جبينها علّها تخفف شيئا من الألم.

جسد مريم الهزيل يئن في غرفة رطبة تخنقها رائحة الانتظار الثقيل، حيث الأمل يتلاشى بين معابر مغلقة ودماء تُسفك عمدًا قرب مراكز الإغاثة، لا تطلب الطفلة سوى لقمة خبز وجرعة حليب علاجي تعيد إليها شيئا من طاقتها، لكن غزة تحوّلت إلى مقبرة لأحلام الصغار.

قصة مريم ليست حكاية فردية، إنها مرآة لأزمة إنسانية خانقة، حيث يحاصر الجوع طفولة كاملة، ويترك الأمهات يرقبن أبناءهن يتساقطون واحدا تلو الآخر، إن لم يتحرك العالم، قد تصبح مريم اسما جديدا في قوائم وفيات الجوع، بينما يستمر الحصار في اغتيال الحياة.

مساعدات شحيحة

وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية و منظمة اليونيسيف ، هناك أكثر من 70 ألف طفل في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية الحاد. بينما يواجه 2.1 مليون فلسطيني خطر انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 785 ألف طفل حرموا من الغذاء الصحي، وقد تضاعفت معدلات سوء التغذية بين الأطفال 3 مرات خلال الأشهر الأخيرة.

وفي الوقت الذي يدّعي الاحتلال إدخال المساعدات، تبقى المعابر مغلقة، والمساعدات الملقاة من الجو تسقط غالبا في مناطق مصنفة "حمراء" يمنع جيش الاحتلال الوصول إليها.

والأدهى أن هذا الجيش قتل، وفق تقارير الأمم المتحدة ، ما لا يقل عن 859 فلسطينيا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات في مواقع مؤسسة غزة الإنسانية (مراكز توزيع المساعدات الأميركية) بين 27 مايو/أيار، و31 يوليو/تموز 2025، بينما كانوا يحاولون الحصول على كيس طحين أو عبوة حليب لإنقاذ أطفالهم.

إعلان

وتؤكد تقارير المنظمة الأممية، أن أكثر من 18% من الأطفال تحت سن الخامسة في مدينة غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن المجاعة لم تعد حكرا على هذه الفئة العمرية، بل امتدت لتصيب الأطفال فوق سن الخامسة وكذلك أعدادا كبيرة من الكبار، حيث بات الجوع ينهش أجساد الجميع بلا تمييز.

وتشير التقارير إلى أن حالات الوفيات جراء الجوع في ازدياد مستمر، حيث سُجل استشهاد عشرات الأطفال خلال الأشهر الماضية، إضافة إلى وفيات بين البالغين بسبب انعدام الغذاء والمكملات الغذائية الأساسية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا